بين الشارع والمجلس الحكومة تنال الثقة…
} ليليان العنان
تحت وطأة صوت الشارع ووسط إجراءات أمنية مكثفة من قوى أمن داخلي ومكافحة شغب وجيش لبناني (فهود، ومغاوير) تمّ تأمين نصاب جلسة مناقشة البيان الوزاري للحكومة الجديدة التي يترأسها الدكتور حسان دياب، بعد مضيّ حوالى ثلاثة أسابيع على تشكيلها، وبالتالي التصويت على مقرّراتها لمنحها ثقة المجلس النيابي والبدء الجدّي بالعمل وفق الخطة المستقبلية التي طرحها البيان، والذي يتضمّن عدة فقرات منها ما هو إنمائي ومنها ما هو اقتصادي، إضافة إلى خطط تتعلق بملفات الفساد والكهرباء والسياسات المالية المتبعة أخيراً من قبل المصرف المركزي، وكذلك ما يخصّ الأموال التي تمّ تهريبها مؤخراً بطرق غير شرعية إلى خارج لبنان سواء ما قبل ١٧ تشرين الأول أو ما بعده، وغير ذلك من الأمور التي تعني المواطن اللبناني ولعلّ أهمّها الثروة النفطية والغازية التي يمتلكها لبنان في مياهه الإقليمية…
عُقدت الجلسة بحضور أكثر من نصف عدد أعضاء المجلس، ثم بلغ في جلسة التصويت 84 نائباً، وحازت الحكومة على ثقة 63 نائباً فيما حجب الثقة 20 نائباً وامتنع نائب واحد عن التصويت.
وبعد مضيّ يوم طويل من احتجاجات وتظاهرات وأعمال شغب رافقت انعقاد الجلسة ومن تعدّ على الأملاك العامة وعلى سيارات النواب الذين حضروا الجلسة، وكان النصيب الأكبر من حصة عضو الكتلة القومية الاجتماعية النائب سليم سعادة الذي تمّ التعدّي عليه بشكل سافر، وعلى أثر ذلك تمّ نقله إلى المستشفى إلا أنه عاد وشارك في جلسة المناقشة وأدلى بمداخلة أجمع الحاضرون من كلّ الفئات والرأي العام المتابع للجلسة أنها كانت كالعادة مداخلة علمية قيّمة جداً على كلّ المستويات.
نتائج منح الثقة لحكومة الرئيس دياب تؤكد أنّ المعارضين كانوا قادرين أن يسقطوها بتطيير النصاب عبر عدم حضور الجلسة، ولكن لماذا لم يفعلوها؟ هل ذلك بدافع استمرار العمل التشريعي والدستوري؟ أم بدافع الحسّ الوطني؟ أم أنّ ذلك بهدف رفع المسؤولية عنهم وتحميلها لمن سمّوا دياب ومنحوه ثقتهم؟
ولكن بغضّ النظر عن حسابات كلّ فريق، وصحيح أن لا شيء مضموناً بعمل الحكومة نظراً لحجم الإنهيار الحاصل، إلا أن لا هدف من تطيير النصاب، ولا بديل عن ذلك سوى الفوضى في المؤسسات الدستورية والعمل الحكومي ويليه فوضى أمنية في ما بعد، وبما أنّ الحكومة في حال عدم نيلها الثقة تصبح حكومة تصريف أعمال فمن الأفضل أن تدير الأزمة مع ثقة النواب على أن تتابع بعملها وهي فاقدة للثقة والشرعية.
الثقة لهذه الحكومة الجديدة والتي تضمّ اختصاصيين هي مهلة جديدة للطبقة السياسية الموجودة من أجل تحسين الأوضاع الإجتماعية والمالية، وهي مثابة مهمة أصعب لما يعانيه البلد من تأزّم في الوضع المالي عدا عن صوت جزء غير قليل من الشعب المنتفض في وجه السلطة والمطالِب بحقوقه التي لم يعد يطال منها شيئاً.
هذه الحكومة التي تحمل في وجوهها الأمل بإنقاذ البلد، الأمل في إصلاح القضاء واستقلاله عن السلطة السياسية، إذ لا يمكن محاسبة الفاسدين في ظلّ تكبيل القضاء في حجرة المحسوبيات، ومن جملة المطالب الواجبة عليها هي العمل على استرداد الأموال المنهوبة، لا سيما تلك المهرّبة خارج لبنان بالتواطؤ والتكافؤ مع سلطة المصارف التي تعمل على تجويع وإذلال اللبنانيين وآخرها كان البيان الذي صدر عن جمعية المصارف أمس والذي يتضمّن بين سطوره نوعاً من التهويل والترهيب، إذ ربط البيان ما بين تسديد سندات اليوروبوند في آذار المقبل وبين مصالح المودعين، وهذا حسب ما جاء فيه أنه “حماية لمصالح المودعين ومحافظة على بقاء لبنان ضمن إطار الأسواق المالية العالمية ترى الجمعية وجوب سداد استحقاق آذار في موعده”، لذا يجب على الحكومة الحالية العمل على كفّ يد البنوك عما تبقّى من أموال ومحاسبتهم وإجبارهم على تحمّل الخسارة ودفعها من أموالهم، لأنّ العمل المصرفي ضرورة هامة لإعادة هيكلة الإقتصاد من جديد على عكس السياسات والهندسات المالية والإقتصادية التي اعتمدها مصرف لبنان وساهمت في إغراق البلد بدوامة العجز.
وعدا عن حكم المصارف، فعلى الحكومة أيضاً ضرورة إيجاد قانون إنتخابات جديد وفعّال ومنصف للجميع ويعتمد لبنان دائرة واحدة على أساس النسبية الكاملة وخارج القيد الطائفي والمذهبي عبر إنتخابات حرّة ومبكرة.
وعلى المنتفضين الحقيقيين في الشارع لا أولئك الذين يعملون وفق أجندات سياسية خاصة ومعروفة الأهداف، إعطاء الفرصة لحكومة الدكتور حسّان دياب خصوصاً أنه تصدّى للمسؤولية ولم يهرب منها، كما أنّ طاقم عمل الحكومة يبشر بالخير.