– لم تتغيّر الجغرافيا ولا التاريخ ولا سقطت العقيدة القومية لسورية، لكن مقاربة كل هذه العناصر باتت بفعل الخبرة السورية ذات معانٍ مختلفة، وقد تجمّعت لسورية خبرتان، واحدة من خبرتها خلال توليها إدارة الملف السياسي والأمني في لبنان بتوافق إقليمي دولي، وثانية خلال الأزمة السورية وتجذر المفهوم السيادي للدولة كعنوان لاستعادة التراب السوري ووحدته في مواجهة أعداء سورية وفي التعامل مع أصدقائها.
– لا يشكل التدخل في الشؤون اللبنانية إغراءً لسورية وهي تنتصر، وليس في حساب قائدها وقيادتها من خلفه صرف فائض قوة لاستعادة دور يصرّ بعض اللبنانيين ومن خلفهم بعض العرب والغرب، بعروض تحت الطاولة أو بإثارة مخاوف وهواجس مفتعلة، أنه يمكن أن يلقى لدى سورية آذاناً صاغية، وربما بعض أصدقاء سورية يحاولون ابتكار النظريات وتسويق الأسباب الموجبة للمطالبة بذلك ولا يلقون سماعاً.
– في سورية يقين أن المصير مع لبنان مشترك والمصالح مشتركة والمواجهة للمخاطر والتحديات واحدة، سواء على الصعيد الاقتصادي أو في مواجهة العبث الإسرائيلي وما يلقاه من دعم أميركي أو بوجه خطر الإرهاب وما يلقاه من دعم عربي وغير عربي، لكن سورية ترى أن هذا التلازم في المصير والمسار يجب أن ينضج داخل المؤسسات اللبنانية طوعاً وبرضى ويأتي التلاقي تعبيراً عن هذا النضج، ويجب أن يأتي مترافقاً مع تعزيز شعور اللبنانيين بممارسة سيادتهم على قرارهم، وليس العكس، لأن العكس سيأتي بنتائج معاكسة.
– عندما يترك السوريون الأمر لحلفائهم، وفي مقدمتهم حزب الله، فتلك ليست وكالة يمنحونها بالنيابة لفريق لبناني ينوب عنهم، بل هي ترجمة لمفهوم أن الشأن اللبناني يخص اللبنانيين، ومن بين هؤلاء اللبنانيين لا تخفي سورية الطبيعة المميزة التي تحكم علاقتها بحزب الله كامتداد لامتلاكهما مقاربة واحدة تجاه الملفات الإقليمية وتشاركهما في مواجهات عمدتها الدماء خلال عقود طويلة.
– في الغرب وبين العرب من لا يزال يفكر بطريقة قديمة ويرفض الاقتناع بأن ثمة الكثير من المياه قد جرت في هذا النهر، ربما لأنهم يريدون تحضير ملف اتهامي لسورية تحت عنوان التدخل بالشأن اللبناني، أو ربما لأنهم يقدمون الإغراء من غير جيوبهم بهدايا مفترضة لم يعد يتسع لاقتنائها الصالون السوري ولم تعد بالنسبة له زينة مميّزة.