لماذا هذا العداء السعوديّ الشامل ضد إيران؟
} د. وفيق إبراهيم
العداء السعودي لإيران عام، يشمل السياسة والاقتصاد والدين والتاريخ وحتى الجغرافيا.
لكن دوافعه مجهولة وغامضة حتى أن أكبر مراكز الأبحاث عجزت عن تحديد أسباب محددة بعينها، فكادت تعتبر هذا العداء جينياً يظهر في كل مولود حديث من آل سعود الذي ما أن يرى نور الحياة حتى يرمق بغضب الساحل الفارسي المقابل لبلده.
الأمثال على هذا العداء تعم وسائل الإعلام بتنوّعاتها. فدعم إيران للمقاومة اللبنانية في وجه “إسرائيل” عمل إرهابي ومساندة حزب الله للدولة السورية في حربها على داعش والنصرة والقاعدة إرهاب موصوف وموضوع على لوائح الإرهاب في جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي والكيان المحتل والغرب والسعودية.
كما أن دعمها للحشد الشعبي العراقي في قتاله ضد أعتى التنظيمات الارهابية التي اجتاحت التوازنات في شبه جزيرة العرب مهدداً السنة في العراق نفسه والعالم. وهذه المهمة يطلقها آل سعود متناسين تقديم تفسير واضح لتبريرها.
وفيما يمتلك العدو الإسرائيلي مئات الرؤوس النووية الفتاكة ومئات آلاف الصواريخ المتطورة ومئات المقاتلات الأحدث في العالم يتهم آل سعود إيران بالارهاب النووي لانهم يحاولون بناء مفاعلات لتوليد الطاقة في بلادهم بإشراف وكالة الطاقة الدولية.
وهذا يشمل صواريخ إيران التي يطالب آل سعود الغرب بمصادرتها، لأنها قادرة على حمل رؤوس نووية ما يضاعف من إرهابيتها.
وفيما تجتاح السعودية والامارات اليمن بجيوش من المرتزقة والمحليين الخليجيين المدعومين بطيران أميركي اوروبي وإسناد مصري إسرائيلي تتهم السعودية إيران بالمشاركة في الحرب اليمنية وتزعم كل يوم أن إيرانيين يسقطون قتلى في المعارك ومعهم مقاتلون من حزب الله وتنظيمات شيعية أخرى من افغانستان وباكستان والهند.
لقد وصلت مزاعم الإعلام السعودي بكامل تنوعاته الى حدود تفسير أسباب وقوع زلازل في إيران بأنها عقاب إلهي على دعمها للإرهاب في العالم الاسلامي.
وإيران ايضاً ارهابية عند آل سعود، لأنها تقف في وجه النفوذ الأميركي في الشرق الاوسط.
لمجمل هذه المزاعم وغيرها يرفض آل سعود أي لقاءات حوارية مع الإيرانيين “الارهابيين” على حد زعمهم، فهم في خاتمة المطاف عدو مطلق لا يجوز الحوار معه بأي طريقة كانت ولو كانت بالهمس والغمز.
لمجمل هذه المزاعم تبيح السعودية لنفسها تزويد بعض القوى الإيرانية المتمرّدة على طهران بالمال والسلاح والتأييد الإعلامي كحال “البلوش” القاطنين بين الحدود الإيرانية – الباكستانية وبعض الأكراد.
لكنهم لم يعثروا على عرب من الأهواز يقبلون بالتمرد على إيران فلا يذكرونها في أدبياتهم الإعلامية الا بشكل عام من دون تفاصيل ومعلومات.
لماذا هذا العداء الذي يكاد يصبح بيولوجياً؟
إن التنقيب في التاريخ يكشف أن إيران لم تعتدِ على بلد عربي منذ الفتوحات الإسلامية قبل ألف وأربع مئة سنة.
وهناك نقطة تفضح غياب أي سبب تاريخي، لان كامل دول الخليج حديثة التأسيس وتعود الى النصف الاول من القرن العشرين ولم يكن في الخليج دولٌ قبل الاسلام.
ماذا عن الأسباب السياسية؟ ليس لدى السعودية مشاريع خاصة بها لأنها تعمل من ضمن النفوذ الأميركي العالمي وتضع امكاناتها الاسلامية والنفطية في خدمته، فعندما تطوّع بلداً اسلامياً فإنها تدفعه الى الحضن الأميركي وتكتفي بالتقاط صور رؤساء الدول التي تموّلها وتنشرها في وسائل إعلامها للتباهي وبعد ان يصل هؤلاء الى الجيوبوليتيك الأميركي يفتش آل سعود عن ضحايا آخرين.
لذلك ليس هناك أي عداء سياسي مباشر حتى ان الدعم الإيراني للعراق وسورية ولبنان واليمن لا يمسّها بشكل مباشر بل يلتهم من حجم الامتداد الأميركي في الشرق الاوسط فارضاً تراجعاً على العدوانية الإسرائيلية.
هل هناك أسباب اقتصادية؟
البلدان لا يتنافسان اقتصادياً وكانا يحظيان بحصص واضحة لبيع نفوطهما في الأسواق العالمية عبر اوبك.
والمعلوم ان السعودية لا تنتج شيئاً ولا تنافس بالتالي الإيرانيين على اي شيء له رائحة الإنتاج باستثناء البلح!
هل هناك أسباب دينية؟
العالم الإسلامي الذي تدّعي السعودية تزعمه ليس حقيقة سياسية لها وزنها العالمي، بل هو مجرد تسمية تستفيد السعودية من كونها مركز “مكة والمدينة” المقدستين وموسم الحج وارض التفاعلات الدينية التاريخية للتقرب من الدول الإسلامية، لكن هذا الامر هو جزء من الحقيقة لأنها توزع على الدول الاسلامية المنصاعة لها مساعدات مختلفة تسمح لها بقيادتها الى البيت الابيض الأميركي.
يمكن اذاً الجزم بعدم وجود مشاريع اسلامية صرفة على المستويين السني والشيعي، فإيران تقاوم النفوذ الأميركي الذي يهاجمها منذ نجاح ثورتها الإسلامية في 1979.
لذلك نجحت بتنظيم حلف معادٍ للأميركيين من المراكز المتضرّرة منهم في لبنان وسورية وفلسطين والعراق واليمن وأفغانستان ومجالات أخرى.
وميزة هذا الحلف أنه جهادي لا يرتكز على نشر المذهب الشيعيّ في أي مكان، لأنه زمن نشر المذاهب ولى الى غير رجعة منذ الاستعمار العثماني.
بذلك يتضح ان الصراع السعودي – الإيراني هو صراع وهمي لا يفعل إلا التغطية على الصراع الفعلي الذي يندلع منذ أربعين عاماً تقريباً بين إيران والأميركيين بالدعم “المالي والإسلامي” وتفتيت العالم الاسلامي ونشر العداء لإيران بمزاعم مذهبية، وذلك لحجب الدواعي الفعلية لهذا العداء وهي المحاولات الأميركية المستمرة لإسقاط الجمهورية الاسلامية في إيران.
يتبين ان آل سعود يقودون عالماً عربياً واسلامياً لحماية الجيوبوليتيك الأميركي وهراوته الإسرائيلية في وجه كل مَن يتجرأ على رفض هذا النفوذ وما على المشكّكين إلا العودة الى عصر عبد الناصر وحافظ الأسد.