تركيا عاصمة الخلافة الماسونية
} د. قاسم حدرج*
تحوّلت تركيا منذ ثلاثة عقود الى عاهرة أوروبا وفعلت كلّ شيء في سبيل أن يرضى عنها قوّادها فيمنحها الجنسية الأوروبية، وهو الأمر الذي لم يعجب منظمة بيلدربرغ التي تريد لتركيا الإسلامية ان تلعب دور الوسيط بين «إسرائيل» والعالم الإسلامي، بعد أن فشلت أدوات أميركا العربية في تحقيق هذا الهدف، وذلك تمهيداً لإعلان قيام الحكومة الموحدة للعالم بقيادة الولايات المتحدة الأميركية التي يتحكم بها المجمع الماسوني وجله من الصهاينة أمثال روتشيلد روكفلر ومورغن… وبناء على هذه الرؤية وبعد اجتماع المنظمة السري في العام 1999 والذي حضره حاكم مصرف تركيا المركزي سليمان غازي ووزير الخارجية ايمري غوننزاي، أعلن مسعود يلمز استقالة حكومته بشكل مفاجئ ليبدأ بعدها بثلاث سنوات عهد حزب العدالة والتنمية الإسلامي، وإلى يومنا هذا والهدف من وراء إعادة الإسلاميين الى السلطة بعد أن كان تمّ حظر أحزابهم والتشديد على مدارسهم الدينية وكلّ النشاطات التي تتعارض مع علمانية تركيا ذات الوجه الأوروبي هو إعطاء تركيا الصبغة الإسلامية في واقع أوروبا المسيحية بحيث ترفض انضمام 50 مليون مسلم إلى مجتمعاتها وبحيث انّ أيّ استفتاء سيحصل في العمق الأوروبي لانضمام تركيا الى الاتحاد سيقابَل بالرفض استناداً الى الخلفية الدينية، وهذا ما سيدفع تركيا وحكومتها الإسلامية الى العودة للتركيز على مصالحها وطموحها في منطقة الشرق الأوسط كشريك لـ «إسرائيل» في قيادة المنطقة وتحديد سياساتها والتي ستصبّ في مصلحة الرؤية الماسونية الهادفة الى قيام الحكومة الموحدة للعالم ولأجل هذا الهدف فقد عقدت منظمة بيلدربرغ اجتماعها السري في العام 2007 في اسطنبول لأنّ تركيا ستكون قطب الرحى في «إدارة» مشروع «الربيع العربي» الذي سيؤدّي الى بسط سلطة الاخوان المسلمين على عروش المنطقة بأكملها تمهيداً لعقد شراكة مع الدولة اليهودية.
وقد تمّ في هذا الاجتماع تنصيب أردوغان سلطاناً للأخوان المسلمين بحيث يستعيض عن ضياع حلم الانضمام للاتحاد الأوروبي بحلم أكبر وهو إعادة إحياء الخلافة العثمانية، ونلاحظ انّ التحضير لهذا الأمر بدأ بإنتاج العديد من المسلسلات التركية والأفلام التي تحاكي هذه الحقبة مثل حريم السلطان وقيامة ارطغرل وقيامة عثمان وفيلم محمد الفاتح ووادي الذئاب…
وجميعها ينطلق من خلفية دينية إسلامية وبأنّ تركيا هي الوريث الشرعي لهذه الخلافة، وبالفعل بدأ أردوغان بتنفيذ المخطط الماسوني وكلنا يعلم بأنه قام بتحضير المخيمات في العام 2010 أيّ قبل انطلاق «الربيع العربي» وأتقن تمثيل دوره في مسرحية مرمرة ليضفي على نفسه هالة الزعيم الإسلامي المتصدّي لهموم المسلمين، وبالتالي خلق أرضية صلبة لمخططه الجهنّمي وبدأ التنفيذ في العام 2011 انطلاقاً من تونس مروراً بمصر وليبيا في مسرحيات رعتها المخابرات الأميركية وتمّ تنصيب الاخوان المسلمين على رأس حكومات هذه الدول وكان قبلها قد نجح في وضع حركة حماس في قبضته ولكن العين كانت على دمشق درة التاج في هذا المشروع والتي سخر لها أردوغان كلّ إمكانياته الاستخباراتية واللوجستية والدينية والتجييش الإعلامي.
وتولّت قطر مهمة التمويل وكان المتوقع ان يسقط النظام السوري خلال أشهر على أبعد تقدير، وهو ما لم يحصل ودخلت إيران وروسيا على خط المواجهة وكذلك السعودية مما أدّى الى تعقيد المشهد وبدأت الارتدادات السلبية على الداخل التركي الذي خرج عن النص وبدأت عملية تدفق اللاجئين باتجاه أوروبا وفلتت بعض الجماعات الإرهابية من قبضة أردوغان مما نتج عنه قرار إزاحة أردوغان من خلال محاولة الانقلاب التي أفشلها الروسي واستطاع بعدها استيعاب جنون أردوغان الذي تقمّص حقيقة دور السلطان العثماني وجمح في تحقيق هذا الحلم، فاضطرت اميركا ساعتئذ الى محاولة تأديبه وترويضه عبر ورقة دعم الانفصاليين الأكراد وبعد أن نجح الروسي ودبلوماسيته الجليدية في استغلال التخبّط التركي وبحثه عن طوق النجاة من مقصلة الغرب نجح في تقليص الحلم الأردوغاني الى مستوى اعتباره شريكاً في رسم خارطة النفوذ الجديدة ملقياً على عاتقه أصعب مهمة وهي كبح جماح عشرات آلاف الإرهابيين الذين اعتبرهم ورقة قوة بيده سيلقيها على الطاولة لحصد الأثمان السياسية وخروجه من هذه الحرب الطاحنة كمنتصر من خلال اعتباره شريكاً رئيسياً في الحرب على الإرهاب وفي الداخل البطل القومي الذي استطاع القضاء على الخطر الكردي وعدم الرضوخ للإرادة الأميركية وتحقيق مكاسب اقتصادية عبر اتفاقية السيل لنقل الغاز الروسي وقرصنة الغاز في المتوسط من خلال اتفاقية رسم الحدود البحرية مع ليبيا مستغلاً حالة الانقسام والاقتتال الليبي ولكن ما أفشل مخططات أردوغان وهدّد تحقيقها هو موقف القيادة السورية وسعيها الى تحرير كلّ شبر من الأراضي السورية رغماً عن أنف أردوغان والتي وصف الرئيس السوري
تهديداته بالفقاعات الصوتية مما ضاعف من حالة جنونه فقام زجّ بالجيش التركي في هذا الأتون وهو ما لن يحتمله طويلاً وسيعرّضه للقصاص الداخلي بمباركة غربية لوقف تهديداته بتدفق اللاجئين وشرقية وبعد أن أصبح يشكل خطراً على العروش العربية واختزال أدوارها في معادلة النفوذ في المنطقة خاصة كعراب لـ «صفقة القرن» والتي من ينجح بتمريرها سينال حصة الأسد من الدعم الأميركي.
من هنا يمكننا القول بأنّ الحلّ الوحيد لأزمة أردوغان التي إن لم تنتهِ باغتياله على يد جيشه ذي النزعة العلمانية على حساب الجيش المحمدي كما يطلق عليه أردوغان فإنّ عليه أن يقوم باستدارة كلية تتمثل في مشاركته بقتال الجماعات الإرهابية.
وعمل فكي كماشة عليهم في إدلب ليسدل الستار على المسرحية الإرهابية على مشهد يبدو سوريالياً ولكنه ليس مستحيلاً وقد كان العمل جارياً عليه من خلال اللقاء الذي عقده اللواء علي مملوك وفيدال حاقان والذي لم يكتب له النجاح، ولكن المتغيّرات على الميدان قد تعيد إحياءه لأنّ أردوغان رجل بلا مبادئ وقد أيقن بأنّ حلمه قد تحوّل إلى كابوس ولم يتبقّ له أمل سوى بتحقيق حلم الصلاة في المسجد الأموي، ولكن في الصفوف الخلفية بإمامة
الرئيس القائد المنتصر الدكتور بشار حافظ الأسد.
*مستشار في القانون الدولي