الأسعار ارتفعت بشكل مخيف والمواطن مُحارَب بلقمة عيشه جولات لمديرية حماية المستهلك على المحال والسوبرماركات ومحاضر الضبط لا تبدّل واقع الحال
تحقيق ـ عبير حمدان
الناس على حق حين ترفع الصوت عالياً ضدّ سياسات الإفقار والتجويع والغلاء، وتخرج إلى الشارع، دفاعاً عن لقمة العيش، ورفضاً للضرائب والواقع الاقتصادي الاجتماعي المزري.
مطالب الناس محقة وعلى المسؤولين تحقيقها
ولكن، ما هو مؤسف، أنّ المطالب المحقة، سرعان ما تتبخر وتتجوّف، وكأنّ من ينبري لرفع هذه المطالب باسم الناس، لا يشعر بوجع ومعاناة الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، ممّن لا حول لهم ولا قوة، ولا رصيد في مصرف يحجز أموال المواطنين…
الواقع، أنّ كلّ عنوان مطلبي يُرفع، هو بالتأكيد محق، ولكن كثرة العناوين من دون وضع آلية ضغط فاعلة لتحقيقها، إنما يضاعف المعاناة التي يتعرّض لها الشعب، وليس خافياً، أنه في ظلّ مظاهر الاحتجاج المطلبي، ارتفعت أسعار السلع كافة بشكل جنوني، ما يزيد الوطأة على الفقراء خاصة.
خلال الأشهر الفائتة شهد لبنان احتجاجات تحت عناوين مطلبية، ولكن ثمة من أراد لهذه الاحتجاجات أن تتحوّل إلى قطع الطرقات أمام المواطنين وفرض خوّات عليهم وقطع ارزاقهم وإلى ما هنالك من حوادث ذكرناها في أكثر من تحقيق سابق.
الحال على ما هو عليه، حتى بعد ولادة حكومة محمّلة بوعود المعالجة، والواقع أنّ الأسعار إرتفعت بشكل مخيف على مختلف السلع لا سيما المواد الغذائية والخضار علماً أنّ القطاع الزراعي في لبنان كان يشكو من الكساد بسبب عدم مقدرة المزارعين على تصدير منتجاتهم إلى الخارج مما يجعل تصريفه في الداخل أولوية وبأسعار غير محكومة بفرق الدولار.
المواطن مُحارَب في لقمة عيشه
وعليه، فإنّ من يجول في الأسواق ويدخل الى المحال الصغيرة أو السوبرماركت يمكنه أن يلحظ زيادة الأصفار بشكل هستيري دون أيّ حسيب أو رقيب، وإذا سألنا أحد الإداريين في السوبرماكت لا نلقى جواباً مقنعاً، ويترافق الغلاء مع كلام عن فقدان الكثير من المواد الأساسية مثل حليب الأطفال والأدوية الأساسية المستوردة، ناهيك عن بورصة اللحوم، فمن يتحمّل مسؤولية هذا التفلت في تسعير السلع الأساسية ومحاربة المواطن في لقمة عيشه؟ وكيف يصف الناس معاناتهم اليومية في كيفية تأمين الطعام كحدّ أدنى في بيوتهم؟ وماذا عن دور مديرية حماية المستهلك، وأيّ مستقبل للفقراء في هذا البلد…؟
تسأل فداء زعيتر أين المعنيّين في ظلّ ما يعيشه المواطن المحاصر بغلاء الأسعار وكأنّ كلّ ما عاشه من معاناة جراء غياب أدنى مقومات الحياة في ظلّ نظام سياسي فاسد لا يكفيه، وتقول: «نستغرب حتى الآن بأنّ صراخ الناس ووجعهم من ارتفاع الأسعار الجنوني لا يصل أسماع المعنيين، فرفع الأسعار لا تحتكره المتاجر الكبيرة فقط، بل أنّ المتاجر الصغيرة حذت حذوها في ذلك والتركيز على زيادة أسعار السلع الأساسية. إلا يكفينا أزمة النفايات وغياب الكهرباء وعدم توفر الطبابة والتعليم والضمان الإجتماعي والترجّي على أبواب المشافي ليأتي جشع التجار واستغلالهم للوضع الاقتصادي المتدهور ويحاصرنا على هذا النحو يرافقه غياب دور المعنيين في المراقبة والمحاسبة وتحمّل المسؤولية مما سمح لهم بزيادة الأسعار… خلاصة الواقع الذي نعيشه اليوم يتلخص بعبارة «لا تِندهي ما في حدا» والفقراء يزدادون فقراً، ولم يعد هناك طبقة وسطى أو ميسورة، والسرقة مستمرة من أعلى الهرم إلى أسفله».
من جهتها اعتبرت يمامة زين الدين (مدرّسة) أننا وصلنا إلى مرحلة أصبحت فيها المواد الغذائية بحكم الكماليات، وقالت: «إنها ليست المرة الأولى التي ترتفع فيها الأسعار إلا أنّ ما يختلف هذه المرة هو انّ القيمة الشرائية باتت معدومة عند أكثرية اللبنانيين جراء الأزمة وارتفاع سعر صرف الدولار والتصاعد الكبير للبطالة ومن لم يتمّ صرفه من عمله يتقاضى نصف راتب بالإضافة إلى سياسة التقطير التي تعتمدها المصارف، وحين لا يكون هناك من يحاسب من الطبيعي ان تتفلت الأمور بالكامل حيث أنّ كل يغنّي على ليلاه والعبارة الأكثر تداولاً اليوم «الغلاء سببه فرق صرف الدولار»، لقد وصلنا إلى مرحلة أصبحت المواد الغذائية الأساسية لكلّ بيت بحكم «الكماليات» وقد نضطر إلى شراء الخضار بـ «الحبة» ولا نسمع من الجهات المعنية إلا الوعود والأفعال الافتراضية التي تتداولها مواقع التواصل حول جهود جمعية حماية المستهلك في الحدّ من هذا الانفلات».
وقالت فاطمة حيدر (ربة منزل): «لديّ أربعة أطفال ومجرد التفكير بعدم مقدرتي على توفير أبسط متطلباتهم يشعرني بخوف كبير، لا أدري من اين يمكن البدء بتوصيف الواقع المزري الذي نعيشه، فكلّ شيء تضاعف ثمنه سواء المواد الغذائية أو الخضار والفاكهة والحليب وحتى الدواء، لقد عشنا حروباً كثيرة وكنا نعرف من هو عدوّنا ونواجهه، ولكن سياسة تجويع الناس أصعب الحروب وأشدّها فتكاً على الإطلاق، والسؤال البديهي: من يتحمّل المسؤولية ولماذا لا تتمّ محاسبة التجار الذين يتلاعبون بلقمة عيش الناس كي يزيدوا ثرواتهم؟ «
لا يختلف رأي منى عطوي (ربة منزل) كثيراً حيث أنّ وحش الغلاء يفتك بالجميع، فتقول: «نحن اليوم نعتمد أعلى مستويات التقشف والتوفير، حين يصبح كيلو الخيار بأربعة الآف ليرة والخس بألفي ليرة والبندورة بثلاثة آلاف والى آخره من المواد الغذائية فإنّ هذا يتجاوز مقدرتنا الشرائية على الأقلذ بشكل يومي ونضطر أن نبتاع ما ينقص في المنزل وبكمية قليلة، الجميع يرفع السعر بالشكل الذي يناسبه وأصحاب المتاجر الصغيرة يحمّلون المسؤولية للتجار، والتاجر يلقي باللوم على تلاعب الصرافين بالدولار، والصرافون يشكون عدم توفر الدولار، والخلاصة أنّ كلّ الأسعار ارتفعت ولم يبقَ رخيصاً إلا الإنسان».
وتضيف: «لا نملك إلا التقشف والصبر لأنّ المعنيين لن تصلهم شكوانا ولا يوجد من يحاسب التجار الذين يتحكّمون بالسوق ويزيدون أرباحهم على حساب الفقراء ومعدومي الدخل».
جشع المحتكرين والربح المضمون
أطلّ فادي أبو شقرا ممثل نقابة موزعي المحروقات في لقاء متلفز ليقول «كلّ شيء ارتفع سعره إلا البنزين» ليبرّر إمكانية رفع الأسعار ومضاعفة أرباح موزعي المحروقات ولو على حساب المواطن، وفي الحلقة المتلفزة نفسها خرج نقيب أصحاب الأفران كاظم إبراهيم متوعّداً بأن يصل سعر ربطة الخبز إلى 2500 ليرة، وهو الذي هدّد بالإضراب المفتوح ورأينا طوابير الناس أمام الأفران التي فرغ مخزونها من الخبز على أنواعه بقدرة سحرية، قبل إعلان التراجع عن الإضراب بفعل تدخل الرئيس نبيه بري.
يلقي أصحاب المحال الصغيرة اللوم على تجار الجملة الذين وبحسب قولهم يرفعون أسعار السلع الغذائية، وفي ما يتصل بالمنتجات الوطنية القليلة نسبياً وسبب ارتفاع سعرها كونها ليست مستوردة، يأتي الجواب أنّ المواد الأولية مستوردة والدفع بالدولار وفي ظلّ عدم توفر العملة الصعبة يتحكم الصرافون بهذا السوق ويتلاعبون بأسعار الصرف دون أيّ حسيب أو رقيب.
السؤال البديهي للتجار الذين يحتكرون السوق إذا ما كانت المواد الغذائية المحفوظة في مخازنهم الكبرى قد تمّ شراؤها على أساس ما قبل ارتفاع سعر صرف الدولار فما الداعي لرفع أسعارها ومضاعفة الربح، أم أنّ الهدف هو أن يدفع المستهلك الثمن مرتين مع احتمال إرتفاع الاسعار على أساس يفوق سعر الصرف الحالي وبذلك يضمنون أرباحهم سلفاً.
وبعيداً عن أسعار المواد الغذائية، لم تلتزم الصيدليات بداية بقرار وزير الصحة حول عدم رفع سعر حليب الأطفال وتحدثت تقارير إعلامية عن إمكانية فقدانه، مما يعني أنّ منطق الربح الدائم هو السائد لدى التجار الكبار ولو على حساب الحاجات الأساسية للمستهلك.
لا ضبط للأسعار والفقراء وحدهم من يتضرّر
تقوم مصلحة حماية المستهلك التابعة لوزارة الاقتصاد بجولات على السوبرماركات والمحال الصغيرة في مختلف المناطق اللبنانية بهدف مراقبة أسعار المواد الغذائية وتعمل على تسطير محاضر ضبط في حال وجدت مخالفات، لكن هذه المحاضر والجولات لا تبدّل واقع أنّ الأسعار مستمرة في الارتفاع وكلّ محلّ أو سوبرماركت تسعّر وفق ما يضمن ربحها وبشكل مضاعف.
وبحسب تقارير صحافية فإنّ وزارة الاقتصاد ورغم تكثيف دورياتها وحملاتها لملاحقة الذين يتلاعبون بالأسعار بشكل عشوائي، إلا أنّ هذه المهمة صعبة بسبب العدد الضئيل للمفتشين، وبالتالي المواطن هو الذي يدفع ثمن هذا النقص، ذلك لأنّ محاضر الضبط لا تكفي إنْ لم تعمد الجهات المعنية إلى إلزام التجار بجدول واضح ومحدّد للأسعار وباعتماد سياسة الربح القليل في ظلّ الأزمة التي تلقي بثقلها على الجميع دون استثناء، إلا أنّ المتضرّر الأكبر هم الفقراء والأسعار لا يتمّ ضبطها إلا ضمن الإطار الافتراضي فقط.
هل البدائل موجودة؟
في ضوء ما تقدّم تبرز ظاهرة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان «عندي بديل» حيث يعمد جزء كبير من المواطنين على الترويج لبدائل غذائية بيتية، وعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن استبدال «النوتيلا» بالمربيات البيتية، والتركيز على المنتوجات الوطنية ولو كانت قليلة مقارنة بما هو مستورد بسعر الدولار.
أضف إلى ذلك وجود محال يعتمد أصحابها سياسة البيع بسعر الكلفة أو بربح بسيط، وهنا لا بدّ من السؤال أنه طالما يمكن للبعض أن يبيع بأسعار معقولة وربح قليل فلماذا يصعب على الآخرين فعل ذلك؟ ولماذا لا تعمد الجهات المعنية إلى إيجاد خطة حقيقية للحدّ من سياسية الاستيراد بحيث نخرج من دائرة المجتمع الاستهلاكي إلى إمكانية تفعيل الانتاج المحلي للداخل والخارج في آن.