برهو ووعد.. شتّان بينكما.. الكرامة فعل لا حروف مزركشة
} سماهر الخطيب
شتّان ما بين وعد الخطيب وفتحي برهو، لسنا هنا في لصق الاتهامات ولا سحب الوطنية أو إضفائها على أحد منهما، إنما الأفعال والأقوال الصادرة عن كل منهما هي من تحكم فهي القاضي وهي الحكم الصادر..
بدايةً لنتعرّف على كلٍ منهما، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ كليهما يحمل الجنسية السورية، وكليهما من تربّى وترعرع من خيرات الأرض السورية..
ووعد الخطيب هو اسم مستعار لصحافية ومخرجة وناشطة سورية من مدينة حلب، واستخدمت هذا اللقب المستعار لـ»إخفاء اسمها الحقيقي من أجل حماية أسرتها»، بحسب قولها. وقامت وعد بإنتاجِ فيلمها الوثائقي «من أجل سما» عام 2019، وترشَّح الفيلم المذكور لأربع جوائز بافتا في حفل توزيع جوائز الأكاديمية البريطانية السينمائية الـ 73 وفاز بجائزة أفضل فيلمٍ وثائقي، وترشح أيضاً لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي في حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ 92. كما حصلت تغطيتها للمعركة من أجل حلب على جائزة إيمي الدولية للشؤون الجارية والأخبار للقناة الرابعة.
وهاجمت «وعد» الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أثناء مشاركتها في مهرجان الأوسكار 2020، قائلةً: «على ترامب تحمّل ما يحدث في سورية». وأضافت: «إنهم بحاجة فعلاً لتحمّل المسؤولية عما يحدث (..) لقد حدث كل شيء للشعب السوري لمجرد أنه طالب بالحرية والكرامة، وهذه قيم أعتقد أن كل قائد في العالم يريد أن يحصل عليها في دولته».
وتابعت «إذا لم يكن الروس يدعمون نظاماً سعودياً، فلن نقف أبداً هنا لنخبرك عن قصة مروّعة للغاية، وسنتحدث عن نهاية ثورة مدهشة بنهاية ناجحة للغاية، ولسوء الحظ، لم يحدث هذا لأن لا أحد في الدول الغربية يتحمل مسؤوليته تجاه هذا العالم».
وبعد مشاركتها في مهرجان الأوسكار، وارتدائها فستاناً أبيض كتب عليه «تجرّأنا على الحلم ولن نندم على الكرامة»، التقت أول أمس الأربعاء، بإيفانكا ترامب، نجلة الرئيس الأميركي ومستشارته، وبحضور السيناتور الجمهوري البارز ليندسي غراهام. وتحدّثت عن تجربتها في حلب، وعن الوضع في إدلب. وشاركت إيفانكا، قصص ما أسمته «معاناة أهل سورية والهجمات التي يتعرّضون لها». وأطلعت كلاً من إيفانكا وغراهام على «صور لنزوح آلاف السوريين، إثر القصف العشوائي الذي يتعرّضون له»، بحسب زعمها.
ثم وجهت الخطيب شكراً لإيفانكا، في تغريدة عبر حسابها في «تويتر» قائلة: «شكراً إيفانكا ترامب للاستماع إلى قصصنا عن الهجمات والمعاناة في حلب وإدلب». وأضافت أنها «لمست اهتمام إيفانكا التي أخذت قرص DVD من فيلم (إلى سما) ووعدت بمشاهدته في الليلة ذاتها…».
في الطرف الآخر من الكرة الأرضية، أطلق شبان سوريون النار على دورية للجيش الأميركي في ريف القامشلي، أول أمس الأربعاء، أيضاً، تعبيراً عن رفضهم وجود أيّ قوات للاحتلال الأميركي على الأراضي السورية، وهذا يعتبر ردّ بالفعل وليس القول على ما صرّحت به «وعد» للرئيس الأميركي والتي تحدّثت بزعمها أنها تتحدّث باسم الشعب السوري..
أما فتحو برهو، فهو عامل نظافة سوريّ من بلدة «خربة عمّو» التابعة لمحافظة القامشلي وهو أب لستة أطفال ثلاثة أولاد وثلاث بنات، وما قام به أول أمس، أنه أوقف دورية أميركية وأزال العلم الأميركي عن عربتهم العسكرية صارخاً بوجههم جميعاً بلغته العربية قائلاً: «أميركا مَن تكون.. شو عم تعملو ببلدنا هون»، متابعاً «شو بدك بالبلد هون»..
وهذه المشاهد القليلة التي تمّ تداولها في مواقع التواصل الاجتماعي والتي وثقت انتماء هذا الرجل السوري لأرضه وغضبه ممن يحاول تدنيسها بوجوده، كان لها صدى واسع فكان لسان حال مَن علّق عليها من أبناء قريته قبل أبناء سورية بالقول: «إن المقاومة للأميركيين قد بدأت فعلياً على الأرض».. وعند سؤاله كيف تجرّأ على الاقتراب من رتل عسكري أميركي مسلح بكامل عتاده، أجاب بالقول إنّ «الموقف كان عفوياً غير محضّر له أبداً، إنما تفاجأ مع أهل قريته بقدوم هذا الرتل إلى الطريق الذي يؤدي إلى القرية فخرجوا جميعاً، وحين اقتربت مدرعات المحتل الأميركي حاملة أعلام المحتل الأميركي فما كان منا نحن كأبناء وشعب هذه المنطقة البسيطة أي المنطقة الشرقية في الجزيرة السورية إلا أن نوقفهم فقد استفزّنا وجودهم فمنعناهم من دخول قريتنا وأنزلنا أعلامهم». وتابع بالقول: «ما قمت به سيقوم به أي مواطن شريف.. فنحن نقاوم أيّ محتل إن كان أميركياً أو تركياً أو إسرائيلياً».
وأكد برهو على أنّ «أيّ محتل يدخل بلادنا لا نقبل دخوله إلا على دمائنا فهذه الأرض الطاهرة التي روت بدماء شهدائنا الأبطال دماء روت أرض سورية، وشرق الفرات، وروت السنبلة السورية سنبلة الجزيرة، لا نقبل أيّ محتل بدخول هذه الأرض».
وتابع: «نحن تحت الراية السورية، وراية الجيش السوري وراية القائد بشار حافظ الأسد، وأيّ راية غير راية الجيش السوري هي راية محتلّ لا نقبل وجودها».
وعند سؤاله ألم تخشَ من استهدافك أجاب: «لم أخف أبداً، فحياتي ليست أفضل من حياة الشهداء الذين رحلوا..».
وختم بالقول: «أقول لجميع الوطنيين أن يقفوا صفاً واحداً، وتحت راية واحدة، وهي راية الجمهورية العربية السورية الراية التي ولدنا وهي تاج فوق رؤوسنا، ونموت وهي تاج فوق رؤوسنا ولا نقبل بأيّ راية ثانية تدخل إلى هذه الأرض..».
ولا قول أفضل من قول برهو للرّد على «وعد» التي في اليوم نفسه الذي استبسل فيه برهو وأبناء قريته في الدفاع عن أرضهم كانت منبطحة في البلاط الأميركي طالبة الدعم من ترامب وابنته منتعلة فستاناً بحروف عربية لا تشبه تلك التي نطق بها برهو، وكلمات تدّعي فيها الكرامة، وحلم لن تطاله بوجود أبناء الأرض الذين نفذوا الفعل بنبضات العزة والكرامة وهم أبناء قرية ريفية بسيطة يعيشون على خيرات الأرض وليس أكثر من خيرات الأرض.. وفي تاريخ سورية كان الأكثر انتماء والأكثر تضحية، معظم الفقراء الذين لا يملكون شيئاً من المال إنما أغنياء بما يمتلكونه من عزة وكرامة..
برهو ووعد.. شتان ما بينكما.. برهو الذي لم يخف من المدرعات وآمن بأنّ أمن وطنه لا يبنى على الخوف، بل على ما يكتنزه من انتماء لترابه.. والكرامة فعل يا «وعد» وليست حروف مزركشة على فستان أبيض، لا يعكس سواد صاحبته وخنوعها.. وحب الوطن لا يحتاج فيلماً وإنتاجاً وعرضاً على السجاد الأحمر.. والبياض يكمن في القلوب المفعمة بالحب لأرض أعطتها من حبّها فأثمرت سنابل وفي كل حبة منها عنوان للشرف والمقاومة..
فقوة الشعور بالانتماء تنمّي الحس الأخلاقي، وتقوّي الشعور بالالتزام بما فيه الصالح العام لأبناء الوطن، وليس مصالح الاحتلال، والحياة يا «وعد» لا تكون إلا في العز، أما العيش فلا يفرّق بين العز والذل، وسيسجل التاريخ فعل الأيقونة المقاوم وأبناء قريته المقاومين فهو ليس مجرد فعل بل درس في الحياة بالعز، لمن أراد أن يحيا حياة الشرفاء الأعزاء.. والحياة وقفة عز فقط.