المطربة مجدلا… في رحيلها نسدل الستارة عن مرحلة الفن اللبناني الجميل
مجدلا… صوت جميل غني بالدفء والحنان، وحضور طبيعي يمتلك التميز في زمن الكبار، لا بل ظهرت في زمن الكبار الكبار، والأهم صديقة مبادرة، وحنونة ووفية، وتسبقك في التحية، وإنسانة لا تستغيب، وتجامل جداً في الرأي حتى لا يزعل منها أحد، ولكن في القضايا الاجتماعية تحسم، وتعطي رأيها بكل ثقة، ومؤمنة جداً، وآخر أعمالها تراتيل دينية. كان لي شرف الاستماع وإعطاء الرأي والملاحظات التي كانت تتقبلها وتأخذ بها بمحبة وبعناية وبدقة المبتدئات، وبتواضع العارفات بأن المسؤولية كبيرة كي تقدم ما هو ناجح ويرضي جمهورها !
دخولها إلى الفن صدفة، وبلحظة البرق نامت ونهضت لتجد صورها وأخبارها على كل الوسائل الإعلامية المتاحة في تلك المرحلة والتي كانت مشعة فقط بأخبار وحضور وإبداع الأسطورة صباح، والهرم وديع الصافي، وجارة القمر فيروز، والواثق نصري شمس الدين والمهرجانات اللبنانية الفريدة من بعلبك العالمية إلى جبيل والأرز وبيت الدين… يومها لم يكن يسمح لأحد أن يغني على مسارحها كما حال اليوم، أن تغني في تلك المهرجانات يعني أنت قيمة إبداعية تمتلك الجديد والتجديد!
بدأت مجدلا مشوارها الفني في مطلع السبعينيات من خلال مكتشفها روميو لحود حيث قدمها إلى الجمهور سنة 1970 من خلال مهرجانات بعلبك كبطلة ولأول مرة في المسرحية الغنائية “الفرمان”.
في آخر ظهور تلفزيوني لها كان العام الماضي في برنامج كاتب هذه السطور خلال حلقة تكريمية عن المجد ملحم بركات عبر تلفزيون لبنان، يومها حضرت بكامل أناقتها واستعدادها للبوح وعلى الوقت فهي تحترم مواعيدها، وتحدثت بإسهاب عن مكتشفها الأول ملحم بركات الذي كان يزور والدها ذا الشأن في بلدته، والمتعصب لا يقبل أن تعمل ابنته في الفن. ملحم يزور والد مجدلا حتى يستمع إلى صوتها، لا بل قدّم لها مجموعة أغنيات لم يسمح والدها بأن تغنيها أو تنتشر!
تحدّثت كيف أعاق والدها استمراريتها الفنية من خلال قيود المراقبة والاختيار والتعاون مع هذا وعدم التعاون مع ذاك، السماح بغناء هذه الأغنية، ومرفوض غناء تلك التي تتحدّث عن الحب والغرام!
بسرعة البرق انتشر اسم وصوت مجدلا، وزيّنت بحضور يحسب لها وللتجربة المسرحية الاستعراضية في لبنان، كما لم يكتب أن هذه الشابة البيتوتية تخاصمت أو تشاجرت أو تأمرت على زميلة أو زميل، أو خطفت الدور في الأغنية من طريق غيرها، وكل من شاركها في ذاك الزمان والتقينا بهم أخبرونا عن طيب وتهذيب ومحبة مجدلا .
الفن بالنسبة إلى مجدلا حالة تُسعد الذات والناس، وقيمة جمالية لا تفرض المنافسة الشرسة، أما الأسرة فبالنسبة إليها سلاحها، وكل حياتها لذلك ومن أجلها ابتعدت عن الفن، وكانت تشبع هوايتها واحترافها واحترامها لتجربتها ببعض الإطلالات الإعلامية المدروسة.
شاركت مجدلا في العديد من الأعمال المسرحية، والاسكتشات الغنائية إلى جانب وديع الصافي وجورجيت صايغ وملحم بركات وإيلي شويري، كما تعاملت، خلال الفترة الممتدة من 1970 إلى 1975، مع الملحنين زكي ناصيف والياس وزياد الرحباني وفيلمون وهبي وحسن عبد النبي وملحم بركات، ولها العديد من الأغنيات التي اعتمدت على التراث اللبناني.
مجدلا مطربة المهرجانات بامتياز، وكل أعمالها تختزل في مواسم المهرجانات اللبنانية وبعض السهرات الاستعراضية المنوّعة في تلفزيون لبنان، ولا نستطيع أن نفصل بين ما قدّمته في الفن وعلاقتها مع الأصدقاء ونحن منهم، فهي صديقة لبقة، أنيقة الكلام والحضور، وإن أعجبت بمقالة بعمل فني تسارع وتبارك…
رحيل مجدلا يعني إسدال الستارة عن الزمن الفني اللبناني الجميل بامتياز رغم الصعوبة التي خاضها أصحاب تلك المرحلة، وهي أخر عناقيد التجديد الصحيح في الاغنية اللبنانية، وكل ما جاء بعد تلك الحقبة المتزنة المسؤولة حقق النجاحات الكبيرة لكن الغالبية لم تصنع البصمة والاستمرارية، ولربما أسماء نادرة حاولت البصمة ولكن الشهرة السريعة والبحث عن الثراء المالي والغرور كانت عقبة على عكس مجدلا التي جاءتها الشهرة من دون أن تسعى إليها، وحينما ابتعدت وضعت أضواء شهرتها في ألبومات الذاكرة الذهبية!