«يقتل القتيل ويمشي في جنازته»
بشارة مرهج
رغم الأحداث المالية والمصرفية التي زلزلت أحوال البلاد والعباد وخلّفت وراءها الخراب والفقر والدمار لم يمثل أحد من المسؤولين عن هذا الزلزال أمام القضاء، وكأنّ الفاعل من جماعة الجنّ أو من أهل الفضاء. كلّ ذلك جعل الثقة بالدولة تتآكل ودفع بالمؤسسات الى الانهيار مما ينذر بِشرّ مستطير ما لم تُشمّر الحكومة عن ساعديها وتباشر العمل الجدّي على فكّ الأحجيات والطلاسم التي تحيط بملفات المال المنهوب والكهرباء المقطوعة والاتصالات المسروقة فضلاً عن ملفات التوظيفات الانتخابية والمحروقات والنفايات والفيروسات وصندوق البلديات والجمارك ومختلف المجالس والإدارات. اما الأمر الأشدّ إيلاماً فهو تخلف الحكومة عن مخاطبة الناس ومصارحتهم واحترامهم والطلب إليهم المشاركة في عملية التصحيح والإصلاح والإنقاذ.
إنّ الحكومة التي تخاف المصارف وجماعات الفساد وترفض التواصل مع الشعب الجريح والتجاوب معه هي حكومة خارج الزمان والمكان .
والسؤال المرتسم على كلّ شفة ولسان اليوم هو: ماذا حصل للذين نهبوا أموال الدولة وانتقلوا الى نهب أموال الناس والمودعين بوحشية قلّ نظيرها ودون صدّ فاعل من القضاء وهيئات الرقابة ومجلس النواب – المراقب الأول في الجمهورية؟ الحقيقة أنه لم يحصل أيّ شيء. والحقيقة المفجعة انّ عصابة الأشرار تواصل ما اعتادت عليه من ممارسات النهب والإذلال دون رقيب أو حسيب. وفي ظلّ النهب الفاجر والقصور الفاضح، وفي ظلّ ما استجدّ من فقر وبطالة وخربان بيوت يضطر عدد كبير من المواطنين الى التفكير بالهجرة سعياً وراء لقمة العيش، فيما يستعدّ “الإحباط” للانقضاض على بحر من عائلات تجد نفسها رهينة القهر والبؤس.
صحيح أنّ كلّ أمر يحتاج الى دراسة قبل اتخاذ القرار، لكن أين هي الحاجة الى الدراسة والتمحيص في تنفيذ أحكام القانون ومحاربة الفساد وإعادة أموال الدولة الى الخزينة وأموال الناس الى أصحابها؟! انّ كثرة الحكي عن الأمر دون اتخاذ خطوات ملموسة في مسار استرداد الأموال المنهوبة والمهرّبة والمكهربة يزيد من الشكوك ويضاعف من الشبهات، ولم يبق إلا أن ينضمّ السارق الى تظاهرة المظلوم عملاً بالمثل الشائع: “يقتل القتيل ويمشي في جنازته”. شبعت الناس من التصريحات الملتبسة. هي تريد قرارات واضحة وأفعالاً قاطعة بعيداً عن كلّ أشكال التأويل والتضليل. وحدها هذه القرارات تعيد الثقة وتضع البلاد على سكة التصحيح. فهل اختارت الحكومة الجديدة المبادرة في الاتجاه الصحيح أم أنها ستكرّر نهج سابقاتها؟ هذا هو الأمر الأساسيّ والباقي تفاصيل.