آليات المواجهة الحقيقيّة لجريمة القرن…
د. جمال زهران _
أُعلنت ما أُطلق عليها “صفقة القرن”، بالتشارك بين ترامب ونتنياهو، بين أميركا الراعية للإرهاب الدولي، ويمثلها الرئيس المتغطرس والمغرور (ترامب)، وبين الكيان الصهيوني – الإرهابي الأول في العالم – ويمثله رئيس الوزراء الفاشل والإرهابي أيضاً (نتنياهو)، في إطار المشروع الصهيوني الأميركي للسيطرة على مقدّرات المنطقة العربية ونهب ثرواتها وفرض النفوذ عليها، وتدمير قوى المجتمع العربي الحية والمقاومة، وتحقيق حلم الكيان الصهيوني لـ “إسرائيل الكبرى” من النيل الى الفرات. ويرى البعض من قصار النظر، أن ما تقرّه الادارة الأميركية هو أمر واقع لا مفر منه، وعلينا قبوله والاستسلام له! فما تريده أميركا يتحقق، وما لا تريده لا يتحقق، وكأنّ ذلك الاستعمار الأميركي الجديد – وريث الاستعمار الأوروبي القديم والبغيض، هو قدر مفروض على هذه المنطقة الرخوة في العالم! ولا شك في أنّ هذه الرؤية أتهمها بقصر النظر، وأنّ أصحابها لديهم الرغبة في الاستسلام لما هو أميركي أو صهيوني، على خلفية أنه لم يعد لدينا القدرة على مجابهة هذا المشروع، وباعتبارنا ضعاف، وغير قادرين على امتلاك زمام المبادرة، ولا حتى نمتلك عناصر القوة التي تدفع بنا للمجابهة! ويطالبوننا هؤلاء، بأن نستسلم معهم لهذا القدر الأميركي والغدر الصهيوني، حتى نعيش في سلام وهو الاستسلام بعينه بلا شك!
وفي تقديري فإنّ أصحاب هذا الرأي الذي يتسيّد الإعلام الرسمي في أرجاء المنطقة العربية، هو إعلام يتمّ التخطيط له منذ فترة سابقة تتجاوز ربع القرن.
فالمتلاعبون بالعقول، يعيدون بناء العقل العربي الجمعي للشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، على أساس قبول ما يُعتبر مستحيلاً، ودمج “إسرائيل” في المنطقة، واعتبار أنّ معاهدة كامب ديفيد هي البداية لفرض السلام الصهيوني الأميركي، واستحالة تحقيق أي نتائج مرجوة من وراء استخدام القوة لتحرير فلسطين! ليصل بنا هذا الاعلام التآمري إلى التسليم بقبول ما يعرض علينا من أميركا و”إسرائيل”، لربما لا نجد مثله مرة أخرى! على وزن ما قاله السادات يوماً ما.. بأنني أعرض التفاوض على الفلسطينيين ليجلسوا مع الصهاينة، لإجبارهم على طرح المقاومة جانباً! وفي ما بعد توصّل المتآمرون إلى اتفاق أوسلو، لإقامة السلطة الفلسطينية الكسيحة والعاجزة، بغرض التعامل مع الكيان الصهيوني وقبول ذلك كأمر واقع!
فمَن كان يتصوّر أن يدخل رئيس الوزراء الاسرائيلي، بيوت العرب، كأنها أصبحت بيوتاً ملحقة بالكيان الصهيوني؟! ومَن كان يتصوّر أن يجلس هذا الـ نتنياهو، مع رؤساء وزعماء دول عربية ومسلمة، ومستسلمين له بهذه الصورة المزرية؟! لقد كان يتمّ لقاء هنا أو هناك، وبشكل سري، خجلاً من الشعوب، أما الآن، فاللقاءات العربية الصهيونية وبالتبادل تتمّ وكأنها شيء عادي، نتاج لإعلام تآمري على العقل العربي منذ انتهاء حرب أكتوبر 1973، وخروج مصر من المعادلة ومن دورها الإقليمي الرائد عربياً وأفريقياً واسلامياً وعبر العالم الثالث. ولا زال هناك البقية من الخجل لدى الجامعة العربية التي اجتمع وزراء الخارجية العرب، فيها، وقرّروا رفض “صفقة القرن”، أو المشروع الأميركي للسلام، على خلفية أنها لم تستوف الحدّ الأدنى المطلوب!
كما أنّ منظمة التعاون الإسلامي، التي أنشئت عام 1969، على خليفة جريمة “إسرائيل” بحرق المسجد الأقصى تحت اسم منظمة المؤتمر الاسلامي ثم تغيّر اسمها بعد ذلك، اجتمعت في مقرّها في جدة، وقرّرت أيضاً رفض المشروع الأميركي لما يسمّى بالسلام.
إذن هناك بقية من الخجل، لا بدّ من استثماره جيداً في هذا الوقت العصيب لتفعيل المجابهة الحقيقية مع مشروع السلام الاستسلامي الأميركي الصهيوني المسمّى بصفقة القرن، والتي كان وراء تسميتها للأسف أحد رؤساء المنطقة العربية حين التقى بترامب بعد توليه الرئاسة بشهور عدة، أيّ منذ أكثر من ثلاث سنوات.
فالمجابهة لا بدّ حسب تقديري تتمّ علي محورين متلازمين. أولها: المحور الإعلامي المقاوم لأفكار الاستسلام التي سمّمت العقل العربي وغرست فكرة العجز عبر الإعلام التآمري، ومشروعات التعليم الأميركية المعلّبة سلفاً، ومشروعات الثقافة التي تغرس القيم السلبية وتضعف الذاكرة القومية والعربية. وهنا فإنّ المجابهة لا بدّ أن تكون شاملة عبر النخب القوية في كلّ أنحاء الوطن العربي. ويسلتزم ذلك الفضح والمواجهة والنشر على أوسع نطاق، لمجابهة هذا التآمر على ماضي وحاضر ومستقبل الأمة.
والمحور الثاني هو: المجابهة العسكرية الشاملة عبر تشجيع الانتفاضة الفلسطينية في كلّ أنحاء الأرض المحتلة ضدّ الكيان الفلسطيني، وبكلّ الوسائل الممكنة والمتاحة، ولنا في تجارب المقاومة الكبرى في فيتنام وفي جنوب أفريقيا وفي الجزائر وفي الهند، ودول أخرى عديدة، خير مثال – حتى أن التجربة الفلسطينية شهدت آليات “الحجارة والنبلة والدهس، والطعن والعمليات الاستشهادية” وغيرها. ولن يشعر العالم بجريمة العصر واستهداف قتل القضية الفلسطينية، إلا عبر آليات جديدة، تقوّض هذه الصفقة الحقيرة وتحرير فلسطين من البحر إلى النهر ولا خيار آخر. ونحن أهل للمقاومة، وتاريخنا العربي زاخر بذلك في الماضي والحاضر، ونرفض محاولات تكريس العجز والاستسلام…
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمّع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.