«الوثن» رواية للكاتب مصطفى بوغازي… كشف القناع عن وثنيّة السياسة
} مجدولين الجرماني*
يرى جوزف بلوتنر أن هناك أهمية لموضوعات بعينها في الرواية السياسيّة مثل: الحروب – التي يعتبرها امتداداً للسياسة – والأعمال المحرّضة على الفتنة، وسياسات المجالس النيابية، والموضوعات المتعلقة بالانتخابات…». فكيف إذا كان كاتب الرواية معايشاً للأحداث، ذا رؤية واقعية محنّكة بالتجارب والأحداث السياسية، ومتصلاً بالأدوار التي تلعبها الشخصيات، وأن يكون معهم على خطوطهم نفسها في الحديث وغاياتهم التي يهدفون إليها، واستراتيجيتهم التي يستخدمونها… أما على مستوى الممارسة العملية، فتبدو السياسة عملية أكثر تعقيداً وشمولاً؛ لأن حياة الفرد داخل نسق اجتماعي أصبحت حياة «مسيّسة»، وما يبدو لنا بعيداً عن دائرة البناء السياسي، هو في حقيقة الأمر خاضعاً لقرار سياسيّ مثل: أسلوب توزيع الثروة الاقتصادية ونظام التعليم وحركة القوى العاملة وقوانين الإسكان…الخ، بحيث يمكن القول إن السياسة تتدخّل في كل أمور الحياة المعاصرة… وهكذا تبدو السياسة باعتبارها نسقاً اجتماعياً ذا هيمنة شاملة على كل أنساق الحياة المختلفة.
ونتيجة لذلك فإن الأدب حين يعكس رؤية تقدميّة للواقع فإنه يعدّ ممارسة سياسية بمعنى من المعاني. تشهد الروايات السياسية بكلّ صدق على تعفّن الواقع العربي وتردّيه على جميع المستويات ولا سيما المستوى السياسي نظراً لغياب حقوق الإنسان وغياب الديمقراطية وفشل التجارب السياسية المستوردة وتفشّي ظاهرة البيروقراطية والانتهازية والوصولية والتسلّق المنفعي على حساب المبادئ والقيم الكيفية، وتوالي هزائم العرب.
يبدأ كاتبنا من الإهداء بالقول: «الوثن فسحة للكلمات، العزاء الوحيد هو نزيف الكلمة .. اذاً نحن من قمنا باختراع الأوثان شكلنا تفاصيلها العديدة، تعنتها، صفّقنا لاستمرارها». يدخل الكاتب في تفاصيل البيئة الجغرافية وسماتها التي تطغى على أهلها من طيبة وجمال ونقاء، بدءاً من الجدّ «عمار» نحّات القرية يحول الحجارة إلى طواحين يدوية للحبوب أو مهاريس يستعملها نسوة القرية .
وهكذا أوجد بطل القصة صخرة خام لينحت منها تمثالاً لرئيس استهلك عقدين في الحكم ويستمر… وهنا تكمن فكرة الوثن الذي نصنعه بأيدينا وأفكارنا. وكلّ الشعوب تتماشى مع هذه الوثنية من خلال ثقافته الاجتماعية، حين يقول الكاتب «صورة الرئيس تؤشّر لوثنية جديدة تنافس قطعان البقر في بومباي».
ثم يصوّر لنا الكاتب الشخصيات المستغلة والمتسلّقة واحدة تلو الأخرى، بحيث يخبرنا كيف يستغني الفرد عن مبدإه مقابل الحاكم وحاجته المادية، ويصوّر لنا الإرهابيين وتصوير أفعالهم المضادة للإنسانية جمعاء من ذبح وقتل واغتصاب، وكيف يصبح القاتل يرفل في عزّ غنائمه، وبعدها يتصالح الخصوم بالودّ على أشلاء الضحايا ونزيف الحقيقة المطعون فيها لم يتوقف.
يؤكّد الكاتب على فكرة الوثنية المتجذّرة فينا، بحيث نحن بيدنا نصنع الوثن ونصلّي له ونعبده وبعدها يأتي بالمناقشات حول موت الرئيس السريري وإنكار ذلك من السلطة الفاسدة حوله ليستمروا بنهب البلاد وأهلها، ثم يتداول من هو الوثن الجديد الذي يريدون تنصيبه بحيث تصفى جماعات وتقدم كأضحية حيث يقول: «الاقتصاص من الأسماك الصغيرة إما حيتان القرش المتوحش تظل تنهش بشراسة ونهم ولا يقتص منها أحد وتدوس على أعناق البلاد بلا رحمة أو رادع».
ولا يتغافل عن تبيان دور الشابكة التي هي أدوات لإلهاء وامتصاص الضغط، مثلها مثل أئمة المساجد وحتى يخبرنا عن التزوير باللغة والتاريخ، الانتخابات المزوّرة، حيث إن زمرة الفاسدين الذين هم أصحاب مهمات قذرة وتتملّكهم روح العبيد، ينفذون أجندات تنتقم من التاريخ وقيم الإنسان في هذه البقعة من الأرض .
ولم ينسَ الكاتب أن يشير إلى رمزيّة المقاومة وإعلان الحياة لدى هذه الشعوب المضطهدة وذلك بذكره للجدار الذي لون من جديد.
وتطرّق إلى موضوع الجرائم الالكترونية، فالكاتب هو ابن هذا العصر الذي يحيا بمعمعته واضطراباته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ونقل ذلك لنا بكل وضوح وشفافية .وهكذا نكتشف من الرواية والهدف الذي تدور حوله بأن الكاتب قدّم لنا بكلّ مصداقية الحياة كيف يحاولون إبادة الذاكرة الجماعية ويفرضون تاريخاً سياسياً يكتبونه بالخراب والدماء واستغلال الشعوب وفطريّتها وحاجاتها الاقتصادية.. وكلّ هذا يؤدي بنا لترسيخ العلاقة بين الوثن والسلطة في البلاد العربية وتحديداً الجزائر.
*كاتبة سورية.