هل اختار «التيّار» مواجهة خصوم العهد في الشارع؟ سلامة وصفير يعملان على حلّ وسط لأزمة الديون!
محمد حميّة
أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم. وفقاً لهذه النظرية «العسكرية»، اختار التيار الوطني الحر قلب الطاولة كما سبق وهدّد رئيسه النائب جبران باسيل باللجوء الى الشارع لمواجهة خصوم العهد الذين أعلنوا الحرب عليه من تيار المستقبل والقوات اللبنانية والحزب الاشتراكي، بحسب ما تقول مصادر التيار. فكان الهدف المصرف المركزي في شارع الحمرا الذي يشكل امتداداً للحريرية السياسية والمالية التي كانت شريكة التيار في التسوية الرئاسية، لكن العونيّين اليوم تحرّروا من التسوية التي سقطت بعد استقالة الرئيس سعد الحريري في تشرين الثاني الماضي واعتكافه عن الترشح لرئاسة الحكومة الى أن أعلن الحريري بنفسه في 14 شباط الماضي نهاية التسوية رسمياً، كما تحرّروا من وجودهم الحزبي المباشر في الحكومة الحالية.
لا يمكن تحييد انتقال التيار الوطني الحر الى الشارع عن العلاقة المتوترة بين التيار وكل من المستقبل والاشتراكي والقوات، الذين شكلوا جبهة موحّدة غير معلنة لاستهداف تيار العهد تمهيداً لإسقاطه عبر دفع رئيس الجمهورية ميشال عون للاستقالة بحسب ما تقول مصادر التيار لـ»البناء».
وقد مهّد التيار لخيار الشارع في بيان سياسيّ لتكتل لبنان القويّ الأسبوع الماضي الذي صوّب باتجاه مصرف لبنان وحاكمه رياض سلامة الى جانب سلوك الخيار القضائي ضد سياسة المصرف وتكتمه عن تحويل الأموال وبيع سندات اليوروبوند في الخارج وتمنّعه عن تقديم تقرير يتضمن الأرقام الحقيقية لموجودات واحتياطات مصرف لبنان.
تحت هذه العناوين نفذ مناصرو ولجنة مكافحة الفساد وجميع منسقي مختلف المناطق في التيار تظاهرة حاشدة أمام مصرف لبنان، وسط تدابير أمنية مشددة.
وقد وقع إشكال بين مناصري التيار وانصار الحزب الاشتراكي. وبحسب المعلومات فقد تعرّضت مواكب التيار للشتم ورشق الحجارة في منطقة القنطاري من أنصار الاشتراكي وتيار المستقبل. وتجدّد الاشتباك بين الطرفين بين الطريق المؤدية الى المصرف والأخرى المؤدية الى منزل النائب السابق وليد جنبلاط، لكن الجيش اللبناني وقوة مكافحة الشغب فصلت بينهما. وبحسب ما علمت «البناء» فإن عناصر الاشتراكي منعوا عودة المتظاهرين من طريق الحمرا – كليمنصو – برج المر – الرينغ ما دفع بالقوى الأمنية الى تجميع الباصات امام فرنسبنك في الحمرا لنقل المتظاهرين واتخاذ خط سير آخر عبر خط بشارة الخوري – الأشرفية.
وعلمت «البناء» أيضاً من مصادر ميدانية أن أنصار الحزب الاشتراكي كانوا منتشرين على الطرقات والشوارع المؤدية الى الحمرا منذ ظهر أمس وكانوا ينتظرون مرور أنصار التيار لافتعال إشكالات بهدف عرقلة وصول المتظاهرين الى مكان التظاهرة. كما علمت أن مجموعة من الشبان المتظاهرين تأخروا عن الوصول الى باحة مصرف لبنان تعرّضوا في منطقة القنطاري الى كمين من انصار الاشتراكي الذين عمدوا الى شتم وضرب من كانوا في السيارات وتحطيمها واحتجازهم إلا أن القوى الأمنية تمكنت من تحريرهم ونقلهم الى سيارات أمنية لحمايتهم لكن لم يتمكنوا من إخراجهم من منطقة القنطاري لساعة ونصف بسبب رفض الاشتراكيين إخراجهم.
وكشف مصدر في التيار تعرُّض مناصرَيْن للتيار للطعن بالسكاكين من قبل مجهولين في شارع الحمرا وقد نقلا الى المستشفى حيث يخضعان للعلاج.
في المقابل رفضت أوساط الاشتراكي اتهامات التيار موضحة أن مناصريها تعرّضوا لاستفزازات من المتظاهرين لا سيما دعوات للتيار عبر وسائل التواصل الاجتماعي للتظاهر أمام منزل جنبلاط. واشار النائب أبو فاعور الى أن ما حصل سببه هو دعوات البعض من مناصري التيار الوطني الحر للتوجّه إلى منزل وليد جنبلاط.
وعكس التوتر في الشارع والسجالات الإعلامية والمواقف العالية السقف بين التيار والاشتراكي بحسب مصادر سياسية سوء العلاقة متوقعة ان تتصاعد أكثر خلال الأيام القليلة المقبلة إذ إن جنبلاط وبعيد انفراط عقد التسوية بين باسيل والحريري وانفكاك الحريري عن عون بات أكثر حماسة للانقضاض على العهد لمحاصرته بالتعاون مع القوات التي لديها مصلحة أيضاً بذلك.
وأبدت مصادر التيار استغرابها لاعتراض انصار جنبلاط طريق المتظاهرين الذين جاؤوا رفضاً لسياسات المصرف المركزي. وهذا هدف يخدم كل اللبنانيين بمن فيهم الاشتراكيون، فلماذا اعتبر جنبلاط نفسه معنياً بتحرّك التيار ولماذا انبرى للدفاع عن رياض سلامة بدل الانضمام الى المتظاهرين السلميين؟ وبرز موقف عضو تكتل «لبنان القويّ» النائب جورج عطاالله، بقوله «أولى طلائع حرّاس المصرف بدأت بالظهور ما بين شارعيْ كليمنصو والحمرا للدفاع عن السياسة الماليّة التي صادرت أموال البلد والناس».
على وقع تصعيد الشارع ضد رياض سلامة وسياساته بقيت الأنظار منصبّة على السرايا الحكومية التي شهدت الاجتماع الأول بين اللجنة الوزارية المالية برئاسة رئيس الحكومة حسان دياب ووفد صندوق النقد الدولي، وبحسب معلومات «البناء» فقد جرى تبادل وجهات النظر بين الطرفين وعرض الواقع الاقتصادي والمالي، كما علمت أن لبنان سيتلقى اليوم أجوبة مكاتب الاستشارة القانونية والمالية الراغبة في مساعدة الحكومة في حال اتخاذ قرار بإعادة هيكلة الدين وسيتم فض العروض في رئاسة مجلس الوزراء. وأكد وزير المال غازي وزني أن اللقاء مع وفد الصندوق ناقش في ما يمكن ان يقدمه من نصائح تتعلق بخطة لبنان الإنقاذية وفق رؤية الوفد للواقع المالي والنقدي.
وأشار خبراء في المال والاقتصاد لـ»البناء» الى أن «نتيجة الاجتماعات مع وفد الصندوق لن تظهر في وقت قريب بل ستأخذ وقتاً يمتد حتى أواخر الشهر الجاري وربما أوائل الشهر المقبل للتوصل الى اتفاق»، مشيرين الى «اننا لا نزال في مرحلة استكشاف طبيعة الاستشارة التي سيقدّمها الوفد ودراسة الواقع المالي والاقتصادي من ثم دراسة الخيارات وانعكاس كل منها على وضع مالية الدولة واقتصاده وسيولة مصارفه».
وعلمت «البناء» أن «سلامة والمصارف يراهنان حتى الساعة على تراجع الحكومة عن موقفها ويضغطان بشتى الوسائل والأساليب المحلية والداخلية لهذه الغاية»، وتوقعت مصادر اقتصادية أن «يتوصل سلامة والمصارف الى حل وسط للديون وعرضه على الحكومة خلال أيام كتأجيل سداد الديون لعامين مع رفع نسبة الفوائد على السندات».
لكن ماذا عن المخاطر المحدقة بخيار عدم الدفع؟
يشير الخبير الاقتصادي زياد ناصر الدين لـ»البناء» الى أن «سلوك خيار عدم التسديد ينعكس سلباً على درجة التصنيف الإئتماني للبنان إضافة الى انعكاسه على الإقبال المحلي والخارجي على شراء السندات اللبنانية التي يصدرها مصرف لبنان ووزارة المالية التي تشكل المصدر الأساسي للسيولة بالدولار»، لكن ناصر الدين اوضح أن «لبنان لا يستطيع السداد في الوقت الراهن لان ذلك سيؤثر على قدرة الدولة على استيراد المواد الاساسية الامر الذي يمكن ان يتسبب بفقدانها ما يهدد الامن الغذائي ولذلك الاتجاه الامثل هو التفاوض مع الدائنين واقناعهم بتأجيل السداد بضمانة صندوق النقد، لذلك على الحكومة التفاوض مع الذين استفادوا من أرباح الفوائد بمئات ملايين الدولارات لفترة طويلة لتأجيل السداد لعامين».