تشييع حزبي وشعبي حاشد للمناضل القومي المربّي جرجي بركات في أميون نادر: هو إبن أميون التي أحبّت الحزب القومي ووجدته معبّراً عن أخلاقها وثقافتها وكان متميّزاً بأخلاقه العالية ومحبته للجميع ومصلحاً بين الناس
شيّع الحزب السوري القومي الاجتماعي وأهالي أميون والكورة الخميس الماضي المناضل القومي المربّي جرجي بركات بمأتم حزبي وشعبيّ مهيب، شارك فيه عضو الكتلة القومية النائب د. سليم سعادة، منفذ عام الكورة الدكتور جورج البرجي وأعضاء هيئة المنفذية ومسؤولو عدد من الوحدات الحزبية، إضافة إلى رئيس بلدية أميون المهندس مالك فارس وعدد من رؤساء بلديات الكورة والجوار، ومخاتير ومدراء مدارس رسميّة وخاصّة وفاعليات تربوية واجتماعية ورؤساء نوادٍ وجمعيات مدنية وحشد كبير من القوميين والأصدقاء الذين توافدوا من مختلف بلدات الكورة والجوار ومن مناطق أخرى لوداع الرفيق جرجي الذي تميّز بمناقب عالية وبمسيرة حياة مشرّفة على المستوى العملي والتربوي والحزبي، قضاها حتى الرّمق الأخير مناضلاً مجاهدًا بلا كلل.
استقبل الجثمان على الطريق العام وانطلق إلى كاتدرائية مار جاورجيوس في أميون محمولاً على الأكفّ وملفوفًاً بعلم الحزب يتقدّمه حمَلة الأعلام والأكاليل. وترأس الجناز متروبوليت طرابلس والكورة المطران افرام كرياكوس.
كلمة منفذية الكورة والعائلة
بعد الصلاة ألقى الأمين كمال نادر كلمة منفذية الكورة والعائلة، وجاء فيها:
«شكراً لحضوركم هذا المأتم الكبير الذي يليق بجرجي فقيدنا وفقيدكم، وفي البداية أتلو على مسامعكم برقية وردت من سفير دولة روسيا الاتحادية ألكسندر زاسيبكين إلى أهالي أميون والى العائلة والى الحزب السوري القومي الاجتماعي والى الجمعية الإمبراطورية اللبنانية الروسية الارثوذكسية، الجمعية المسكوفية التي أسّست المدرسة قبل مئة عام وأكثر.
يقول سعادة السفير ألكسندر زاسيبكين في برقيته: «باسمي أقدّم تعزيتي الشخصية وبالنيابة عن الشعب الروسي، نقدّم تعازينا القلبية بوفاة صديقنا العزيز السيد جرجي جبران بركات الذي ساهم كثيراً في تطوير العلاقات الأخوية بين شعبينا في لبنان وروسيا من خلال نشاطه المثمر وخاصة تأسيس الجمعية الإمبراطورية اللبنانية الثقافية الروسية. إزاء هذا المصاب الجلل نعرب عن تضامننا العميق مع عائلة المرحوم جرجي بركات ومع سكان أميون ومع الحزب السوري القومي الاجتماعي ونعزيكم جميعاً باسم دولة روسيا والشعب الروسي».
وقال نادر: «يصعب عليّ أن أقف في مأتم أخي وحبيبي وصديقي وإبن عمي ورفيقي جرجي بركات. حزنكم مثل حزننا وربما عند البعض أكثر، لأنكم تعرفونه كم هو طيّب ومحبّ، وكم أنّ غيابه المفاجئ سيترك فراغاً اجتماعياً وثقافياً وعائلياً وأخلاقياً ونضالياً في الكورة وفي كلّ المناطق».
أضاف: جرجي بركات فجأة اقفل كتاب عمره ورحل وترجّل الفارس عن حصانه. أسدل الستارة على أفراحه وأحزانه ورحل دون إنذار. نشأ في بيت موسوم بالكرم والطيبة والعلم والأخلاق، من والده جبران بركات ووالدته نجلا شاهين الحاوي، تربّى هو وعائلته الاخوة والاخوات على الشرف والصدق والأخلاق ومحبة الوطن والأمانة الاجتماعية والتضحية وعلى العمل بالجهد والتعب لكسب المال الحلال والرغيف الطيب الذي يخرج من البيت ومن الأرض من القمح ومن شجرة الزيتون ومن الحفافي التي تتحوّل الى أراضٍ خصبة على أيديهم».
وتابع: «تعلم وباكراً التحق بالتعليم الرسمي عندما قرّرت الجمهورية اللبنانية أن تعمّم المدارس في كلّ لبنان، جيل بكامله من أبناء الكورة حملوا أمتعتهم وذهبوا إلى كلّ القرى البعيدة في الجنوب في البقاع الغربي والجنوبي وفي البقاع الشمالي وفي عكار، ما ذهبتُ يوماً في رحلاتي الحزبية الى قرية في الجنوب أو في جبل الشيخ أو في البقاع الشمالي وفي جبال عرسال والقاع ورأس بعلبك إلا واخبروني عن أستاذ من الكورة كان عندهم وكان مثالاً للطيبة والأخلاق وترك ذكراً طيباً وأثراً عظيماً في نفوسهم وعلّم أبناءهم وصاروا أطباء ومهندسين وسافروا ونجحوا في كلّ مكان.
هذه هي الكورة الحبيبة، كورة العلم والثقافة، ما استزلم الناس لإقطاع وما ذهبوا الى فئة حزبية طائفية ولا ذبحوا الناس على الهوية ولا قطعوا طرقات في وجه المواطنين، بل كانوا صلة وصل من أجل الخير ولذلك أصبحت الكورة مركزاً لخمس وأربعين مدرسة وسبع جامعات، هذا فخر لكم جميعاً، وعندما شُكلت الحكومة وبدون موقف سياسي تفتخر الكورة أنها أعطت أربعة وزراء كلهم يحملون شهادات عالية وأنتم تعرفونهم بمواقفهم الوطنية وعلمهم وأخلاقهم. وهذه شهادة للكورة ولهم، ونأمل ان ينجحوا في حلّ مشاكل هذا الوطن المعذب».
وأضاف: «بعد أن علّم بعيداً عاد إلى هنا وأصبح مديراً للمدرسة وكان قد التحق بالجامعة في بيروت وتخرّج بدرجة ليسانس في التاريخ، وكان أستاذاً مخلصاً يحبه تلاميذه، ويحبه الأساتذة زملاؤه، أصبح مديراً للمدرسة وناظراً في مدرسة الإصلاح ثم أصبح رئيساً لبلدية أميون ورئيساً لمجلس إنماء الكورة، وفي كلّ هذه الوظائف والمهمات دافع بقوة وصلابة عن مصالح البلدة وعن الكورة وعن مصالح الناس وما دخل في صفقات مشبوهة او سمسرة او ما شابه، كانت هناك خطط لمشاريع لأشخاص متموّلين ومدعومين جاؤوا يريدون أن ينشئوا أشياء في الكورة فوقف بوجههم بصلابة ورغم الضغوط التي كانت من أكثر من جهة دافع عن مصالح البلدة ورفض أن يوقع ايّ توقيع يمكن أن يؤذي في الحاضر أو في المستقبل هذه الأجيال».
وقال نادر: «امتاز جرجي بالكرم، لم يأتِ أحد إلى بيته أو بيت أهله طالباً معونة إلا وفتحوا له الباب أطعموه خبزاً ودعموه، كان متميّزاً بأخلاقه العالية ومحبته للجميع ومصلحاً بين الناس، لم ينشئ عداوات، ضحى كثيراً، انتمى للحزب سنة 1971 وهو من بلدة وعائلة أحبّت الحزب القومي ووجدت فيه تعبيراً عن أخلاقها وعن ثقافتها، وعندما اضطر الحزب أن يحمل السلاح في مراحل معينة حمل السلاح ليدافع، انكفأ إنْ خسر، وعاد فانتصر وها هو معكم وأنتم تعرفونه خير معرفة ولا داعي أن أحكي عنه، كان شجاعاً وأشهد أني في مواقف معينة اقتحم الخطر وكان الخطر بنسبة 95 في المئة أنه سيموت، لم يرتجف لم يتراجع لم يتردّد. دائماً كان في الطليعة، وتميّز في شبابه أنه محبٌ للفرح وأنّ حضوره يطلق الفرح في من حوله، عاش حياته في تلك المرحلة قبل ان تبدأ الحرب وتبدأ الهموم متنقلاً بين الأماكن الجميلة في هذا الوطن الجميل الذي سمّي لؤلؤة الشرق، من مهرجانات بعلبك الى بيت الدين الى البيكاديللي الى صيدا الى صور الى البقاع الى البردوني الى مهرجانات دمشق الدولية، حيث فيروز تصدح هذه الأيقونة التي رفعت اسم لبنان في كلّ العالم، عاش حياته. كانت جميلة جداً قبل أن تأتي عليه الهموم والمصائب، توفيت زوجته بعد صراع مع المرض فكان ذلك مظهراً صعباً وأليماً له، ثم جاءته ضربة في إبنه فؤاد المتخرّج حديثاً من كلية الهندسة المعمارية في البلمند وبعد أقلّ من شهر على تخرّجه المتفوّق مات في حادث أليم فكانت تلك ضربة سيف انهمر عليه فشطره نصفين وعاش حزناً طويلاً فكان ليله صعباً مثل ذلك الليل الذي وصفه امرؤ القيس بأنه كموج البحر أرخى سدوله عليه بأنواع الهموم ليبتلي ثم انجلى عن صبح أثقل منه فكانت الضربة القلبية التي قضت على جرجي صباح الخميس وانتهى المشوار.
وختم نادر بأبيات من قصيدة تراب للشاعر إيليا أبو شديد.
يذكر أنّ الرفيق الراحل كان تحمّل مسؤوليات حزبية متنوّعة، آخرها مسؤولية مدير مديريّة أميون. كما كان له حضور مميّز على الصّعيدين التربوي والاجتماعي، فشغل سابقًا منصب رئيس بلدية أميون، ومديراً لثانوية أميون الرسمية، وهو الرئيس المؤسّس للجمعية الامبراطورية الثقافية اللبنانية الأرثوذكسية، ورئيساً لمجلس إنماء الكورة.
وقد قدّم رئيس الحزب فارس سعد وعدد من المسوؤلين المركزيين التعازي بالراحل في أميون.
إلى ذلك، نشرت عمدة التربية والشباب في الحزب السوري القومي الاجتماعي نبذة عن الرفيق الراحل تضمّنت إشارة إلى دوره في مجال التربية والتعليم وإشادة بمزاياه، مؤكدة أنّ رحيله خسارة كبيرة للحزب والأمة.