ماذا يحدث في الدراما المصريّة ولماذا لا نفهم ما ينطق به النجوم الشباب؟!
} جهاد أيّوب
منذ مدة طويلة أتابع ما تقدّمه الدراما المصرية من مسلسلات وأفلام، وقد يكون استغنائي عن متابعة القنوات اللبنانية نهائياً جعلني أبحث عن أعمال فاتتني، وإعادة مشاهدة أعمال مرة ثانية، والنتيجة صدمتني بسبب الاستخفاف بأداء غالبية الممثلين الشباب، ولا إعطاء مسؤولية للكومبارس على عكس الماضي، حيث كان لا يقل قيمة عن كل فريق العمل، اليوم نجد باستمرار تلعثم وجوه شابة لا تعرف أصول النطق، والحوار، والكلام والبطولة لها، وكل الحوارات كتبت لها، ودورها في العمل أساسي، وهذا يشكل حالة مؤسفة حالياً ومربكة للحضور الفني وضعفاً كليّاً في المستقبل خاصة بعد رحيل نجوم الصف الأول عن الدنيا أو بسبب كبر العمر!
لن نتحدث عن أفكار الأعمال المأخوذة بمجملها من السينما الهوليودية والدراما التركية، ولن نتحدّث عن الكتابة والإخراج، فقط يتطرّق محورنا حول سرعة نطق الممثلين الشباب، بحيث لا نفهم ماذا يثرثرون، وما ينطقون، وبذلك تتوه الفكرة ويتشتت العمل!
أن يعتمد الممثل في نطق كلامه داخل مشهده التمثيلي لدوره، كما يتحدّث في حياته الطبيعيّة خارج تجسيد دوره بحجة أنه يؤدي بطبيعته فهذا غباء فني بامتياز، وجهل لطبيعة التمثيل والفن، ولا علاقة له بالتمثيل، وللأسف هذا ما هو حاصل عند غالبية شباب الدراما المصرية!
كما ومن خلال المتابعة نجد أن غالبية الوجوه النسائية الشابة وبعض الذكور لا تعمل على عمق الأداء بقدر الشكل والصورة، ولا تعرف النطق السليم، وتعيش سرعة لفظية مخيفة لا نفهم ماذا تقول – يا جماعة، النطق في التمثيل لا يقلّ قيمة وأهمية عن حركة الجسد، والدراما ليست نسخة بترداد الكلام عن الشارع بقدر ما هي مفردات واضحة تدل على فهم لأصول المهنة والعمل، والأهم أن نفهم الحوار كي نفهم الحدث – يعني لا أن نتحدّث والسلام كما حاصل!
نجد في العمل الواحد أن الوجوه القديمة رغم عدم البطولة كلها تلفظ بمسؤولية، تنطق بما يسرع فهمنا، تجسد الكلام مع إيحاءات الجسد وايماءات الوجه والنفس. وهذا اليوم شبه مفقود عند الجيل الحالي في الدراما المصرية، وهذه معضلة يتحمل مسؤوليتها المخرج، والمعاهد والجامعات المعنية بفن التمثيل في مصر، والنجومية الكاذبة المعتمدة على علاقات خاصة مع المنتج، وغياب النقد!
مثالنا على ما نشير بعض ما شاهدناه من أفلام ومسلسلات لأن اللائحة تطول، ونذكر «أحلا اتقبلنا قبل كدة»، و«حسن وبقلظ»، و«الهرم الرابع»، و«سمير وشهير وبهير»، و«أزمة نسب»، و«جراب حوا»، و«ابن حلال»، و«الطوفان»… رغم أن بعضها يستحق المتابعة.
لا نريد أن نتوسّع بنقد هذه الأعمال وغيرها، وغالبيتها نسخة مزعجة ومتشابهة بفكرتها وبانفعالاتها وبافتعالاتها وبالشكل والمضمون البصري، وبعضها لا يصلح للعرض وللنقد، واحتراماً لتاريخ تربينا عليه وللفن المصري نشير إلى أنه على الدراما المصرية التروي في التنفيذ لا سرعة استهلاكية توصل إلى التكرار والفشل، والاعتراف أن الزمن تغيّر، والظروف الاجتماعية والإنتاجية تغيّرت كلياً!
للأسف ما يقدم وقدم في الأعوام العشرة الماضية بغالبيته لا يشبه تاريخ مصر وحضارتها وحالتها وأناسها، لا بل لا يشبه تاريخ الدراما المصرية وقيمتها وتميّزها، والكثير منها اليوم تدّعي اللهجة ولكن بتصنع وصراخ، وخارج روح المحروسة، وتصوّر الحارة ولا تبرز قيمتها لتصبح الحارة مجرد ديكور جمالي، وتقدّم المرأة المصرية بنمطية مخيفة، متسلّطة، حاكمة ومستبدة وتصارخ باستمرار، لا بل مسترجلة تضرب زوجها، وفاسدة وتساهم بخربان البيوت، ومجرمة في المافيا!
فقط سؤال: أين المرأة المصرية المناضلة، والمثقفة، والمتفانية، والمربية، والمتفوقة في كل المجالات؟!
وللتذكير نشير إلى أن الدراما هي انعكاسات الواقع أليس كذلك يا مَن يعمل فيها؟!
ومن باب النقد المحب المطلوب في الدراما المصرية وتحديداً المسلسلات والأفلام المطلوب الابتعاد عن التهريج المفتعل، والصراخ الدائم، وتقليد الأتراك، وأعمال المافيا والجريمة والجنس العبيط، والعودة إلى الأصول في فهم الواقع المصري بكل تناقضاته ومشاكله.. مصر غنية في كل شيء حتى في المشاكل الاجتماعية التي تصنع روايات، لا بل صنع منها أهم الأفلام والمسرحيات والمسلسلات والكتب!
على العاملين في الدراما المصرية الاستفادة من تاريخ مصر الجميل والسلبي معاً، ومن تاريخ الدراما بجماليات لا تزال تؤثر فينا، وأن يتصالحوا مع مصر وشارعها لا أن يعلنوا حبها قولاً لا فعلاً والنتيجة أعمال تشوّه ما يتغنّون به عنصرياً دون قيمة!
الإيمان بأبنائها، وبالمنافسة وبتعدد الأسواق والفنون، والأهم أن يكون للدراما المصرية مخرجون أصحاب رؤية، ومجددون لا تقليديون ينقلون الصورة كما الماضي وهم يعيشون الحاضر دون أن يعلموا به.. هنا المَخرج المطلوب!