حيثيات الموقف الإيراني الرافض لمشروع «صفقة القرن»
} د . ساعود جمال ساعود
قبل البحث في ثنايا الموقف الإيراني ممّا يسمّى إعلامياً بـ “صفقة القرن” فإنّه لا بدّ من الوقوف على طبيعة هذه الصفقة وتحديد ماهيتها قبل الانطلاق للحديث عن أسباب الرفض الإيراني لها.
“صفقة القرن” التي أقترحها الرئيس الصهيوني الأميركي دونالد ترامب المعروف بتأييده للكيان الإسرائيلي، تقوم في باطنها على استمرار السيطرة الاسرائيلية على معظم الأراضي الفلسطينية ذات الأهمية الاستراتيجية التي تفوق نظراءها من المناطق الأخرى من قبيل الضفة الغربية التي احتلتها “إسرائيل” عام 1967، وضمّ الكتل الاستيطانية الضخمة في الضفة الغربية إلى الكيان الإسرائيلي المغتصب، وبقاء مدينة القدس تحت الاحتلال “الإسرائيلي”، وتخصيص أجزاء من الجانب الشرقي من المدينة للعاصمة الفلسطينية، إضافة إلى سيادة “إسرائيل” على غور الأردن والمستوطنات في الضفة الغربية، ليقاسموهم بذلك حقهم وأرضهم، ولا أدلّ على هذا من حالة الضعف اللامتناهي للدولة الفلسطينية.
التطبيع العربي عموماً والخليجي خاصّة مع “اسرائيل”، وخذلان القضية الفلسطينية أمران ظهرا للعلن فور الإعلان عن شيطان العصر، حيث أعلن الرئيس ترامب “صفقة القرن”، وسط حضور سفراء عمان والإمارات والبحرين.
في الحقيقة تكثر التنبيهات التي يجب جذب الانتباه إليها بخصوص هذه الصفقة أو هذا المشروع الاستعماري بامتياز ومن جملتها ما يلي:
أولها: كلمة استعماري التي ظنناها قد استهلكت لغير رجعة ولكن للأسف، إنّ أقوال من نسمّيهم مجانين وتوقعاتهم هي الصحيحة.
وثانيها: إنّ هذه التسوية الأميركية هي بالفعل صفقة ولكن بالنسبة لهم ولحلفائهم، وأمّا بالنسبة لأصحاب الأرض الذين لا يجدون من يقف معهم إلا بالشعارات المعدّة للاستهلاك الغذائي لأصحاب الكروش، وأيضاً للاستهلاك الإعلامي للقنوات صاحبة الدفقات الشعورية الغريبة.
وثالثها: إنّ صفقة القرن أيّ الواحد والعشرين هي إنجاز لرئيس أميركي أثبت للعلن أنّ أميركا رغم ضخامتها على الصعد المتعدّدة إلا أنّها هي مارد الفانوس السحري الذي ينفذ طلبات وأوامر «إسرائيل» وقادتها، وهي من يلبّي احتياجاتها، عكس المشاع في أديباتنا السياسية بأنّ «إسرائيل» قاعدة متقدّمة تعمل لصالح أميركا، بل العكس صحيح.
ورابعها: إنّ مشروع صفقة القرن الاستعماري جزء لا يتجزأ من المشاريع الصهيونية الأميركية التي سبقتها من قبيل مشروع الفوضى الخلاقة، ومشروع الشرق الأوسط الجديد، حيث يتلاقى هدف هذا المشروع مع ما سبقه من مشاريع استعمارية من عدّة نواح منها تقسيم المنطقة العربية، وقد نجحت، وتفتيت أمل وحدة العرب وقد نجحت، وضرب العرب بعضهم ببعض، وقد نجحت وهذا ما حصل في سورية الحبيبة حيث الدول البدوية البدائية هي العدو الأول وصاحبة الدور الأول في استهداف سورية أرضاً وشعباً، إضافة إلى تأمين أمن «اسرائيل» وقد نجحت، وضرب الأمن الاجتماعي والثقافي للعرب وقد نجحت ولا داعي للمكابرة، والأهمّ ما لحق بالسمعة العالمية للإسلام جراء توظيف خوارج العصر وإخوان الشيطان للتصرّف باسمه فقتل الإنسان، وتخريب الأوطان، وتكفير الأديان، وظائفٌ عملت عليها أجهزة الاستخبارات العالمية مختارة من أتباعها من ينفذ أجندتهم.
خامسها: صفقة قسرية وليست طوعية، فترامب هو القائل: «واشنطن مستعدة للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على أراض محتلة» فكلمة أرض محتلة خرجت من فمه، كذلك وصف صفقته بـ «حل واقعي بدولتين» هذه إشارة إلى أنّ وجود الكيان المغتصب مستمرّ أبدي، وأيّ محاولة لإزالته ستقابَل بحرب وجودية.
وعلى أساس ما سلف من نقاط، فإنّ الحلّ لمعالجة ما تقوم به أميركا و»إسرائيل» هو العمل العسكري فقط، لأنّ الدبلوماسية والتحركات السياسية لا ولن تجدي نفعاً، خصوصاً في ظلّ عالم اليوم بعد أن اتضح أنّ المنظمات الدولية تابعة للصهيوني الأميركي، وأنّ غالبية الدول العربية متواطئة مع الصهيوني الأميركي باستثناء قلة قليلة على رأسها الدولة السورية التي ترجمت مواقفها السياسية بأفعال سياسية وعسكرية…
المهمّ في الأمر مَن الطرف أو الأطراف الذين سيقومون بالعمل العسكري؟ هذا السؤال الذي لا يعرف الفلسطينيون أنفسهم جواباً له، فكيف لغيرهم أن يعرفوا؟!.
من بين الأطراف الدولية التي تقف مع الشعب الفلسطيني وعلى الأرجح سيكون لها لمستها الخاصة ودورها الفعّال في أيّ عمل يصبّ لصالح القضية الفلسطينية ولصالح الشعب الفلسطيني هي إيران التي قصفت منذ أيام قاعدة عين أسد الأميركية ولم تخش الجبروت والعتوّ الأميركي، فإيران اليوم تقف كوقفتها في الأمس مع فلسطين أرضاً ودولة وشعباً، وقد رفضت مشروع صفقة القرن منذ الإعلان عنها، حيث أكد الحرس الثوري الإيراني – استعداد إيران للعمل على إفشال خطة واشنطن للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين المعروفة إعلامياً بـ ”صفقة القرن”، وهذا أمر غير مستغرب من إيران، وذلك لعدّة أسباب نكشف النقاب عن وجهها أوّلها إنّ الكيان الصهيوني عدو مشترك لإيران وفلسطين وهذا ركيزة ايديولوجية تقوم عليها الثورة الإسلامية، كما أنّ الممارسات الأميركية تستهدفهما معاً دونما أيّ تفريق، فكلا الدولتين امتداد للآخر، وثانيها سبب دستوري تقول المادة الثانية من الدستور الإيراني: «يقوم نظام الجمهورية الإسلامية على أساس رفض جميع أشكال الاضطهاد، سواء بفرضه أو الخضوع له، وجميع أشكال الهيمنة، سواء بفرضها»، كذلك البند الخامس من المادة الثانية تقر أنّ: «طرد الاستعمار كلية ومكافحة النفوذ الأجنبي»، والأهمّ البند السادس عشر:» صياغة السياسية الخارجية للبلاد على أساس المعايير الإسلامية والالتزامات الأخوية تجاه جميع المسلمين، وتوفير الدعم الكامل لمستضعفي العالم، وثالثها إنّ استمرار الوجود الإسرائيلي وتثبيت دعائمه في منطقة الشرق الأوسط يحمل في طياته تهديداً للأمن القومي الإيراني، وعلى العكس إنّ العمل ضدّ وجود وضدّ تثبيت أركانه أكثر كما في مشروع صفقة القرن، يحمي ويخدم ويعزز الأمن القومي الإيراني في حال نجاحهم بإزالة الكتلة السرطانية «الاسرائيلية» وتهديد وجودها واستمرارها.