قالت له
قالت له: كم تعتقد أننا سنبقى معاً. فالجميع يقول بأن للحب زمنا افتراضياً يبدأ بعده بالذبول ويفقد الحرارة والبريق وأنا لا أتخيل حياتي بدونك، فهل هذا بعض مبالغة أم أن القول إن حبنا مختلف ونوع من النرجسية؟
قال لها: أنا مثلك واثق بأننا سنبقى معاً. وثقتي بأن في الحب أنواعاً لا تختصّ بنا وحدنا، بل بكل الذين تفاعلت أرواحهم أبعد من مدى قدرة الأجساد فصاروا توائم تتلازم الحياة بينها تلازم النبض وتلازم الحياة ليس شغفاً ولا فرحاً ولا ابتسامات، بل هو تلازم ممزوج بكل ألوان الحياة من الفرح والحزن والابتسامة والدموع والشغف والذبول، لأنها الحياة، هكذا ومَن يربطون الحب بالحرارة والفرح يعيشونه مرحلة من مراحل حياتهم بحثاً عن فرح آخر وحرارة أخرى ومهما كابروا في التفسير فهم يعيشون لأجسادهم وليست أجسادهم ما يعيش لهم.
قالت: هذا يعني أنك توافق على أن الذبول آتٍ.
قال: هذا يعني أنني أوافق أن الحياة حلو ومر وصعود وهبوط وقلق وشغف وفرح وحزن. وهذا لا ينطبق على مسارات حياتنا خارج علاقات الحب، بل يشملها ويصيبها كما يشمل ويصيب كل وجوه وميادين الحياة الأخرى.
قالت: ولماذا يجب تقبل أن يتسلل الفتور والبرود والذبول كما الحزن والألم إلى حياة يملؤها ويحكمها الحب؟
قال: لأن الشراكة التي يقيمها الحب تفتح النفوس على بعضها وتجعل إحداها مرآة للأخرى. وفي الشراكة زمن وهموم واهتمامات وآراء حرة وأمزجة تتغيّر فهل تنتصر هذه التعرّجات على الحب وتجعله يموت أم يقوى عليها ويتسعيد بعد شتائه العاصف ربيعاً جديداً؟
قالت: لكنني أتخيّل حياتنا ربيعاً مستمراً.
قال: الفرق بين أن نسعى وأن نتخيل كبير. فالتخيل يعني رسم سقف من التوقعات سينتج الإحباط عندما تخالفه الوقائع. فالتخيل يجب أن يكون واقعياً بينما السعي يجب أن يكون مثالياً فأن نسعى لنكون في ربيع دائم هو المطلوب لنستقوي بالسعي على مفاجآت الحياة.
قالت: عن أي نوع من المفاجآت تتحدّث فقد أخفتني.
قال: عندما تصير النفوس عارية وليس الأجساد تنكشف على بعضها، بكل ما فيها من ميول ونزعات وأمزجة وليس كل ما في النفوس خير وتضحية وتنازل ففي النفوس أنانية وتقلب ومحاولة سيطرة وعناد رأي وتملك ولا بد للحظات تحضر فيها هذه الخصال التي تؤكد أننا لسنا ملائكة فتظهر مساوئ نفس في وقت لا تكون النفس الأخرى حاضرة للاحتواء، بل ربما تكون في لحظة مشابهة. فيحدث التصادم. وهذا معنى الكلام عن السعي لأنه محاولة لملاقاة كل نتوء صادم في نفس أحدنا بالاحتواء والتقبل والتنازل، لأن لحظة معاكسة ستحل في وقت آخر تنتظر من النفس الأخرى معاملة مماثلة .
قالت: أعطني مثلاً.
قال لها: أن يصيبك عناد ويصيبني مثله أو يصيبك ملل وإحباط وأكون في حالته نفسها. هذا هو التوقع، أما السعي فهو أن أتغلب على إحباطي عندما تقعين في مثله لأكون سنداً وأنت تتجنبي العناد عندما تريني واقعاً فيه لتتمكني من التنازل.
قالت: وإن وقع التصادم.
قال: قد يقع. ولكن الحب سيقوى ويتخطاه ويستعيد بعد الشتاء العاصف ربيعاً وسينجح بجعل الشتاء قليل البرودة سريع الرحيل.
قالت: لهذا أراك شريك العمر لا محالة.
قال: لأنني حتى الآن وحدي مَن يتنازل ووحدي من يحاول.
قالت: ليس لديّ من مرض إلا الغيرة. فهل لك عليّ سواه.
قال لها: الغيرة تملك وعناد وملل وأنانية ومزاج فهي تختصر كل أسباب الصدام.
قالت: لكن من لا يهتم لك لا يغار.
قال: ومن يحب لا يغار وهذا هو الفرق بين الحب والاهتمام.
قالت: ألا تغار؟
قال لها: كاذب من لا يغار، لكن الغيرة التي تثير في العقل أسئلة وتجد عليها الجواب لا تظهر.
قالت: وما هي الأسئلة والأجوبة؟
قال: أسأل نفسي ماذا لو كانت تريد سواي فأقول دعها، فإن فعلت فهي ليس حبيبتك ولا تستحقّ عناء الحزن والألم، وإن عادت فهي كانت في لحظة مزاج خاطئ أو غرور عابر أو تبجح فارغ فلمَ تمنح الألم فرصة الدخول عليها؟ ودعها حتى تعود وعندها سيكون للحظات العتاب طعم الفرح والابتسامة بدلاً من الحزن والدموع في حال الغيرة.
قالت: هذا تعذيب للنفس.
قال لها: الحب هو تعذيب متصل للنفس، لكنه العذاب الوحيد الذي يمنحنا متعة الشعور بأننا نملك ما يستحق ومن يستحق العذاب لأجله.
فعانقته ومضيا.