مفتاح نجاح حكومة دياب لإنقاذ لبنان وقطع الطريق على المتضرّرين
} حسن حردان
أما وقد حازت الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة الدكتور حسان دياب على ثقة الأغلبية النيابية، على أساس البيان الوزاري الذي تقدّمت به، فإنها دخلت في مرحلة الاختبار الجدّي في ترجمة بيانها إلى أفعال، تسهم في إنقاذ لبنان من الانهيار الاقتصادي والأزمة المالية المتفاقمة، واستطراداً معالجة الأزمة النقدية والاجتماعية التي تشدّ الخناق على المواطنين…
لكن نجاح الحكومة في مواجهة التحديات المذكورة ليس بالأمر اليسير، لأنها ترث تركة ثقيلة، ناتجة:
أولاً، عن الأزمة البنيوية التي يعاني منها الاقتصاد بفعل السياسات الريعية التي دمّرت الإنتاج الوطني وأدّت الى التسبّب بعجز كبير في الميزان التجاري فبات لبنان يستورد بنحو عشرين مليار دولار ويصدّر فقط بما يناهز الثلاثة مليارات دولار، الأمر الذي استنزف احتياطات البلاد من الدولار.. وادى إلى تراجع قيمة العملة إزاء الدولار، وبالتالي انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، والتي فاقم منها الارتفاع الكبير في أسعار المواد الاستهلاكية…
وثانياً، دين داخلي وخارجي ناهز الـ ٩٠ مليار دولار، وعجز في الموازنة العامة بفعل الفوائد المترتبة على الدين، والعجز في مؤسسة كهرباء لبنان التي تحوّلت إلى عبء كبير يستنزف الخزينة، بدلاً من تغذيتها، نتيجة الفساد وعدم جدية الحكومات المتعاقبة في حلّ أزمة الكهرباء..
وثالثاً، استشراء الفساد، وهدر موارد الدولة، واستباحة المال العام، وخصخصة العديد من القطاعات المربحة التي كانت تدرّ عائدات هامة على خزينة الدولة.. مثل البريد وإدارة الخليوي، والهاتف الثابت، وقطاع النفط، والنفايات.. إلخ…
ورابعاً، إشهار قوى ١٤ آذار معارضتها ضدّ العهد وحكومته الجديدة، حتى قبل أن تباشر الحكومة مهامها، في حين انّ هذه القوى تتحمّل جزءاً كبيراً من المسؤولية عن الأزمات المذكورة آنفاً، نتيجة إصرارها على اعتماد السياسات الريعية والاستدانة والخصخصة، وإجراء عقود مشاريع الإعمار بالتراضي، وتهميش إدارة المناقصات، ودور مؤسّسات الرقابة…
وهذه القوى ليس لها مصلحة في نجاح الحكومة في إيجاد الحلول، لانّ نجاحها سيطيل عمرها، ويجعل الزعامات السياسية في ١٤ آذار خارج السلطة لمدة طويلة، وبالتالي فإنّ بقاءها خارج السلطة مصدر إنتاج النفوذ وفقدانها سلاح الخدمات الذي كانت توظفه للحفاظ على شعبيتها، وتحقيق مصالحها الاقتصادية…
وخامساً، تواجه الحكومة شارعاً يتنظر منها تلبية مطالبه الملحّة التي عبّر عنها في الأيام الأولى للانتفاضة الشعبية، وهذا الشارع سيتحرك سريعاً في حال لم يلمس ايّ جدية من الحكومة في تلبية الجزء الملحّ والممكن التحقيق من مطالبه، لا سيما أنّ بعض مجموعات الحراك التابعة لجهات داخلية وخارجية، تنتظر تعثر وإخفاق الحكومة للعودة إلى التحرك تحت عنوان إسقاط الحكومة.. وهي أصلاً كانت وراء أعمال العنف والتخريب التي حصلت في يوم مناقشة البيان الوزاري وحصول الحكومة على الثقة، حيث سعت دون جدوى إلى منع وصول النواب إلى البرلمان وتعطيل إعطاء الثقة للحكومة..
انّ مفتاح مواجهة هذه الأزمات والتحديات، إنما هو مرتبط بمدى قدرة الحكومة على اتخاذ القرارات الجريئة التي تؤدي إلى تحقيق انفراج اقتصادي والحدّ من الأزمات المالية والاجتماعية والخدماتية الملحة، لا سيما لناحية:
1 ـ إحداث تغيير جذري في السياسة الاقتصادية، بحيث يجري اعتماد سياسات تقوم على دعم الإنتاج الزراعي والصناعي بدلاً من السياسات الريعية، التي أضعفت الإنتاج وخنقته، وهذا يتطلب إلى جانب تقديم التسهيلات الضرورية لخفض كلف الإنتاج، العمل سريعاً على إيجاد أسواق لتصدير الإنتاج إلى الدول العربية وخصوصاً السوق العراقية، وهذا يستدعي بالضرورة الاتصال بالحكومة السورية للحصول على التسهيلات التي تحقق ذلك، ومن شأن ذاك ان ينشط سريعاً الزراعة والصناعة ويقود في وقت قصير إلى تحقيق انتعاش اقتصادي وعائدات بالعملات الصعبة تسهم في الحدّ من الخلل في الميزان التجاري، واستطراداً توسيع الإنتاج وتوفير فرص عمل…
2 ـ قبول المساعدات من الدول التي تبدي الاستعداد لتقديم العون، شرط الا تكون هذه المساعدات مشروطة وتمسّ بالسيادة الوطنية ومصالح لبنان… وهذا الأمر يجب أن ينسحب على الدول الغربية ودول الخليج، كما روسيا والصين وإيران وغيرها الدول… خصوصاً أنّ البيان الوزاري للحكومة تحدّث عن انفتاح الحكومة على جميع الدول، انطلاقاً من عدم من مصالح لبنان.. وهذا يؤمّن للحكومة إمكانية حلّ أزمات الكهرباء والنفايات، وإعادة تأهيل مصافي النفط.
3 ـ اتخاذ إجراء سريع لاستيراد النفط والغاز مباشرة من دولة صديقة بأسعار تفاضلية، بما يمكن الحكومة من استعادة موارد هامة فقدتها نتيجة تخليها عن استيراد هذه المادة لمصلحة التجار…
4 ـ العمل وبسرعة على تطمين المواطنين لودائعهم في المصاريف، وتنظيم عملية حصولهم على أموالهم لتأمين متطلباتهم، وبالتالي وضع حدّ لاستنسابية المصارف… وإلزام المصارف بإعادة جزء من أموالها الموحدة في الخارج لتأمين طلبات المودعين لديها…
5 ـ اتخاذ الإجراءات الفورية لاستعادة الأموال التي جرى تهريبها من لبنان إلى الخارج منذ بدايات ظهور ملامح الأزمة.. ومحاسبة المسؤولين عن تهريب الأموال كونهم ألحقوا ضرراً بالغاً بالاقتصاد الوطني…
6 ـ إنجاز استقلالية القضاء، ووضع موضع التطبيق، محاربة الفساد والفاسدين واسترداد أموال وحقوق الدولة المنهوبة…
ان من شان الإقدام على مثل هذه الإجراءات والخطوات وبسرعة، ان يحقق انفراجاً في الأزمة، ويشيع أجواء من الثقة في الداخل والخارج تنعكس إيجاباً على الوضعين المالي والاقتصادي، وتقطع الطريق على القوى الداخلية والخارجية التي ليس مصلحة في نجاح الحكومة إخراج لبنان من اتون أخطر أزمة اقتصادية ومالية ونقدية يتعرّض لها في تاريخه..