وصايا…!
} مصطفى بدوي*
يا أصدقائي، أيّها الرائعون
علّموا أبناءكم العزف على الأكورديون ففيه منتجع لأجنحة الرحيل إلى الغمام، حيث شوبان وباخ وشايكوفسكي.
علّموهم السباحة في بحيرة البجع، فذلك خير لهم وأبقى مما قد يعنّ لكم من سفاسف الغوايات.
علّموهم اللغات كي لا يضحك على ذقونهم وطاويط المعاهد الأجنبية ممن يرطنون بكافة أنواع اللغات تأهباً لمقتبل المفاجآت.
علّموهم ارتداء الأحذية السميكة كي لا تفاجئهم الأحراش في المنعطفات ولا تضربوهم البتة إن لم يحفظوا دروس الخواء، ففي الدنيا شعار كبير عريض طويل، عنوانه «ادخلوها بغباء فهنا لا يفلح إلا السفهاء».
علّموهم العناية بالجغرافيات البعيدة كي لا يقتلوا أنفسهم غمّاً وهمّاً ههنا.. حضروهم للرحيل إلى هناك حيث الجبنة والبسمة والحياة.. لا تقنعوهم بشيء مما تعلمتموه لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم المتشقق كالهواء.. لا تشغلوهم بالمشبّه والمشبّه به والمستعار والمستعار له فأجدى بكم أن تستعيروا لهم ما يؤجّج فيهم شهوة البعيد.. لا تلوّثوا مخيّلتهم بالأساطير التي تحكي عن عباس بن فرناس وابن دريد وابن طباطبا وديك الجن و(قفا نبكي من ذكرى رماد وكلكل..) فهي مجرد أضغاث أوهام تعلمتموها أنتم في سياق ثقافي ركيك ظلماً وبهتاناً وليس من حقكم توريثهم تلك التعاويذ السخيفة التي لا طائل من ترديدها على مسامع الصغار.. علموهم معاداة الجرائد والأخبار والمعارض فهي أصل الأضاليل وعدوى البؤس الزؤام.
وفي الختام.. لكم في هذه الوصايا ما يغنيكم عن وصايا الرغام.. والسلام.
*شاعر وناقد مغربي.