عميلٌ يهدّد وطناً
} شوقي عواضة*
منذ أن تمّ توقيف العميل عامر فاخوري (جزار الخيام) في أيلول من العام الماضي وواشنطن لم تنكفئ عن ممارسة ضغوطها لإطلاق سراحه وهو المتهم بالتعامل مع العدو «الإسرائيلي» والمتورّط في اعتقال وتعذيب المئات من المعتقلين في سجن الخيام وقتل وإخفاء العديد من الأسرى الذين ما زال مصيرهم مجهولاً حتى اليوم. سيناريو التدخل الأميركي السافر في قضية جزار الخيام بدأ من اليوم الأول لتوقيفه. ففي التاسع عشر من أيلول من العام الماضي وعلى مرأى من الأسرى وجميع من كانوا أمام المحكمة العسكرية حضرت ثلاث سيارات تحمل أرقام السفارة الأميركية إلى المحكمة العسكرية إضافة إلى حضور محام أميركي يتولى الدفاع عنه. لتتصاعد الضغوطات الأميركية بعدها من خلال إرسال المزيد من الموفدين للمطالبة بالإفراج عن العميل الفاخوري. ولم تكتف واشطن بذلك بل أوفدت ديبلوماسياً أميركياً يحمل الجنسية (الإسرائيلية) إلى سفارتها في بيروت ليشكل غرفة عمليات لمتابعة قضية جزار الخيام. أمر استدعى قطع الشكّ باليقين حول أهمية هذا العميل ومدى خطورته مما يجعلنا نتساءل لماذا كلّ هذا الاهتمام والمطالبة الأميركية على أعلى المستويات بهذا العميل؟
ولماذا كلّ هذا التخوّف الأميركي من سوقه إلى التحقيق وتقديمه للمحاكمة بتهمة التعامل مع الكيان الصهيوني؟ ولماذا ولماذا…؟ أسئلة نستنتج منها أنّ التهمة الموجهة للعميل الفاخوري بالتعامل مع العدو واعتقال مواطنين لبنانيين وتعذيبهم هي قضية لم تقلق الأميركيين، إنما ما يقلقهم هو انزلاق العميل الفاخوري في التحقيق بالاعتراف عن المهمات الجديدة التي أوكلت إليه بعد عودته إلى لبنان واستقباله استقبال (الأبطال) ولقائه ببعض المسؤولين الذين أنكروا معرفتهم به.
إذن هناك جريمة أكبر وأخطر يخفيها طفل واشنطن المدلّل وهي جريمة ربما تكون أكبر من قضية العمالة واعتقال أسرى وتعذيبهم، وما يؤكد ذلك تصعيد وتيرة التهديدات الأميركية للبنان فمنذ توقيف العميل الأغلى ثمناً عند ترامب نشطت الاتصالات الأميركية مع لبنان والتي تولاها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو شخصياً حيث أجرى اتصالاته بعدد كبير من المسؤولين اللبنانيين بهدف الإفراج عن الفاخوري بأية وسيلة وإلا فإنّ عملية توقيفه ستؤدّي إلى مشكلة كبيرة بين الإدارة الأميركية ولبنان، ليعيد الكرة بعده وكيل وزارة الخارجية ديفيد هيل خلال زيارته للبنان العام الماضي مطالباً بالعفو عن العميل فاخوري وإطلاق سراحه. تهديدات ديبلوماسية لن يكون آخرها تهديد السيناتور عن الحزب الديمقراطي جين شاهين التي هدّدت لبنان بعقوبات قريبة في حال لم يتمّ الإفراج عن العميل الفاخوري، إضافة إلى تهديدها للحكومة اللبنانية مع وعيدها بمعاقبة من تسبّب بتوقيفه، تهديدات وضغوطات أميركية جوبهت برفض لبناني للانصياع للبيت الأبيض الذي لم ييأس من محاولاته بل حوّل قضية العميل الفاخوري إلى معركة يريد ترامب استغلالها انتخابياً لا سيما أنّ العميل الفاخوري يحمل الجنسية (الإسرائيلية) لذا فإنّ اهتمام ترامب شخصياً بالإفراج عن جزار الخيام وعدم السماح باستمرار توقيفه في لبنان بأيّ ثمن أمر يحمل بعدين… الأول انتخابي والبعد الثاني فهو أمني وهنا تكمن خطورة العميل عامر الفاخوري وما يخبّئ من معلومات ومهمات غير تلك الجرائم الموصوفة والتي تمّ توقيفه بسببها والتي لم يكشف عنها بسبب عدم التوسّع بالتحقيق معه بحجة (مرضه).
ومع استمرار الضغوط والتهديدات بقي الموقف اللبناني ثابتاً وصامداً بانتظار ما سيصدر عن القضاء في الأيام المقبلة، أما الموقف الأميركي فسيتصاعد اتجاه لبنان سواء تمّ الإفراج عن هذا العميل أو تمّت محاكمته ستستمرّ إدارة ترامب بحصارها للبنان وستزيد واشنطن عدد الأسماء على لائحتها السوداء ليس حباً بفاخوري بالرغم من خطورته وإخلاصه لأسياده بل لأنّ أميركا خرجت بنفسها لتقود المعركة ضدّ المقاومة في لبنان بعدما عجز الجميع عن النيل منها أو القضاء عليها، وما كلام السفيرة الأميركية خلال زيارة رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني للبنان وتحذيرها من قبول لبنان أية مساعدات إيرانية إضافة إلى إعادة تأكيدها على الإفراج عن العميل الفاخوري سوى تأكيد على الإصرار باستهداف لبنان بسيادته ومقاومته. إذن هي معركة كرامة ووجود للبنان وليس المقاومة فحسب، فكما خضنا معركة الكرامة وتحرير الأسير الشهيد سمير القنطار ورفاقه وانتصرنا سنواجه اليوم الشيطان الذي يريد أن يمسّ سيادتنا ومقاومتنا، وعلى قدر ما نكون ثابتين وصامدين سنخرج منتصرين.
*كاتب وإعلامي