الجيش السوريّ يتقدّم ويوقع خسائر تركيّة… وأردوغان لقمّة مع بوتين وميركل وماكرون فرنسا تدعو لفصل مساعدة لبنان ماليّاً عن المعركة الأميركيّة السعوديّة مع إيران كورونا لبنان سياسة وتجارة… وبعثة الصندوق تستهلك الوقت… وخطة الحكومة الخميس
كتب المحرّر السياسيّ
مع النتائج الحاسمة التي تحققت في الانتخابات البرلمانية الإيرانية لصالح تيار المواجهة مع الأميركيين، وبناء اقتصاد صمود ومقاومة، لم يعد الرهان على توازنات داخل السلطة الإيرانية واحداً من الخيارات التي يمكن لواشنطن العزف على أوتارها، وباتت محاور العراق وسورية ولبنان في الواجهة، بعد ترك اتفاق وقف النار في أفغانستان قيد الاختبار والقدرة على الصمود، في ظل اعتراض فصائل أفغانيّة على غياب التعهد الأميركي العلني بالانسحاب الشامل في الحل النهائي، ففي العراق بعد التثبت من قدرة حكومة محمد توفيق علاوي على نيل الثقة توجّه الحراك الذي تقوده واشنطن للتأثير على خط سير الحكومة ومحاولات تعديلها لضمّ المكوّنات الحليفة لواشنطن، وجاء الاتصال الذي اجراه لأول مرة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو بالرئيس علاوي محاولة لفتح قناة اتصال كانت مغلقة بقرار أميركي مبنيّ على حسابات إفشال قيام الحكومة، وقد بات واضحاً وصوله إلى طريق مسدود. أما في سورية، فالرهان هو على صمود تركيا عند خط الإعاقة للمسار الروسي السوري لفتح طريق اللاذقية دمشق الدولي أسوة بخط دمشق حلب الدولي، وما يترافق معه من إنهاء سيطرة الجماعات الإرهابيّة في مناطق جسر الشغور وأريحا وجبل الزاوية. وقد خاض الجيش السوري معارك ناجحة بوجه التقدّم التركي محققاً السيطرة على المزيد من البلدات والقرى، وموقعاً خسائر بشرية ومادية بالقوات التركية المنتشرة، والتي تعرّضت أرتالها لضغط ناري روسيّ جويّ في مواقع عدة ما تسبّب بتراجعها، وبدا أن تفادي المواجهة المباشرة لا يزال قرار الرئيس التركي الذي يعرف أنه رغم التشجيع الأميركي سيكون وحيداً إذا وقعت المواجهة. وجاءت استعانة الرئيس التركي رجب أردوغان بفرنسا وألمانيا لإقامة توازن بوجه الدور الروسي، عبر الدعوة لقمة رباعية تضمه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون، لتأجيل الموعد الذي قطعه لحملة عسكرية هجوميّة مطلع شهر آذار المقبل ضد الجيش السوريّ لفرض التراجع عليه من المناطق التي دخلها على حساب الجماعات الإرهابية المدعومة من تركيا، فالقمّة تقررت في الخامس من آذار، والجيش السوري بدعم روسي يعمل لفرض وقائع جديدة حتى ذلك التاريخ، وربما بعده قمّة ثلاثية روسية تركية إيرانية، في ظل الإصرار الروسي على الحفاظ على مرجعيّة أستانة في تطبيق اتفاق سوتشي، الذي يلزم تركيا بالتخلّي عن الجماعات الإرهابية، ويربط أي وقف للنار باستثنائها منه، وبالفصل بينها وبين الجماعات المرشّحة للحل السياسي.
على المسار اللبناني بات واضحاً أن لعبة الوقت هي التي يلعبها الأميركيون مباشرة أو بالواسطة عبر البعثات المالية الدولية، التي تتصرّف كأنها في مؤتمر علمي للأبحاث النظرية، وكأن لبنان يملك ترف الوقت لحسم خياراته، وهو المضطر لاتخاذ قرارات إجرائيّة بكيفية التصرّف تجاه استحقاق التاسع من آذار لسندات اليوروبوند، وكشف وزير المالية الفرنسية في كلمته أمام وزراء مالية الدول المشاركة في الاجتماع التحضيري لقمة العشرين في الرياض، وبحضور وزير الخزانة الأميركي ووزير المالية السعودي، عن موقف فرنسي مختلف عن الموقفين الأميركي والسعودي القائمين على الحديث عن شروط مبهمة لتقديم المساعدة المالية للبنان، قائلاً إن فرنسا تعارض الربط بين المواجهة التي تخوضها واشنطن مع إيران، وتقديم المساعدة المالية للبنان، مبدياً الاستعداد لفعل ذلك ضمن صيغ ثنائية لبنانية فرنسية او متعددة الأطراف في إشارة لمقرّرات مؤتمر سيدر.
لبنانياً، تراجعت فوبيا كورونا، في ظل ظهور جديّة الإجراءات التي اتخذتها وزارة الصحة في ملاحقة الحالات المفترضة للإصابة، وخطة الوقاية المعتمدة في المنافذ الحدوديّة، خصوصاً مطار بيروت الدولي، بقي من الحمّى الشق السياسيّ والتجاريّ، حيث الحملة على إيران في بعض الإعلام والسياسة، والمتاجرة بوسائل الوقاية في بعض الصيدليات، بينما بقي الانشغال الحكومي مركزاً على رسم خطط المواجهة مع استحقاقات اليوروبوند الداهمة، وكيفية ترجمة قرار إعادة هيكلة الدين العام، في ظل عدم تقديم الجهات المالية الدولية أية مقترحات عملية على هذا الصعيد، وبعد ثلاثة أيام من الانشغال بالاجتماعات مع هذه البعثات عادت فرق المستشارين والخبراء في رئاسة الحكومة ووزارة المال للعمل على خطط ذاتية سيتم تقديمها للحكومة بصورة رسميّة يوم الخميس على الأرجح، حيث يتوقع عقد جلسة مخصّصة لبحث مسار التعامل مع الدين العام واستحقاقات اليوروبوند، وفيما يبدو محسوماً السير بإعادة الهيكلة كسقف للخطة، تجري مناقشة الخيارات لتصحيح المالية العامة، والوضع المالي العام، مع أزمة خانقة في القطاع المصرفيّ، وعاد الحديث عن فرضيات زيادة معيّنة في بعض الضرائب للتداول، كما الحديث عن إجراءات حسم على الودائع التي تخصّ كبار المودعين، وتخفيض الفوائد المطبقة على سندات الخزينة، فيما البحث في كيفية التعامل مع سعر صرف الدولار ووجود سعرين، مقابل غياب الدولار النقدي عن التعاملات المصرفيّة، لا يزال موضع جدل بين الحكومة وكل من مصرف لبنان والمصارف، وهو ما ربطت به مصادر متابعة عودة أزمات توفير اعتمادات القمح والمحروقات.
وختم وفد صندوق النقد الدولي محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين في عين التينة بلقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري، بحضور وزير المال غازي وزني. وجرى عرض مفصل للوضع اللبناني المالي والاقتصادي، وأكد الرئيس بري للوفد حرص لبنان على الالتزام بالإصلاحات الجذرية المطلوبة وعلى كافة الأصعدة لضمان نجاح العملية الإنقاذية وعودة الثقة بلبنان.
وكان الوفد التقى كلاً من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود. وقد أفيد أن اللقاءات المالية والنقدية في السرايا الحكومية ستستكمل بعيداً من الإعلام، وقد اتفق على انه لن يكون هناك قرار قبل 6 آذار أي قبل يومين او 3 كحد أقصى من دفع الاستحقاق، في انتظار اكتمال الصورة من مختلف جوانبها، لدى الحكومة.
وبحسب معلومات «البناء» من مصادر مطلعة فإن «الاجتماعات التمهيدية بين الحكومة ووفد صندوق النقد الدولي انتهت واطلع الوفد على الواقع المالي والاقتصادي للدولة وجمع بعض المعلومات وأجرى مجموعة من الإحصاءات والدراسات وكوّن رؤية عامة عن الوضع تمهيداً لتقديم مشورته حيال اعادة جدولة الدين خلال الايام القليلة المقبلة»، ولفتت المصادر الى أن «الوفد طلب بعض الوقت لمشاورة ادارة الصندوق من ثم إعداد دراسة بناءً على المعطيات التي جمعها في لبنان على أن يعود الى بيروت لتقديم اقتراحات بشأن مسألة الديون».
وقالت أوساط رسمية لـ»البناء» إن «الحكومة ليست ملزمة باقتراحات الصندوق بل ترى ما يتناسب مع المصلحة الوطنية»، وأكدت «إصرار الحكومة على اعادة جدولة الديون بما يشمل استحقاق آذار اضافة الى تعيين مكاتب محامين لمواجهة أي احتمال لرفع دعاوى على الدولة اللبنانية جراء عدم السداد». كما علمت «البناء» أن «الحكومة اتفقت مع 7 شركات دولية ستتولى التفاوض مع الشركات الممثلة للدائنين الاجانب».
وعشية مغادرة وفد صندوق النقد لبنان، برز موقفان من السعودية وفرنسا، ففي حين لفت وزير المالية السعودية الى أن «المملكة كانت وما زالت تدعم لبنان والشعب اللبناني وعلى تواصل مع الدول المعنية بشأن لبنان وتواصل متابعة ما يحدث»، قال وزير المالية الفرنسية: «إذا احتاج لبنان للمساعدة المالية ففرنسا موجودة ولا يجب خلط قضية تعافي الاقتصاد اللبناني بمسألة إيران».
في غضون ذلك، تتوالى الأزمات الحياتية بسبب تجميد البنك المركزي الاعتمادات بالدولار لاستيراد المواد الأوليّة. فبعد أزمة الدولار والكهرباء والمحروقات انفجرت أزمة الخبز مع إعلان رئيس اتحاد نقابات المخابز والأفران كاظم إبراهيم، الإضراب المفتوح حتى تحقيق المطالب، مؤكداً أن «المطالب هي وجود حل لمشكلة سعر صرف الدولار الذي وصل الى الـ2500»، مشيراً الى «أننا نستورد الطحين والقمح بالدولار فكيف سنستطيع الاستمرار؟ ولا أحد يريد الاستماع الينا».
وقد بدأ الغضب الشعبي يتفاقم في الشارع جراء اشتداد وطأة الأزمات، ما ينذر بـ»ثورة» جياع تعمّ مختلف المناطق اللبنانية وكان الرئيس نبيه بري حذر منها في وقت سابق. وشهدت مدينة صيدا أولى نذر هذه «الثورة» حيث انطلقت مسيرة حاشدة تحت عنوان “ثورة الجياع” من تقاطع ايليا وجابت شوارع رفضاً للغلاء وسياسة التجويع.
وبرز موقف لحزب الله في مسألة الديون وسياسة مصرف لبنان، على لسان عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب حسن فضل الله الذي اعتبر أن “نجاح الحكومة نجاح للبلد، لكن هناك عقبات تقف في طريق الحلول. فالحكومة المسؤولة عن الأموال العامة، ممنوع عليها أن تعرف كم يحتوي المصرف المركزي لأنه لا يفصح بدقة عما لديه، في حين لم يحصل في أي دولة في العالم أن تمنع جهة رسمية المعلومات عن رئيس الجمهورية والحكومة والمجلس النيابي، وهذا يتطلّب من الحكومة اتخاذ إجراءات لحل هذه المشكلة”.
واضاف: “حتى الآن لم نحصل على المعلومات الصحيحة عن التحويلات المالية للخارج، والقضاء يستطيع من خلال سلطته التي منحه إياها الدستور والقانون أن يقوم بجردة دقيقة لكل التحويلات التي قام بها الرؤساء والوزراء والنواب وقادة الأجهزة الأمنيّة وكبار الموظفين الحاليين والسابقين والمتعهّدين في الدولة، وأن يراسل الدول الخارجيّة ويطلب هذه الأسماء وما عندها من أموال ويحقق فيها ويصل إلى النهاية، وإلا مَن سيتخذ الإجراءات ما لم يتحرّك القضاء؟”. وتابع فضل الله: «كنا نأمل أن يستفيد القضاء من المناخ الموجود في البلد، ويضرب بيد من حديد، فهو يستطيع استعادة الأموال المنهوبة ومنع نهب أموال الدولة، لكن المشكلة وبالفم الملآن في القضاء، في حين أن إصلاح الدولة يبدأ بإصلاح القضاء من خلال استقلاليته ونزاهته».
على صعيد آخر، انخفض مستوى الهلع الذي رافق الإعلان عن اصابة إمرأة بمرض كورونا، بعد سلسلة إجراءات قامت بها وزارة الصحة لاحتواء الأمر. وأكد وزير الصحة الدكتور حمد حسن لـ»الوكالة الوطنية» أنه حتى الساعة تم إجراء فحوصات لـ 27 شخصاً من المشتبه بإصابتهم بفيروس الكورونا، وقد أثبتت الفحوص خلوهم من أي فيروس».
كما أعلن المستشفى الحكومي في بيروت عن أن 25 شخصاً خضعوا للكشف ولم يحتج أحد منهم الى دخول المستشفى. وأعلنت رئاسة مجلس الوزراء، أن «مطار بيروت الدولي شهد تركيب أجهزة حديثة برعاية رئيس الحكومة حسان دياب، الذي تلقى هذه الأجهزة من شركة Sky care services، سابقاً بذلك معظم مطارات الشرق الأوسط والعالم العربي”.
وأُفيد أن مجلس الوزراء سيعقد جلسة غداً في القصر الجمهوري لـ”بحث التدابير والإجراءات الوقائية لفيروس كورونا”.
وفي إطار الاستغلال السياسي لقضية إصابة مواطنة آتية من إيران بـ”كورونا”، كان مستغرباً دعوة بعض الجهات السياسية والاعلامية الى وقف الرحلات الجوية بين لبنان وايران، فيما لم يطالبوا في الوقت عينه بوقف الرحلات من دول أخرى شهدت حالات اصابة في هذا المرض! وأوضح رئيس مطار بيروت الدولي فادي الحسن، إلى أنّ “عدد الرحلات من بيروت وطهران ذهابًا وإيابًا يبلغ ثلاثاً أسبوعيًّا، ولا يبدو أنّه سيُتّخذ إجراء بوقف هذه الرحلات أو تخفيض عددها”، موضحًا أنّه “لا يمكن وقف الرحلات منإيران وإليها، والإبقاء على رحلات من بلدان أُخرى ينتشر فيها “فيروس كورونا أيضًا”.