فلسطين مقاومة وانتفاضة… وسورية تتصدّى وتتقدّم… وواشنطن ستمدّد للعراق الغاز والكهرباء الإيرانيّين الحكومة تقرّ بيانها وتطلب الثقة الثلاثاء… و«مواجهة التحدّيات» بقيت غامضة تنتظر الترجمة حضور المستقبل والاشتراكي والقوات بين المزاج الشعبيّ والخارج… ومهلة 100 يوم
كتب المحرّر السياسيّ
فاجأ الفلسطينيون الجميع أعداءهم وحلفاءهم بسرعة الانتقال نحو الانتفاضة والمقاومة معاً، عبر المواجهات التي امتدت على مساحة الضفة الغربية وسقط فيها ثلاثة شهداء وعشرات الجرحى، وعمليات الدهس وإطلاق النار التي استهدفت جنود جيش الاحتلال، وأصابت أكثر من عشرة منهم بجروح، جراح اثنين منهم حرجة، بينما بقي منفذ عملية الدهس مجهولاً وعجزت قوات الاحتلال عن اعتقاله رغم وعود رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو بذلك، وأعلنت حركة الجهاد الإسلامي مسؤوليتها عن العملية مبشّرة بكونها فاتحة مرحلة جديدة، بينما باركت سائر الفصائل العملية البطولية.
في سورية واصل الجيش السوري تطهير شوارع وأحياء مدينة سراقب التي دخلها ليل أمس، وواصلت وحدات الجيش التقدّم في المزيد من القرى والبلدات المجاورة، بينما أعلن الجيش عن تصدّي دفاعاته الجوية لعدد من صواريخ جيش الاحتلال تستهدف مواقع قرب دمشق وقام بإسقاط أغلبها، وبالتوازي مع المضي قدماً في اتجاه واضح لما يريده محور المقاومة، برز الارتباك الممتدّ من خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحول التهرّب من صياغة معادلة واضحة للتعامل مع دعوة إيران والعراق وقوى المقاومة لمغادرة القوات الأميركية للعراق، والحديث عن نية الانسحاب من الشرق الأوسط تحت شعار أن مهمة مكافحة الإرهاب قد أنجزت، ليأتي ما نشرته صحيفة الوول ستريت جورنال عن نية واشنطن السماح للعراق بمواصلة شراء الكهرباء والغاز من إيران دون التعرّض للعقوبات، لتؤكد هذا الارتباك.
في لبنان أقرّت حكومة الرئيس حسان دياب بيانها الوزاري في جلسة عقدتها في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وأطلق خلالها رئيس الحكومة اسم حكومة مواجهة التحديات على حكومته، وسط نقاش مفتوح حول كيفية تعامل الحكومة مع قضايا رئيسية حساسة كقضية الكهرباء التني تناولها أول أمس رئيس مجلس النواب داعياً لاعتماد ما فعلته كهرباء زحلة، بينما أكد التيار الوطني الحر دعوته للسير لخطة الكهرباء التي تم إقرارها في الحكومة السابقة، وهو ما جاء في البيان الوزاري. وفي التحديات المطلوب مواجهتها يحتل الشأن المالي الصدارة، وبينما كان ما ورد في البيان عناوين غامضة تحمل تعهدات بالمعالجة، سواء بالالتزام بتخفيض الفوائد أو هيكلة الديون، أو السير نحو تحفيز الإنتاج، لكن دون رسم خطط توضح كيفية تحقيق هذه الأهداف، خصوصاً في ظل كلام عن مشاريع مطروحة على جدول أعمال الحكومة للسير بوصفات دولية مرفوضة، ومثلها جاء الكلام عن عودة النازحين خالياً من الإشارة الواضحة للعلاقة مع الحكومة السوريّة وحتمية التعاون معها، وفقاً لما قالته مصادر حزبية في قوى الغالبية تاركة المجال لتوضيح أجوبة الحكومة في جلسة مناقشة البيان الوزاري، والتصويت إيجاباً على الثقة المتوقعة بين 64 و67 نائباً.
مشاركة تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية في جلسة الثقة، بعد تلويح بالمقاطعة والسعي لمنع تحقيق النصاب، أثارت تحليلات كثيرة، خصوصاً في ظل مواقف مختلفة لكل طرف من التصويت على الثقة بين الحجب والامتناع. وبينما راجت تحليلات ترى في ذلك استجابة لموقف أميركي يمهد الطريق للتعامل مع الحكومة، رجّحت مصادر نيابية أن يكون السبب غياب موقف أميركي واضح من جهة، ووجود مزاج شعبي إيجابي تجاه منح الحكومة الفرصة، والخوف من ظهور فتح النار مبكراً على الحكومة كعمل تخريبيّ على الناس في ظروف شديدة القسوة ما يشكل خسارة سياسية وشعبية جسيمة، والتريث لاستكشاف كيفية تعامل الحكومة مع المواقع الإدارية والوظيفية المحسوبة على القوى الثلاثة، ولذلك قالت المصادر إن الحديث عن مهلة المئة يوم يتردد منذ مدة على ألسنة قيادات من هذه الأطراف، لبلورة خطة مواجهة ربما يكون التصعيد أحد عناوينها، ما لم تتمكّن الحكومة من خلق كرة ثلج شعبية لصالحها بقوة تحقيق إنجازات واضحة.
وكما كان متوقعاً، أقرّ مجلس الوزراء البيان الوزاري بالإجماع، في جلسة عقدها في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
وقد أدخل رئيس الجمهورية بعض التعديلات الطفيفة مع زيادة بند يتعلق بالنازحين السوريين. وتمّت إضافة موضوع ضمان الشيخوخة في البيان تحت بند “تقوية شبكة الأمان الاجتماعية”.
وعن خطة الكهرباء التي كانت محل خلاف بين بعض أطراف الحكومة لم يتم ادخال اي تعديل عليها، واعلنت وزيرة الاعلام منال عبد الصمد بعد الجلسة ان “هناك خطة تمت الموافقة عليها في مجلس الوزراء عام 2019، وهي التي ستنفّذ مع بعض التعديلات اذا اقتضى الامر، وهو شأن يعود الى الوزراة المختصة اي وزارة الطاقة لدرس كل البدائل وتأمين الكهرباء كما هو موعود”. وعما اذا تم تغيير المعادلة الثلاثية القائمة على “الجيش والشعب والمقاومة”؟ أجابت “كلا، لا خلاف على هذه المعادلة”. وبحسب المعلومات فقد استعرض مجلس الوزراء الاوضاع المالية خلال الجلسة والخيارات المتاحة للتعامل مع استحقاقات الدين وطرح تأليف لجنة وزارية تضم وزيري المال والاقتصاد للتواصل مع مصرف لبنان وجمعية المصارف للبحث بإمكانية اعادة جدول الدين العام بالاتفاق مع الدائنين أو الاستمرار في دفع الديون”.
وقد طلب الرئيس عون في مستهل الجلسة، اضافة بند عودة النازحين السوريين الى نص البيان الوزاري. وهكذا كان. وقال “ان غالبية هؤلاء النازحين أتوا الى لبنان هرباً من اوضاع امنية صعبة، ولا بد من عودتهم بعدما زالت هذه الاوضاع في غالبية المناطق السورية التي باتت آمنة”. كما لفت الى ان بعض الدول يعارض حتى الآن عودة النازحين، ونتساءل عن اسباب هذه المعارضة على رغم اننا طرحنا هذا الملف في كل اللقاءات الدولية والإقليمية لمساعدتهم في أراضيهم لتشجيعهم على العودة، ولا نزال ننتظر التجاوب الدولي”.
بدوره، اعتبر رئيس الحكومة حسان دياب أن “البيان هو نتاج وقائع ودراسات، ولا يحمل أيّ مقاربات شخصية أو حسابات فردية”. وأشار الى أن الاسم الذي أطلقه على الحكومة هو “حكومة مواجهة التحديات”، طالباً من كل وزير وضع لائحة بالمشاريع الخاصة بوزارته لتكون جاهزة خلال اللقاءات التي نعقدها مع المسؤولين الدوليين، وكذلك خلال زيارات العمل التي سنقوم بها”.
إلى ذلك، دعا رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى جلسة للمجلس النيابي يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين لمناقشة البيان الوزاري والتصويت على الثقة. وعلمت “البناء” أن أحزاب القوات والاشتراكي والمستقبل ستشارك في الجلسة، مع اتجاه لحجب القوات الثقة وامتناع عن التصويت لكل من المستقبل والاشتراكي، كما علمت أن “الاحزاب الثلاثة تحضر لهجوم واسع ومركّز على العهد وتياره السياسي خلال مداخلات النواب”، وكشفت مصادر تكتل لبنان القوي لـ”البناء” عن “خطة تعدها الأحزاب الثلاثة لاستدراج التيار الوطني الحر لمواجهات في الشارع لإفشال العهد وعرقلة عمل الحكومة بعدما تمكن الرئيسان عون ودياب والقوى الأخرى باستيعاب المطالب الشعبية وتأليف حكومة جديدة من الاختصاصيين”. وأضافت المصادر أن “القوات اللبنانية تستكمل حربها على التيار بثوب الحراك الشعبي”، متهمة من يطاردون نواب التيار بالانتماء الى القوات والاشتراكي”، مؤكدة أن التيار “لن يخضع لهذه الضغوط والممارسات الارهابية”.
وبدأ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط تصويبه ضد وزراء التيار الوطني الحر واعتراضه على العلاقة مع سورية وإعادة النازحين، وكتب على تويتر قائلاً: “يبدو ان وزير الخارجية الجديد السيد ناصيف حتي يحب تفجير قنابل صوتية كبيرة كي يوازي سلفه في ادعاءات المبالغة كي لا اقول العنصرية المعروفة. الأفضل يا معالي الوزير تدقيق الأرقام وربما استبدال منصب الخارجية بالكهرباء”، فرد حتي على جنبلاط من دون أن يسمّيه، ونشر على تويتر دراسة لوزارة المال والـUNDP ما بين 2011 و2018 عن تأثير النزوح السوري على الاقتصاد اللبناني.
الى ذلك، بقيت تفاعلات “الفضيحة المصرفية” التي كشفها رئيس المجلس النيابي نبيه بري قضائياً، وفيما اعلنت لجنة الرقابة على المصارف ان “ما ورد من معلومات عن أن التحاويل بمبلغ 2,3 مليار دولار هي لأصحاب المصارف غير دقيق ومغلوط، والمصارف كلها قامت بتحاويل ولا يحق قانوناً للجنة معرفة أصحابها”، دعت مصادر نيابية “الأجهزة القضائية المعنية إلى توضيح المعلومات التي كشفها الرئيس بري”، مضيفة أن العدد قد يفوق الخمسة لكن لم يتم كشفه بعد، موضحة لـ”البناء” أن “عمليات تهريب الاموال تندرج ضمن عمليات الفساد المالي وتبييض الاموال ضمن قانون 44 عام 2015 يتضمن لجنة تحقيق”.
وعن الاجتماع المالي الذي عقد في عين التينة لفتت مصادر التنمية والتحرير لـ”البناء” الى أنه “عبارة عن لجنة مشتركة ستجتمع بشكل دوري لمتابعة الشؤون المالية وتقديم اقتراحات حلول للأزمات لطرحها في اجتماعات مجلس الوزاء المقبلة”، ولفتت الى أن “الاستمرار في السياسة النقدية والمصرفية والاقتصادية سيعيدنا الى الحكومات الماضية وستعدم الآمال بالخروج من الأزمة”، داعية للبحث بإمكانية إعادة جدولة الدين او تأجيل الاستحقاقات باتفاقات مع الدائنين، متسائلة من أين سيدفع مصرف لبنان استحقاقات فوائد الديون؟ وهل لديه احتياطات كافية؟ هل سيدفعها من أموال المودعين؟”.
وعقدت هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان اجتماعاً أمس، شارك فيه المدّعي العام المالي القاضي علي إبراهيم ورئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، تمّ خلاله “البحث في قضية التحويلات الى الخارج ومسألة شرعية الأموال المحوّلة أو عدمها”. كما أجرت وزيرة العدل ماري كلود نجم اتصالاً بالنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، طلبت بموجبه “اطلاعها على التحقيقات الجارية في الملف لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بشأنها”.
على صعيد آخر، دعت مصادر نيابية في 8 آذار الحكومة الجديدة الى اتخاذ خطوات جدية ورسمية لإعادة العلاقات مع سورية الى طبيعتها للمصلحة اللبنانية، مشيرة لـ”البناء” الى ان “الضرورات الاقتصادية تحتم علينا ذلك في ظل الانكماش الاقتصادي والأزمة التي نعاني منها لا سيما أن سورية المتنفس الوحيد للبنان”.
وفي سياق ذلك، تحدّث وزير الثقافة والزراعة عباس مرتضى عن «توجّه ونية في مجلس الوزراء لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه سابقاً مع سورية، لأن هذا الأمر يخدم لبنان وسورية، ونحن كلبنانيين مستفيدون لأنه لدينا خطة ترانزيت للدول العربية خاصة للمنتجات الزراعية». وأشار إلى أن «العلاقات الطبيعية والمميزة مع سورية من شأنها فتح باب العمل على التصدير من لبنان لإدخال عملة صعبة إلى البلاد، وهذا يساهم في تقدم الاقتصاد اللبناني وتطوير الحياة الاقتصادية».
واشارت كتلة الوفاء للمقاومة خلال اجتماعها الى ان «أمام لبنان وفي ظل ظروفه المالية والاقتصادية الصعبة استحقاقات مالية في الاشهر المقبلة. وهي جاءت بفعل اعتماد سياسة الاقتراض وتراكم المديونية العامة». ولفتت الى ان «التصدي لهذه الاستحقاقات الموروثة يحتاج إلى ما يشبه الإجماع الوطني، المسارات الجذرية في المعالجة المالية والاقتصادية والنقدية يستوجب قراراً وطنياً وتفهماً شعبياً».