لبنان الخاصرة الرخوة لصفقة القرن وليس فلسطين… لولا المقاومة
ناصر قنديل
– فوجئ الأميركيون بصلابة الموقف الفلسطيني من صفقة القرن، كما فوجئوا بضعف الموقف الخليجيّ والعربي المساند، وفقاً لما كانت عليه الوعود. وكانت التقديرات مبنيّة على تردّد فلسطيني يواكبه ضغط خليجي ماليّ وسياسيّ وصولاً لمواقف علنية مؤيدة للصفقة تنتج صفوفاً عربية وبالتالي إسلامية ودولية منقسمة حول التعامل مع الصفقة، لكن التفاعلات التي ظهرت بعد الإعلان عن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وما رافقها فلسطينياً وتلاها عربياً وإسلامياً ودولياً، جعل الرهان على اختراق فلسطيني أقرب للاستحالة. فبموازاة الوضع المالي السيئ للسلطة الفلسطينية ولحال الحصار التي يعيش الفلسطينيون تحت وطأتها، يعيش الإسرائيليّون هاجس الأمن في مواجهة انتفاضة قيد التشكل من جديد، ومقاومة قيد التصاعد، ما يجعل الحذر الإسرائيلي من الذهاب بعيداً في إجراءات الضم والتهويد والتهجير، تواكبهم نصائح أميركية بالتروّي.
– المشروع الأميركي يواجه خطر الاحتضار ما لم يجد نقطة اختراق من خارج فلسطين، لا تبدو سورية ساحة مناسبة لتحقيقه في ظل عاملين واضحين، الأول هو القرار السوري بالمضي قدماً في استعادة الأراضي الواقعة تحت سيطرة الاحتلالين التركي والأميركي بدعم روسي إيراني، والثاني قرار إيراني حازم بالردّ على أي عدوان إسرائيلي على الوجود الإيراني في سورية، ما يجعل لبنان تحت المجهر، والمدخل اللبناني المناسب هو الوضع المالي الصعب الناتج عن رعاية واشنطن عبر حلفائها الذين رسموا السياسات المالية خلال ثلاثة عقود لإيصال لبنان إلى حافة الإفلاس واسترهانه للديون الأجنبية، بعدما تفشى الفساد في الدولة ومؤسساتها كرشى للطبقة السياسية لتمرير هذه السياسات. والرهان اليوم هو على توظيف هذا الوضع المالي لوضع اليد على ملفات لبنانيّة حساسة كترسيم الحدود البحرية وثروات النفط والغاز ضمنها، ومصير النازحين السوريين ومشروع دمجهم في لبنان تخفيفاً لمصطلح التوطين، والضغط لمنح اللاجئين الفلسطينيين وضعاً قانونياً جديداً بين اللجوء والتوطين، بمسمّيات غير استفزازية، تضمن المرور الآمن لكنها تندرج في خانة تصفية حق العودة.
– المعلومات التي يملكها الأميركيون وبدأت تصير في التداول السياسي، تقول إن قوى الرابع عشر من آذار عمّمت بقرارات من رؤساء أحزابها الثلاثة على نوابها والمتحدّثين بلسانها، الاكتفاء بالكلام الذي قيل في الأيام الأولى لإعلان خطة ترامب، وعدم الانخراط في أي دعوة لمناهضة الخطة، وتفادي أي إثارة لملف التوطين، بل التخفيف من لهجة الرفض عبر الاستهزاء بما يستطيعه لبنان، والتحدّث عن أن الأمر انتهى وما باليد حيلة. والتشخيص الذي قدمته هذه القوى للأميركيين وبدأ العمل لتطبيقه، يقوم على تلاقي جهودها مع الجمعيات المموّلة من الدول الغربية تقود الحراك، وتعتاش على ملف النازحين السوريين، لفتح الملف الإنساني للنازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين، من جهة، والتركيز على الدعوة لبلورة برنامج مرحلي مناسب يجمع ما يُسمّى بـ “قوى الثورة” و”قوى السيادة”. وهذا البرنامج يقوم على ثلاثية هي الدعوة لانتخابات نيابية مبكرة، وحصر السلاح بيد الشرعية. بقي الركن الثالث موضع نقاش بين الأميركيين وكل من فريقي الرابع عشر من آذار وجمعيات قيادة الحراك، حيث تدعو قيادات الرابع عشر من آذار إلى جبهة وطنية شبيهة بالجبهة الوطنية الاشتراكية التي قادها الراحلان كمال جنبلاط وكميل شمعون وأجبرت الرئيس الراحل بشارة الخوري على الاستقالة من ولايته الثانية عام 1952، بتشكيل جبهة مماثلة لإنهاء عهد الرئيس ميشال عون، كمدخل لفرض الأجندة المشتركة بين الداخل والخارج، بينما تدعو جمعيات الحراك لاعتبار استقالة نواب الرابع عشر من آذار كمقدمة لانتخابات مبكرة، يصير من صلاحيات المجلس المنتخب بعدها البحث بتقصير ولاية رئيس الجمهورية.
– التكامل بين فريق قيادة الحراك وقيادة قوى الرابع عشر من آذار سيُتخذ عنوان المواجهة مع رئيس الجمهورية باعتباره الغطاء الدستوري لسلاح المقاومة من جهة، والعقبة الأهم أمام التوطين من جهة مقابلة، إذا لم يتم السؤال ماذا عن موقف ثنائي حزب الله وحركة أمل، وهو موقف صارم من المشروع الأميركي بكل مندرجاته، وقد كان موقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري في مؤتمر البرلمانات العربية رسالة للداخل اللبناني بمثل ما كان رسالة للخارج، وموقف حزب الله الواضح من وصفات صندوق النقد الدولي ليس مالياً واجتماعياً فقط بل هو امتداد للمواجهة مع المشروع الأميركي الهادف لابتزاز لبنان من يده المالية التي تؤلمه، ولذلك تبدو المواجهة بين الغالبية النيابية ومعها الحكومة الجديدة من جهة، وتحالف قيد التشكل العلني بعد شهور من التعاون تحت الطاولة، بين قيادة الحراك وقوى الرابع عشر من آذار ضمن برنامج تشترط واشنطن وتلزم الرياض بشروطها، لربط أي دعم سياسي ومالي بتبلوره وحضوره العلني في الساحة السياسية، كما في الشارع.