الأسد ورسالة النصر المكتمل الأركان
} د. حسن مرهج
منطقياً وطبيعياً يبدو خروج الأسد بكلمة متلفزة، فهو الذي أدار وبذكاء استراتيجي حروب السنوات التسع، حتى أنه استطاع إحداث شرخ في بنية الاصطفافات الإقليمية والدولية، لتكون سورية بقيادة أسدها بيضة القبان في أيّ توازنات، خاصة أنّ هذا البعد الاستراتيجي خبرته سورية وعلى امتداد تاريخها الموغِل في القدم والأصالة، فالأسد كان وما زال عرّاباً لجملة واسعة من الانتصارات الجيو استراتيجية، وأكثر من ذلك، فقد أعاد بصموده وصمود جيشه وشعبه، روسيا إلى الواجهة الدولية، كما أسهم بعمق في ولادة قوى إقليمية كـ إيران، وانطفاء قوى أخرى كـ السعودية وغيرها، عبر تحييدهم عن مسار التطورات السياسية والعسكرية في سورية، بانتصارات الجيش السوري التي هندست خارطة العمليات السياسية والعسكرية في سورية.
مسار الانتصارات التي هندسها الأسد، تتجلى في العديد من المشاهد والعناوين الكبرى، من دمشق إلى القلمون مروراً بحمص، ووصولاً إلى ريفي حماة وإدلب، وحلب ليست الأخيرة، خاصة أنّ تحرير حلب أواخر عام 2016، كان بمثابة المفصل الأساسي في استكمال تطهير الجغرافية السورية من الإرهاب، فضلاً عن قصم المشروع الأميركي والتركي في تلك المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية، فـ مدينة حلب عصب الاقتصاد السوري، الذي حاول أردوغان القضاء عليه عبر أدواته الإرهابية، وقد تجلى ذلك بسرقة المصانع وتهريبها إلى تركيا، وبإشراف مباشر من المخابرات التركية.
في هذا المقال لسنا بصدد تفنيد خيوط المؤامرة التركية والأميركية على سورية، فقد باتت مكشوفة للجميع، وإنما نحاول الإحاطة بمجمل المعاني الاستراتيجية لكلمة الأسد المتلفزة، والتي توجه عبرها إلى الشعب السوري والجيش السوري، فالأسد وعبر إطلالته أطلق سهام رسائله في كلّ الاتجاهات، فحين يصف تركيا بقوله الفقاعة التي تأتي من الشمال، فهو يدرك تماماً أنّ تركيا وتصريحات رئيس نظامها، لا تعدو عن فقاعة هواء دون مضمون وأهداف، حتى أنّ أدوات أردوغان الإرهابية، هي أيضاً بمثابة فقاعة الهواء التي دمّرت بقوة الجيش السوري.
الأسد توجه في خطابة إلى الشعب الحلبي الصامد، والذي لم يخن أو يساوم على كرامته وأرضه، بل وتحمّل قذائف الغدر والإرهاب، وتحمّل كلّ الأفعال الإجرامية التي مارسها أردوغان وأدواته في حلب وريفها، بينما اليوم بدأ الشعب الحلبي يقطف ثمار صموده ووقوفه إلى جنب جيشه وقيادته العسكرية والسياسية، وها هي حلب اليوم تحتفل مع قائدها بالنصر المؤزّر على أردوغان وأدواته الإرهابية، فحلب وريفها باتوا في عهدة أهلها الشرفاء والجيش السوري.
أكد الرئيس الأسد في خطابة أنّ تحرير حلب لا يعني انتهاء الحرب، وهنا تتجلى حكمة القائد الفذّ، إذ يدرك بأنّ مخططات واشنطن وأنقرة حيال حلب الاستراتيجية لن تنتهي، لكن كما انتهت كلّ الخطط القذرة التي حاكها أوباما وترامب مع أردوغان، وقد باتت هباء منثوراً بفضل قوة وحكمة القيادة السورية وجيشها، ستنتهي أيضاً كلّ الخطط والمؤامرات القادمة ضدّ سورية وجغرافيتها.
الرسائل الاستراتيجية في إطلالة الرئيس الأسد ارتكزت على عدد من المعطيات، فكلام الأسد يؤكد بأنه متابع وبدقة سياسية وعسكرية لكافة التطورات السياسية والعسكرية، وهذا من المنطقي والطبيعي، فهو من تمكّن من إدارة دفة الصراع على بلاده بطرق استراتيجية غاية في الدقة، كما أنّ الأسد أعطى ملامح مرحلة ما بعد تحرير وتأمين حلب ومحيطها، لجهة الجوانب الاقتصادية والسياسة فضلاً عن العسكرية، خاصة أنّه ألمح خلال خطابه انّ المرحلة القادمة لا تحتوي على تسويات سياسة، إلا إذا توافقت جملة وتفصيلاً مع ما تريده دمشق، فالأولوية لاستكمال المسار العسكري وتنظيف الجغرافية السورية من الإرهاب، ولم ينسَ الرئيس الأسد توجيه الشكر الى حلفائه في القضاء على الإرهاب، وهذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أنّ معادلة سورية وروسيا وإيران من الصعب اختراقها، بل ثقة الأسد بحلفائه نابعة من إيمانه العميق بصدق توجهاتهم وتحالفهم مع دمشق.
في المحصلة، الرئيس الأسد وخلال إطلالته وبساطة ظهوره، يمكننا أن نؤكد بأنّه رئيس لجميع أطياف الشعب السوري، فلم تظهر أثناء خطابه ايّ أضواء كثيفة ولا حتى أثاث فخم، كما أنّ مكتبه وما يحتويه من بساطة، تعكس ثقته بأنّ رئيس البلاد لم يكن يوماً بمظهره او إطلالته، بل بدفاعه عن شعبه، وثقته بجيشه والشعب السوري الذي التفّ حول رئيسه وقيادته العسكرية.
هذا هو الأسد المفعم بالثقة حيال نصر بلاده وجيشه وشعبه، والمفعم بالإيمان بأنه سيوصل سورية وشعبها إلى برّ الأمان.