اثنا عشر عاماً ولا يزال حاضراً بيننا…
} ليليان العنان
اثنا عشر عاماً على غياب من ركّع «إسرائيل» لسنوات طويلة…
اثنا عشر عاماً وما زال الرعب يدوّي في نفوس الصهاينة عند سماع اسمه…
اثنا عشر عاماً وما زال طيفه حاضراً في كلّ عملية تقوم بها المقاومة ضدّ العدو…
اثنا عشر عاماً وجهوده الفكرية والعسكرية والاستراتيجية تترجم في الساحات المحلية والإقليمية حتى باتت المقاومة قوّة إقليمية لها وزنها الفعّال في المنطقة…
عماد مغنية… اسم يعرفه العدوّ جيداً، كما يعرفه كلّ الحلفاء والأصدقاء، وخاصة أولئك الذين تتلمذوا على نهجه ومن تعلموا منه كيفية القتال الميداني والتخطيط العسكري، هو الرجل الذي لطالما أرعب «إسرائيل» لسنوات عديدة، إلا أنهم لم يستطيعوا النيل من قامته الرفيعة إلا بعدما إغتالوه في سورية بالتواطؤ مع بعض الجواسيس والخونة في الثاني عشر من شهر شباط/ فبراير من العام 2008 ومنذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا لا يزال حاضراً بيننا.
وإذا تطلعنا ملياً في سيرة هذا القائد الجهادي المقاوم فإننا لا نستطيع حصر سيرته أو وضع صفاتها في سياق واحد، بل أنّ كلّ جزء من حياته يحكي سيرة خاصة به تمثله وحده، وهو ما كان يبرِّر الكمّ الهائل من الإهتمام الإعلامي الذي لو جُمع لشكل بحدّ ذاته موسوعة عنوانها «عماد مغنية».
«الحاج رضوان» هو اللقب العسكري الذي عرف به الشهيد مغنية بين أوساط رفاقه وأمام الرأي العام بأكمله، واليوم وبعد مضيّ اثنى عشر عاماً على فقدانه إلا أننا في كلّ عام نكتشف جانباً جديداً من أعماله وإنجازاته التي تروي حكاية طويلة لبطل عظيم.
وبالعودة قليلاً إلى تاريخ حزب الله، وتحديداً المراحل التي كان لها تأثير هامّ على موقعه في لبنان وعلى صعيد الإقليم ككلّ بحيث كان للقائد مغنية دور بارز في تدعيم بنية الحزب العسكرية والأمنية وحتى السياسية، وبالتالي الإنطلاق به إلى رتبة فرض المعادلات وتغيير موازين القوى المتصارعة في المنطقة.
إذ انّ في العام ١٩٩٢ كان الحزب في تلك الفترة يعيش نقلة نوعية من حيث العمل السياسي، تمثل ذلك بدخوله لأول مرة معترك السياسة الداخلية عبر المشاركة في العملية الانتخابية وذلك على أساس برنامج سياسي شامل.
إذاً هي مرحلة اتسمت بالتموضع حيث استجمع الحزب من خلالها كلّ ما يحتاجه للإنطلاق نحو ترسيخ واقع المقاومة داخلياً.
وصار الحزب منذ تلك الفترة يعزّز موقعه أكثر فأكثر في المجتمع اللبناني إنْ على الصعيد السياسي ـ البرلماني واهتمامه بالشأن الداخلي وأوضاع الناس عبر مشاركته في صياغة الأعمال التشريعية في البرلمان، وفي ما بعد في عداد السلطة التنفيذية حيث شارك للمرة الأولى في الحكومة اللبنانية بعد الانتخابات النيابية التي جرت عام 2005 وحصد من خلالها الحزب أربعة عشرة مقعداً برلمانياً… هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى على الصعيد العسكري ـ الميداني لا سيما في الصراع ضدّ العدو الصهيوني، إذ تمثل ذلك بالتركيز على العمل العسكري وعمليات تحرير الأراضي المحتلة حتى تحقيق الإنجاز الكبير للمقاومة في شهر أيار/ مايو 2000، هذا الإنجاز التاريخي الذي كتب للبنان من خلاله انتصار كبير مدموج بالعزّ والكرامة والصمود، إنتصار كان للقائد عماد مغنية فيه الفضل الأكبر له ولرفاقه المقاومين وبالأخصّ الشهداء منهم الذين تمكنوا بدمائهم تغيير الواقع الإستراتيجي الذي كان مفروضاً بالقوة على لبنانـ وذلك عبر تحرير الأراضي المحتلة باستثناء ما تبقى من أراض كمزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء المحتلّ من بلدة الغجر.
منذ أيار 2000 وحتى الآن وما مرّ به لبنان من صراعات وحروب وتعديات متفرّقة واستحقاقات وغيرها من المشاكل والصعاب… إلا أننا لا نزال نعيش أمجاد ما أنجزه القائد عماد مغنية، خاصة أنّ الإنجازات استمرّت جهاداً وصموداً بحيث ترجمت بشكل أكبر خلال عدوان تموز/ يوليو من العام ٢٠٠٦ بلنتصار أعظم ساهم في نقل المقاومة من قوّة محلية لها وزنها على الساحة اللبنانية إلى قوّة إقليمية لا يمكن تجاوزها بتاتاً في أيّ صراع العدو «الإسرائيلي».
اليوم أيضاً، نعيش زمن «ما بعد عماد مغنية»، زمن «ما بعد إنجازات مغنية»، هذا الشهيد البطل الذي ظلت بصماته حاضرة في صراع لا يزال قائماً منذ عقود طويلة حتى تحرير كامل الأراضي المحتلة بما فيها فلسطين المحتلة، وكلّ المعادلات الإستراتيجية العسكرية وبما فيها السياسية التي رُسمت كانت بفضل عقله النيّر التي يعتمد في أساسه على تحويل نقاط قوة العدّو إلى ضعف وهذا ما حصل فعلاً وظهر في كافة أشكال وأساليب الصراع.
حالياً، محور المقاومة يقطف المعادلات التي فرضها القائد مغنية في ساحات الصراع، ولعلّ آخرها كان عندما شاركت المقاومة في عملية تحرير الأراضي السورية من الإرهابيين بعد الحرب الكونية على سورية التي تشرف على عامها التاسع، وما حققه هذا المحور من إنجازات وفرض معادلات استراتيجية هامة إنْ في حلب مؤخراً أو في إدلب، القلمون، درعا، البوكمال وغيرها لتأمين الخطوط الاستراتيجية التي تربط دمشق ببيروت أو دمشق بالعراق، وبالتالي إفشال المخططات التي صمّمت لأجل تدمير هيبة وقوة هذا المحور الذي يمتدّ من لبنان إلى سورية فالعراق واليمن وإيران…