الفقاعات الصوتيّة لا تزال مستمرّة!
د. محمد سيد أحمد
عندما تتعدّد التصريحات غير المسؤولة والنداءات والاستغاثات من قبل رئيس دولة وفي مدى زمني قصير، فهذا معناه أنه في مأزق حقيقي ولا يعرف كيف يخرج منه. وهذا ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تحوّل فقاعات صوتية، على حدّ تعبير الرئيس بشار الأسد. ففي الوقت الذي تقدّم فيه الجيش السوري تجاه الشمال الغربي لسورية من أجل تحريره من الجماعات التكفيرية الإرهابية القابعة هناك منذ سنوات، والفقاعات الصوتية لأردوغان لم تكفّ.
ومن المعلوم أنّ هذه المعركة الأخيرة تأجّلت طويلاً في محاولة لحسمها على طاولة المفاوضات بعيداً عن الحسم العسكري، حيث قام الحليف الروسي ومعه الإيراني بإدارة المفاوضات مع العدو التركي عبر مباحثات سوتشي وأستانة، لكن التركي الذي ينفذ الأجندة الأميركية الصهيونية منذ تسع سنوات على الأرض العربية السورية ظلّ يماطل ولم ينفذ ما تمّ الاتفاق عليه لذلك حسمت الدولة السورية موقفها وقرّرت أخيراً اللجوء إلى الحسم العسكري، كما فعلت في كلّ معاركها السابقة في مواجهة الجماعات التكفيرية الإرهابية على كامل الجغرافيا السورية.
ومع انطلاق العملية العسكرية للجيش العربي السوري برز التفوّق العسكري على الجماعات التكفيرية الإرهابية ومشغّليها، حيث كان الطريق إلى إدلب وشمال وغرب حلب ورغم تمركز الإرهابيين في هذه المنطقة لسنوات ممهّداً حيث سقطت البلدات والمدن الواحدة تلو الأخرى وتمكّن الجيش من تحرير غالبية المواقع الاستراتيجية حتى وصل إلى مدينة سراقب التي تتقاطع عندها أهمّ الطرق ومنها الطريق الدولي الذي يربط شمال سورية بجنوبها، حيث يمتدّ من حلب في الشمال إلى دمشق في الجنوب مروراً بحماة وحمص في الوسط. وهنا ومع هذه الانتصارات المدوية أعلنت سورية تحريرها لريف حلب الذي شكل صداعاً دائماً في رأس سكان المدينة التي حرّرت قبل ثلاث سنوات، لكن استمرّت القذائف تتساقط من الإرهابيين عليها حتى تمّ تحرير ريفها قبل أيام.
ومع إعلان التحرير الثاني لحلب خرج الرئيس بشار الأسد عبر كلمة متلفزة وجّه فيها التحية لكلّ أفراد الجيش العربي السوري والمواطنين والحلفاء وأكد أنّ «الجيش العربي السوري لن يتوانى عن القيام بواجباته الوطنية، ولن يكون إلا كما كان، جيشاً من الشعب وله، فالتاريخ لم يعرف جيشاً انتصر إلا عندما توحّد معه الشعب في معركته، وعندما توحّد هو مع الشعب في رؤيته وقضيته. وهذا ما رأيناه في حلب وغيرها من المدن السورية، حين احتضنتم الجيش حماكم ودافع عنكم وضحّى من أجلكم.. لأهلنا أبناء حلب الكرام تحية الثبات والصمود… تحية الشجاعة والتضحية يحملها إليكم جيشنا العربي السوري على أجساد مقاتليه».
ومع إعلان التحرير تمّ افتتاح مطار حلب الدولي وتوافد المسؤولون السوريون إلى حلب وخرجت الجماهير للاحتفال، لكن في الوقت ذاته لم تتوقف مسيرة الجيش السوري تجاه إدلب تنفيذاً لتعليمات الرئيس بشار الأسد الذي وعد بتحرير كامل التراب العربي السوري المحتلّ دون الالتفات للفقاعات الصوتية المقصود بها نباح أردوغان المستمرّ الذي فقد صوابه بعد نجاحات الجيش السوري الأخيرة، فخرج يهدّد باجتياح سورية إذا لم يتوقف الجيش السوري عن تقدّمه، وأنذره بضرورة الانسحاب من شرق إدلب وشمال وغرب حلب قبل نهاية الشهر الحالي، وإلا فقوات الجيش التركي جاهزة لعملية عسكرية واسعة، وفي الوقت نفسه قام أردوغان بطلب المساعدة الأميركية ومساعدة حلف الناتو لوقف تقدّم الجيش العربي السوري في معركته الأخيرة بإدلب.
وفي الوقت نفسه تعالى نباح أردوغان على الحليف الروسي حيث اتهم روسيا بارتكاب مجازر ضدّ المدنيين السوريين، وفي الوقت الذي كان هناك اتفاق على لقاء ثلاثي روسي – إيراني – تركي مطلع الشهر يتجه أردوغان لطلب اجتماع رباعي في اسطنبول بشأن الوضع في إدلب يضمّ روسيا – فرنسا – ألمانيا – تركيا في محاولات لزعزعة موقف الحليف الروسي، لكن هيهات أن ينجح العدو التركي في ذلك، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين صرّح بأنّ بلاده لن تتخلى عن سورية في هذه المعركة حتى لو وصلت الحرب إلى شوارع موسكو، وهو ما أكده أيضاً وزير خارجيته سيرغي لافروف بأنّ القضاء على الإرهاب في إدلب أمر حتمي، وهو ما يعنى أنّ التركي إذا ما حاول الصدام المباشر مع الجيش السوري في إدلب سيجد رداً رادعاً داخل أراضيه من قبل الحليف الروسي.
واستمراراً للفقاعات الصوتيّة يخرج أردوغان مؤخراً ليقول لبعض أطراف المعارضة التركية التي سألته عن أسباب التدخل في سورية وليبيا «أننا نخوض نضال الاستقلال مجدّداً، وإذا تهرّبنا من خوضه في سورية وليبيا والبحر المتوسط وعموم المنطقة فإنّ الثمن سيكون باهظاً في المستقبل». ثم أضاف «أنّ هذه السياسات ليست مغامرة أو خياراً عبثياً».
وبالطبع تعبّر كلّ سياسات أردوغان منذ انطلاق موجة «الربيع العربي» المزعوم في مطلع العام 2011 وحتى الآن عن مغامرات غير محسوبة جيداً، فقد كان ولا يزال ألعوبة في يد سيده الأميركي ينفذ تعليماته دون تعقل أو تفكير. وبالتالى أصبحت كلّ خياراته عبثية بعد أن هزم المشروع بكامله في سورية ولن يتمكّن أردوغان من تحقيق ما فشل فيه في سورية القريبة من حدوده من تحقيقه في ليبيا البعيدة عن حدوده، وسوف يدفع قريباً ثمن فقاعاته الصوتية باهظاً بعد تعالي أصوات المعارضة التركية بالداخل والتي تتحيّن الفرصة للإطاحة به وبحزبه من سدة الحكم. اللهم بلغت اللهم فاشهد.