القيامة الثانية لإيران…
لا مكان للصدفة ولا محلّ لاحتمالات الخطأ والصواب في ما حصل في قلب بغداد للقائد الكبير الحاج قاسم سليماني وعضيده القائد أبو مهدي المهندس ورفاقهما…
فقد أبى الله إلا أن يراه ورفاقه شهداء لتكتمل الصورة الملحميّة بين رأس الشر المتمثل بدونالد ترامب ورأس الخير المتمثل بقاسم سليماني.
لقد تخطّت إيران وتجاوزت الخطوط الحمراء المرسومة من قبل معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية لدولة عالم ثالثية نامية كما يسمّونها، وإسلامية هذه المرة، ولتتقدّم خطوات إضافية على داخل مربع الدول القائدة المتربّعة على عرش نادي الدول العظمى لا سيما في حقل العلوم…
المنارة الإيرانية كانت قد بدأت تتعبهم وتنهكهم وتعيق مخططاتهم وتكاد تطيح بالهيكل الذي بنوه لأنفسهم عندما اخترقت أسوار عرينهم وبدأت تغيّر في كلّ قواعد الاشتباك التقليديّة التي اعتادوا عليها من قبل…
هشّمت صورتهم في الألفين وأجبرتهم على الانسحاب من أرض محتلة على يد فتية آمنوا بربهم…
منعتهم من التمدّد وأطاحت بحروبهم التقليدية التي الانتصار فيها منذ الحرب العالمية الثانية والمعتمدة على الدبابة والقصف الجويّ المستمرّ والهائل في حرب الـ 33 يوماً في العام 2006.
ثم أفرغت كلّ محتويات خططهم وبرامجهم لحروب الوكالة والحرب بالواسطة والحرب الناعمة في فضاء الحرب الكونية على سورية وجعلتهم يتجرّعون كأس السم على أسوار الشام وتخوم بغداد منذ العام 2001 وحتى العام 2017…
وأخيراً وليس آخرَ حطمت كلّ منظوماتهم المعلوماتية والصاروخية والكهرومغناطيسية في الحدود البرمائية الإيرانية من خلال ضرب تاج وفخر الصناعات الجوية الحربية وفي “أرامكو” من خلال تحطيم كلّ القبب الدفاعية من واشنطن إلى دول الخليج مجتمعة…
وأخيراً وليس آخرَ أخرجت ربيبهم المدلّل من الصراع بشكل مذلّ ومخزٍ حتى بات أشبه ما يكون بأزعر الحارة الذي يولول ويتوعّد ويزبد ويرعد وهو لا يستطيع حتى من حماية جبهته الداخلية بعد أن باتت تحت مرمى نيران من استضعفهم واستحيا نساءهم واغتصب أراضيهم وقتل أبناءهم لمدة عقود من الزمن…
كلّ ذلك وسلسلة أعصاب كلّ هذا التحوّل من هرمز الى باب المندب ومن أسوار الشام الى تخوم بغداد ومن كريات شمونة إلى إيلات كان قد تمثل لهم في جنرال العرب والمسلمين الحاج قاسم سليماني…
فكان لا بدّ من اغتياله جهاراً نهاراً وعلناً وبالتبنّي الرسمي للعملية وانطلاقاً من الأرض الأردنية المتصلة بفلسطين المحتلة، في محاولة بائسة ويائسة منهم لوقف هذا التقدّم السياسيّ والعسكريّ والأمنيّ والمخابراتيّ والعلميّ والتقني والنفسي لمنارة الشرق الجديد الذي بات متصلاً بموسكو وبكين أيضاً، وهما العدوان التاريخيان لإمبراطورية الشر والاستكبار العالمي..
لكن رمز التوحش الامبريالي يخطئ من جديد ويثبت جهله وعدم معرفته بسنن التحوّل التي يتميّز بها أهل الحضارات المشرقيّة…
فمثل هذا الاستشهاد المشرّف ومثل هذه الملحمة العراقية الإيرانية ليس فقط إعادة ترتيب كلّ البيوت الداخلية لعدد من الأمصار العربية وفي مقدّمتها العراق ولبنان وسورية واليمن، بل وأطلقت قيامة إيرانية ثانية جمعت فيها الوطني والقومي من جهة والعقيدي والديني من جهة أخرى بحيث أصبح خلائف قاسم سليماني أكثر إصراراً في الكفاح للأسباب التالية:
1 ـ لإثبات وجوده في المواقع الجديدة.
2 ـ للانتقام لدماء الحاج قاسم الطاهرة.
3 ـ لتحقيق الأهداف التي كان الحاج قاسم قد وضعها لمهمات قوّة القدس.
لكن الأهمّ من كلّ ذلك هو استشهاد رمز بطولي مثل الحاج قاسم الذي يحظى بإجماع إيراني قاطع على وطنيته وتديّنه جعله يصبح بطلاً قومياً تاريخياً خالداً يضاهي البطل القومي الأسطوري للأمة الإيرانية في الشاهنامة الشهيرة للشاعر والأديب الإيراني المبير الفردوسي مضافاً الى تحوّله الى رمز ديني مقدّس يشبه الرموز الدينية التي تنتمي في شجرة نسبها الى السلالة المحمديّة الطاهرة وأهل بيته، مما وضعه في خانة الإمام الحسين وأصحابه وحوارييه، الى جانب من وصفه بمالك اشتر زمانه وآخرين قالوا إنه يقارب بصفاته صفات أصحاب النبي محمد في بدر وخيبر…
وهذا يدفع بالمجتمع والدولة الإيرانية (الأمة الإيرانية) تستعيد كلّ أمجادها القديمة والحديثة وتتبلور لديها فلسفة قيامة جديدة يختلط فيها السياسي بالقومي بالديني بالأسطوري ويقدّم للإمام السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية في إيران وحوارييه وأصحابه وأنصاره والحرس الثوري رافعة جديدة عملاقة لنقل العمل الثوري الإسلامي والثوري في إيران من مرحلة الدفاع عن إيران وحركات التحرّر الى مرحلة ما بات يطلق عليه بـ “عصر الظهور” أو عصر آخر الزمان وهو العصر الذي يندرج تحت بند أو معتقد عقيدة المهدي المنتظر…
إنها قيامة لن تهدأ لا بتدوير زوايا ولا بحوارات ولا بمفاوضات ولا بتنازلات هنا او هناك، بل إنها ستشكل بيئة جيواستراتيجية اعتقادية لمعارك ومواجهات كبيرة ومترامية الجغرافية على المستويين الإقليمي والدولي.
لذلك صدق مَن قال إنّ الشهيد قاسم سليماني أخطر بكثير على الاستكبار العالمي والغرب وأميركا من الجنرال الحاج قاسم سليماني قائد قوة القدس في حرس الثورة الإسلامية..
إنه ما بعد عصر الحروب التقليدية.
بعدنا طيّبين، قولوا الله…