بين الجسد والقبر أسئلة الوجود
كلّما أويت إلى الفراش ليلاً، سددت إلى الأفق عيني. أرى مسرح النور تتمشى عليه الظلال، ثياب الأمس تدخل الكواليس والغد يغمز من خلف الستارة.. أرى وجوهاً تطير بلا أجساد، أسمع أصواتاً تستحيل رصاصاً وتنغرز في أجساد من عجين، وأرى أفواهاً تتقيأ قلوباً وقلوباً تصير وروداً بأشواك. أرى كل هذا، بينما يمدّ الغد ركبته المثيرة رويداً رويداً بجواربها الشفافة اللامعة، وأنا ألهث راكضة خلف الأسماء والوجوه، ثم يركض ظلي حين أعود خائبة ككلب مطرود.. يصفعه البرد… لم أكن أعلم مرضي حتى فكّرت كيف يُقامر بالعمر فاقد البصيرة؟ ومددت يدي وعيني أشهد الأشياء جميعاً أني أراها، وأشهد الصفات والألوان والثياب… لكنها هربت جميعاً من تحت يدي، لم ألمس سوى هواء جاف تمر فيه أصداء… وكلما قلت هذا جسدي، قالوا بل هذا قبرك المعلق فيك، تجرّه خلفك مذ خسرت عمرك في الرهان، كلّما قلت هذا لون السماء، قالوا بل هذه القبّة الوطيئة، والغيوم أنفاس مسمومة، والجلد أوراق محروقة، والأصوات حولك صرخات كوتها الشمس ومسّدتها، وصوتك أنت صرخة خرجت من بئر إلى قمقم. صوتك خدعة، ومهما حففت حنجرتك، لا يخرج إلا أنين ضعيف. كلما قلت هذي الأجساد بوالين، قالوا بل أباريق تغلي فيها الأحلام. النوم الخلاب محطة تصحو فيها على قطار سيدهسك، والحب الوديع يختلس قلبك.
بينما تتأمل سيقان الغد العاهر، سيظهر عارياً ويسحبنا جميعاً نحو فراشه النتن. أيها الأعمى الذي يغتصبك الغد كل يوم، كيف قامرت بعمرك وخسرت نصفه، ثم صفقت كالأبله كمشاهد في الصف الأول، مزهواً بنظرك الثاقب؟ كيف؟
مها هسي