جاء منقذاً فتبعناه
معن حميّة _
في الأول من آذار 1904، وُلد أنطون سعاده في بلدة الشوير، ولم يمضِ عقد ونصف العقد من الزمن حتى ذاع صيت فتى آذار لشجاعته ومواقفه، حين انبرى لإنزال العلم العثماني عن سارية مدرسته وتمزيقه. وقبل أن يُكمل ثلاثة عقود من عمره أسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي، حزباً نهضوياً مقاوماً، وجْهَتُه الصراع. والمؤسس هو القائل: «لو لم نكن حركة صراع لما كنا حركة على الإطلاق.. الحياة لا تكون بلا صراع».
بين ولادة أنطون سعاده في الأول من آذار 1904، وتأسيسه الحزب السوري القومي الاجتماعي في السادس عشر من تشرين الثاني 1932، عيّن سعاده قضية حزبه وأمته، وضع المبادئ، نشر الفكر، استشرف الأخطار المحدقة بشعبه، حدّد وجهة الصراع، ووقف وقفات العزّ بشموخ وإباء غير عابئ بالمخاطر لأنه كان معنياً بدفع الويل عن أمته ، ولو بالإستشهاد.
«ما الذي جلب على شعبي كلّ هذا الويل”؟ هو السؤال المفتاحي الذي سأله سعاده، وأجاب عليه بتأسيس الحزب، أداةً لنهضة المجتمع ووحدته، ودفاعاً عن كرامة أمته وحريتها وسيادتها، وصوناً للحق القومي.
إنّ الحزب الذي أسّسه سعاده على مبادئ الصراع وقواعده، وعلى أساس الفكر ومرتكزاته، أثبت خلال مسيرته النضالية، أنه حزب الحق والحرية والصراع، نهجاً وفكراً وثقافة وفعلاً مقاوماً. قدّم الشهداء والدماء في سبيل انتصار نهضته وقضيته، على خطى سعاده الذي افتدى بدمه حزبه وأمته.
أنطون سعاده لم يؤسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي وحسب، بل وضع أسساً راسخة لاستمراره وحيويته وفاعليته وفرادته، بدءاً من تعيين الحق القومي وقسَم الانتماء إلى الحزب، وهو انتماء إلى قضية تساوي وجود كل قوميّ اجتماعيّ، إلى المبادئ إلى الأخلاق إلى النظام إلى المؤسسات، وكلها تشكل جوهر العقيدة المُحْيية التي آمن بها السوريون القوميون الاجتماعيون.
بهذا الإيمان افتتح حزبنا عهد البطولة المؤمنة المؤيدة بصحة العقيدة، واستمرّ ناهضاً بمسؤولياته، مدافعاً عن حق الأمة وحقيقتها، اختطّ الصراع نهجاً، بدءاً من معارك فلسطين ضدّ الاحتلال اليهودي عام 1936 إلى مواجهة الطائفية والمذهبية وكلّ الآفات الإجتماعية، إلى إطلاقه المقاومة في لبنان ضدّ الاحتلال اليهودي وعملائه، إلى اليوم، حيث نسوره على أرض الشام، نسور الزوبعة مع الجيش السوري في خندق واحد قتالاً وبطولة ضدّ الإرهاب والتطرّف ورعاتهما الدوليين والإقليميين والعرب.
بإيمان القوميين الاجتماعيين الذي لا يتزعزع، بتشبّثهم بمبادئ حزبهم ونهجه الصراعي، استطاع الحزب أن يواجه كلّ الصعاب والتحديات، ثابتاً على مواقفه وخياراته، محافظاً على فرادته، حزباً نهضوياً لإنقاذ المجتمع من كلّ الآفات والأمراض الفتاكة.
بالتزام القوميين الاجتماعيين قواعدَ النظام والعمل المؤسسي، قدّم حزبنا نموذجاً واقعياً لوحدة الروح والنهج، وبأنّ تعميم هذا النموذج في كلّ المجتمع يكفل توحيده ويحميه من الانقسامات الطائفية والمذهبية والإتنية، ويجعله مجتمعاً محصّناً قوياً يمتلك كلّ عناصر القوة في مواجهة الاحتلال والعدوان والإرهاب والاستعمار وكلّ الإرادات الخارجية التي تتربّص شراً بشعبنا وبلادنا.
بتضحيات القوميين وبَذْلهم الدماء الزكيّة في سبيل انتصار قضيتهم، جذّر حزبنا نهج المقاومة ورسّخه قاعدة ومرتكزاً لمواجهة عدونا اليهودي الوجودي وقوى الاستعمار. ولولا نهج المقاومة وتضحيات المقاومين، لما كانت بلادنا اليوم، تعيش زمن الانتصارات والإنجازات في مواجهة العنصرية والإرهاب والدول التي ترعى الإرهاب والعنصرية.
بصبر القوميين الاجتماعيين وتحمّلهم مشاق التنكيل والاعتقال والتعذيب، وكلّ محاولات التهميش حيناً والاستهداف أحياناً، انتصر حزبنا لقضيته العادلة وبها، وكشف فداحة خطر النظام الطائفي على المجتمع، وخطر استتباعه للإرادات الخارجية.
بثبات القوميين الاجتماعيين على عقيدتهم ومبادئهم ونهجهم، بقي الحزب على خطى مؤسّسه، أميناً لنضاله وتعبه وسهره، لوعيه وفكره ورؤيته، لمواقفه ونهجه ودمه. وهذا الثبات، هو فعل إرادة مصمّمة على بلوغ الانتصار وتحقيق غاية حزبنا العظيم.
السوريون القوميون الاجتماعيون كافحوا وقاتلوا وقاوموا واستشهدوا من أجل انتصار مبادئ حزبهم وغايته، ولتبقى رايته خفاقة لأنه صمام أمان وخلاص لمجتمعهم وأمتهم.
في عيد مولد باعث النهضة أنطون سعاده، نحن معنيّون بأن نصون المسيرة والنهج، بالفكر والعقيدة، بالنظام والمؤسسات، بالفعل والثبات، وبمضاء العزيمة لبلوغ الانتصار.
أنطون سعاده أسّس الحزب، إطاراً جامعاً للـ”نحن” الجماعة المؤمنة الواعية، وللإنسان الجديد المتحرّر من كل لوثة طائفية أو مذهبية أو عشائرية أو إتنية.
أنطون سعاده، أسّس حزباً رائداً قوياً، بالحق والحرية وبالمؤسسات التي اعتبرها من أعظم إنجازاته، لذا نحن معنيون بأن نحمي هذا الإنجاز العظيم، وبأن نصون الحق. فالحق لا يكون حقاً إلا بمقدار ما تدعمه القوة، والمطلوب أن نُحَصّن قوّتنا وأن نتصدّى لكلّ عوامل الوهن والاهتراء والأنانية.
أنطون سعاده بالنسبة لنا منارة الحق، وبوصلة الحقيقة. أتى منقذاً فتبعناه ، ومَنْ يتّبع بوصلة المنارة لا يضلّ أبداً.
*عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الإجتماعي