السيّد والشيخ… مناظرة على الهواء! نائب عونيّ لـ«البناء»: الحريريّ أسقط التسوية بانسحابه من المشهد الحكوميّ…
} محمد هاني حميّة
تلا رئيس الحكومة السابق سعد الحريري فعل الندامة عن مرحلة الثلاث سنوات الماضية. أجرى جردة حساب سياسية مع الحلفاء والخصوم، لكن رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل نال «حصة الأسد» من الخطاب الذي استمرّ قرابة الساعة وسط حشود مستقبليّة أمّت بيت الوسط وحضور سياسي غاب عنه ممثل عن رئيس الجمهورية، فيما كان لافتاً حضور نائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي.
صوّب الحريري على شريكه السابق «البرتقالي». هادن حزب الله رغم انتقاده «دولارات الحزب» ودور إيران في المنطقة. أجّل «بحصة» القوات لأسباب خارجية رغم اعترافه بتلقي طعنات في الظهر في تلميح الى «الحكيم». حمل على المزايدين كاللواء أشرف ريفي والنائب نهاد المشنوق. صالح رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط على الهواء بمخاطبته عبر نجله تيمور. قدّم أوراق اعتماده من جديد للسعودية ودول الخليج مستثنياً مرحلة احتجازه في المملكة وأموراً كثيرة من الجردة.
لكن الاعتراف الأهم كان مجاهرة الحريري بأنه كان مضطراً للتعامل مع رئيسين وتأمين العلاقة مع رئيس الظل في إشارة الى باسيل لتأمين استقرار العلاقة مع الرئيس الأصلي، فرمى «الصهر» وحيد «الرئيس العم» علّ المتغيرات الإقليمية تعيد شيخ بيت الوسط مجدداً الى السرايا. فبعبدا ممر دستوري إجباري لهذه العودة.
تحميله باسيل مسؤولية التعطيل والانهيار، دفع بمصادر التيار الوطني الحر للتساؤل: إذا كان باسيل عطّل وأغضب الحريري فلماذا انتظر الأخير ثلاث سنوات كي يبقّ البحصة؟ وما الثمن الذي كان يتوقع أن يجنيه مقابل الصمت عن ممارسات باسيل بحسب زعمه؟ واستطراداً هل كان الحريري ليقول ما قاله عن رئيس التيار لو أنه ما زال رئيساً للحكومة؟ وهل أسباب استقالته محلية أم خارجية؟
واستصرحت «البناء» بعض نواب كتلة المستقبل حول مضمون خطاب الحريري ورسائله. وبحسب النائب محمد الحجار فإن خطاب الحريري ليس استعراضاً او انتقاماً او استغلالاً بل عبّر عن حقيقة ما واجهه خلال السنوات الماضية ولكونه في موقع الحكم لم يستطع البوح بذلك، أما الآن فبات بكامل حريته خارج السلطة، مشيرة الى أن «الحريري واجه تعطيلاً من شريك التسوية في ملفات عدة سببت له إحراجاً كبيراً أكان في الشارع أم أمام المجتمع الدولي».
وتشير مصادر مستقبلية أخرى الى أن «كلام الحريري عن جنبلاط لا يعني تموضعاً سياسياً جديداً ضد الحكومة بل سنكون في موقع المعارضة البناءة وليس الانتقامية أو التعطيلية»، وعن تجاهل الحريري لدور القوات في إقصاء الحريري عن رئاسة الحكومة من خلال رفض الكتلة تسميته في الاستشارات، لفتت الى «أنه حتى وإن سمت القوات الحريري فلم يكن مستعداً لتأليف حكومة سياسية بل تكنوقراط محض. وهو أبلغ سمير جعجع هذا الأمر الذي رفضه رئيس الجمهورية وباسيل فوجدت القوات أن الحريري لن يحظى بالأغلبية النيابية وإن حظي فلن يستطيع التأليف لأن رئيس الجمهورية لن يوقع حكومة خارج إرادة تياره السياسي».
إقرار الحريري بأنه خرج من السلطة بملء إرادته يستبطن محاولة لاحتواء غليان الطائفة السنية ورسالة لجمهور المستقبل للابتعاد عن الشارع وعمليات قطع الطرقات ودابر الفتنة وإعلان هدنة مع الحكومة الجديدة.
وعاد الحريري وأكد ذلك صراحة في موقف ثمنته أكثر من جهة سياسية. إذ قال: «إذا كان مصيري السياسي مرتبطاً بخيار منع الفتنة، ومنع تكرار الحرب الأهليّة، فأهلا وسهلا، لا يمكن أن أختار الفتنة».
وإذ عبّر المحتشدون في بيت الوسط عن غضبهم من باسيل باعتباره مسؤولاً عن إقصاء الحريري وفشله في ادارة ملف الكهرباء، نال جعجع حصته من «الشتم» في دارة الحريري ما أشّر الى أن جمهور «المستقبل» لم ينسَ غدر معراب بعكس ما حاول الحريري إظهاره عبر توجيه تحية للقوات. وقد تسنى لمن حضر بين الحشود ملاحظة غضب المستقبليين بسهولة.
فيما كانت معبّرة طريقة تجوال «الجمهور» بين باحة ومداخل بيت الحريري وبقائهم الى ما بعد انتهاء الحفل بساعات وحاول بعضهم اللحاق بشيخهم الى داخل المنزل، فأخيراً أدركوا أين يقع بيت الوسط وما يحتويه. في المقابل عرف الحريري قيمة الوفاء والأوفياء.
أما نقل الحفل الى دارة الحريري للمرة الأولى، فله بعد أمني وبالتالي دلالات سياسية، فإدخال آلاف الأشخاص الى بيت الوسط ومن مداخل متعدّدة أمر فيه الكثير من المخاطرة. ما يدعو للتساؤل هل تلقى الحريري تطمينات أمنية خارجية بعد استقالته ورفض ترشحه مجدداً تنفيذاًَ لرغبات دولية إقليمية؟
في المقابل تشير مصادر التيار الوطني الحر لـ»البناء» في معرض تفسيرها لرد باسيل على الحريري الى أن «الواقع السياسي اللبناني محكوم بالتفاهم الوطني وليس بمنطق الغلبة، لذلك قصد باسيل بأن رفع السقوف السياسية لن تفيد لأننا سنعود يوماً للتلاقي إن في مجلس النواب وربما في حكومات مقبلة، لكن على الحريري أن يستعيد ثقة الشعب أولاً والكتل النيابية ثانياً وترتيب علاقاته السياسية ثالثاً والإقليمية والدولية ايضاً، لذلك أمامه طريق طويلة».
وعن سبب عدم إعلان التيار سقوط التسوية، أوضحت الى أن «أساس التسوية ترؤس الحريري كل حكومات العهد وطالما بات خارج المشهد الحكومي فالتسوية سقطت بحكم الواقع ولا حاجة لإعلان ذلك والحريري أسقطها، لكن ذلك لا يعني الذهاب الى منطق العداوة والصراع، وإذا بات الحريري خارج الحكومة لا يعني إطلاق العنان لمنابره للتهجم على شريكه الماضي».
وعن إغلاق بيت الوسط ردت المصادر: «لو أردنا ذلك لما دخلنا في تسوية مع الحريري ولا عملنا السبعة وذمتها لإعادته من السعودية».
ومرّر الحريري رسالة غير مباشرة الى عون مؤيداً استقالته وإجراء انتخابات نيابية مبكرة محاولاً التلطي خلف موقف المطران بولس عبد الساتر الذي دعا الرؤساء للاستقالة إذا عجزوا عن إنقاذ البلد، وتردّ المصادر العونية بالقول: «وهل الرئيس عون مسؤول عن تركيبة البلد والوضع الاقتصادي ام الحكومة والمجلس النيابي اللذان يضمان كافة الاطراف! نحن كتيار نتحمّل المسؤولية في الحكومات التي شاركنا بها وليس عن الحكومات التي سبقت». وتساءلت: لماذا ركز الحريري والفيلم الوثائقي على وزارة الطاقة حصراً واستثنى وزارة الاتصالات وغيرها والسياسات المالية والاقتصادية التي كانت الحريرية رمزها وعنوانها؟ أو هل نجح وزراء المستقبل في إصلاح قطاع الاتصالات؟ فيما ركز الحريري على الماضي ولم يقدّم رؤية وحلولاً للأزمة المالية والاقتصادية القائمة ولم يعترف أصلاً بمسؤولية للحريرية المالية في ما وصلنا إليه!
ومهّد لكلمة الحريري فيلم وثائقي سرد وقائع سياسية وأمنية تاريخية غير مترابطة ومنقوصة ومتناقضة تفتقر للموضوعية منذ اغتيال الحريري حتى 17 تشرين 2019 هدفها إثارة عطف الجمهور وتعبئة نفسية للحريري نفسه. وتسأل مصادر مراقبة: لماذا أغفل الوثائقي محطة العام 2009 حيث زار الحريري دمشق والتقى الرئيس بشار الأسد وبات ليلته في سريره؟ ولماذا استبعد احتجاز الحريري في السعودية 2017 وتعدّ محطة أساسية شغلت العالم بأسره!
مواقف الحريري استدعت رداً غير مباشر من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، تحولت الى مناظرة حوارية غير مباشرة على الهواء، فالحريري استهزأ بفزاعة التوطين مطمئناً. فردّ نصرالله مشككاً بصمود المواقف وتغيّرها بعد فترة في إشارة الى فريق 14 آذار وعلى رأسهم الحريري الذين قد يتعرّضون لضغوط خارجية كبيرة للتسويق لمشروع التوطين بذريعة إنقاذ لبنان من الإفلاس والانهيار.
انتقد الحريري «دولارات حزب الله» وأنها تنقذ الحزب وليس لبنان، فجاءه الردّ من السيد نصرالله، بأن حزب الله لا يفكر بطريقة حزبية ولا يقلق على المقاومة وشبابها فقط بل القلق على لبنان واللبنانيين، لم نهرب من المسؤولية، ومستعدون لتحمل المسوؤلية والتشارك بهذه المسؤولية لحل الأزمة».
الرد العالي النبرة لنصرالله كان على منح الحريري حكومة دياب مئة يوم للحكم عليها، فلفت في إشارة الى الحريري «مستعدّون لنتوّجه ملكاً لمن يستطيع إنقاذ لبنان بشهر واحد».