اليمن… وإعادة بناء الشرعيّة
السفير د. علي أحمد الديلمي _
يدرك اليمنيّون، بمختلف فئاتهم، تخوُّف الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته من أيّ مسار جدي للسلام، وذلك لأسباب عديدة؛ أولها أنّ أيّ مسار حقيقي للسلام سوف يؤدي إلى خسارة هادي وحكومته ومن معهما في السلطة الآن، حالة التفرُّد التي يتمتعون بها، والثروة والمزايا التي يحصلون عليها. لذلك يعمد هادي إلى عرقلة أيّ اتفاق سياسي أو تسوية جديدة حول السلام في اليمن، عن طريق إرباك جميع الأطراف باتخاذ قرارات لا يختلف اثنان على أنّ هدفها إجهاض هذه المسارات، معتمداً في ذلك على «الشرعية» التي يمتلكها والمتمثلة في الدعم العسكري والسياسي من السعودية وما يُسمّى «التحالف العربي»، بالإضافة إلى دعم الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
للتوضيح، وانطلاقاً من قرارات مجلس الأمن فإنّ هذه «الشرعية» وهذا الدعم كان الرئيس قد حصل عليهما في ظروف مغايرة لتلك الموجودة اليوم، أيّ أنّ ذلك جرى حينها بتوافق محليّ وإقليميّ ودوليّ ووفقاً للانتخابات التي وصل بنتيجتها إلى سدّة الرئاسة، والتي كانت أشبه بـ»تزكية» أو «استفتاء». ورغم أنه انتُخِب لمدة عامين فقط كمرحلة انتقالية، إلا أنّ الرجل أكمل هذا الشهر عامه التاسع في السلطة ويُعزى ذلك إلى اندلاع الحرب التي خلقت إشكالية جديدة تتعلق بالشرعية ورؤية الأطراف الأخرى للحلّ في اليمن بطريقة مختلفة عن السابق. وعندما أتمّ هادي عامه السابع في السلطة بدأت تُثار الشكوك حول شرعيته بعد أن أظهر ضعفه في السيطرة على أمور البلاد تاركاً المُتكسِّبين والفاسدين يديرون شؤون الوطن، ومكتفياً بإصدار القرارات من جناحه الفندقي في الرياض.
لهذا السبب جرت العديد من المحاولات من قبل جميع الأطراف والأمم المتحدة لتجريد الرئيس من سلطاته وتعيين نائب للرئيس يتولى جميع مسؤولياته بهدف الوصول إلى حلّ نهائي للصراع الحاصل، تماماً مثل تجربة خالد بحّاح التي أجهضها هادي نفسه حين أصدر قراراً بتعيين الفريق علي محسن الأحمر ليخلط الأوراق من جديد ويُثير حفيظة أطراف كثيرة.
سبب آخر يُلاقي رغبة هادي في إطالة أمد الحرب، هو أنّ السعودية ورغم العديد من الإشكاليات التي سبّبها رئيس «الشرعية» وحكومته للمملكة وعدم ارتياحها لأدائهما، إلا أنّ الرياض لا تزال مُتمسِّكة بهادي كـ «ممثل للشرعية»، خاصة أنه هو مَن طلب من المملكة التدخل «لاستعادة الشرعية»، لذلك فإنّ بقاء هادي في السلطة يعطي السعودية الغطاء القانوني لتفعل ما تشاء تحت هذا العنوان.
ورغم ذلك، فإنّ المملكة والأطراف السياسية والمجتمع الدولي بدأوا ينظرون إلى هادي وحكومته كمشكلة وليس كحلّ، إذ أدرك الجميع أكثر من أيّ وقت مضى أنّ الحلّ في اليمن يحتاج إلى إعادة بناء «شرعية» جديدة تساهم في الحلّ الشامل، خشية دخول البلاد في فراغ دستوري إذا استقال الرئيس أو تمّ تغييبه عن المشهد لأيّ سبب كان.
لا شك في أنّ الأطراف جميعاً لديهم هذه الهواجس، ولكن لا يتمّ طرحها أو مناقشتها بصورة علنية، إلا أنّ الدستور اليمني واضح في هذا المجال، ففي حالة غياب الرئيس لأيّ سبب من الأسباب يتولى نائبه الرئاسة لمدة ستة أشهر يقوم خلالها بعملية نقل للسلطة إلى سلطة مُنتخبة. وإذا تعذّر عليه ذلك خلال الفترة المذكورة المنصوص عليها في الدستور ستكون شرعيته مفقودة وتنتقل السلطة إلى رئيس البرلمان. لكن لا تزال هناك إشكالية دستورية كبيرة حول البرلمان ورئاسته، أيّ أنّ المعضلة الدستورية موجودة وستواجه جميع الأطراف السياسية المحلية والإقليمية والمجتمع الدولي، إذا لم تبدأ من الآن عملية إعادة بناء شرعية جديدة تساهم في الحلّ النهائي للأزمة اليمنية، لأنّ البديل هو تحوُّل اليمن إلى بلد متعدّد الشرعيات، الأمر الذي سيُدخله في مرحلة طويلة من الصراع ربما تستمرّ لفترة طويلة من الزمن تكون نتائجها كارثية على الشعب اليمني بالدرجة الأولى.
أما إذا فشلت الأطراف السياسية اليمنية في التوصُّل إلى حلّ للمعضلة الدستورية ما بعد رحيل هادي، فإنّ توسُّع رقعة الصراعات الداخلية على مساحة الوطن سيكون سمة المرحلة المقبلة.
خلاصة القول، إنّ تخطي الخلافات والمصالح والحسابات الضيقة من قبل جميع الأطراف السياسية يكون بقبولهم المشاركة في تشكيل مجلس رئاسي مؤقت يساهم في الوصول إلى حلّ نهائي قبل سقوط الهيكل فوق رؤوس الجميع.
*دبلوماسي يمني.