السيطرة على سراقب تغلق أبواب الحل السياسيّ وترجّح الكفة العسكرية حسون لـ«البناء»: حلفاء سورية ليسوا بوارد انتصار أردوغان والمواجهة المفتوحة ستحوّل الهزيمة السياسيّة لهزيمة عسكريّة
} سعد الله الخليل
سيطرة الجيش السوري على مدينة سراقب بعد أيام من دخول المجموعات الإرهابية المسلحة التي تدعمها تركيا إلى المدينة، بدعم من الطائرات المسيّرة والسيارات المفخخة، أولى ثمرات الإغلاق السوري للمجال الجوي شمال سورية ما سمح بإسقاط الطائرات المسيرة التركية في ريفي إدلب وحماة ومهدت الطريق لمتابعة العمليات، فاستهدف سلاح المدفعية تجمعات المسلحين والجيش التركي قرب بلدة قميناس ما استدعى دخول مروحيات تركية لإجلاء الجرحى، فيما شنّ سلاح الجو سلسلة استهدافات ضد مواقع المسلحين في سفوهن وكفرعويد ودير سنبل تمهيداً لهجوم بري.
ويرى العميد المتقاعد هيثم حسون أن أهمية استعادة سراقب كملتقى للطرق الدوليةM4 و M5 والمدخل الشرقي لمركز محافظة إدلب، والمدخل باتجاه الغرب للوصول لمدينة أريحا المركز الثاني على M4 ولذلك سعت الدولة للسيطرة عليها.
ويضيف حسون في حديثه لـ«البناء» بأن «استعادة المدينة تتجاوز الأهمية العسكرية الاستراتيجية، فالتحرير الثاني يعد انهزاماً للاحتلال التركي الذي ساند المجموعات الإرهابية عبر الإسناد الناري والدعم القتالي والاشتراك المباشر بالهجوم على مواقع الجيش السوري داخل المدينة، وتقديم كل ما تتطلبه الجهود العسكرية للإرهابيين للسيطرة على المدينة».
ومع التقدّم العسكري ما يزال الجيش السوري يمنع الطائرات المسيّرة المتطورة من محاولة ضرب مواقعه لمساندة المسلحين والجنود الأتراك على الأرض، فإغلاق الأجواء السورية وإسقاط الجيش السوري لعدد من الطائرات التركية كان له الأثر الإيجابي الكبير على مجمل العملية العسكرية في المنطقة بحسب حسون، ويضيف «القرار أثر في قدرة أنقرة على دعم المجموعات الإرهابية والقوات التركية، لأن وسائط الدفاع الجوي قادرة على إسقاطها وبالتالي ستوقف مفعولها وتكون قدرتها بدعم الإرهابيين في موضع شك، ويحدّ من نشاط القوات البرية على الأرض التي تعتمد على التغطية الجوية والتي ستنخفض».
ويرى حسون أنه لم يتبقّ لأردوغان خيارات كثيرة في الحرب على سورية، فوكلاؤه على الأرض الجماعات المسلحة التي تقاتل لم تعد قادرة على التصدي للجيش السوري وتحقيق الأهداف، ووصلت إلى مرحلة الانهيار شبه الكامل. فالجيش السوري يسيطر على عشرات القرى في اليوم الواحد، وكذلك السيطرة على محافظة إدلب سياسياً لم تعد ممكنة بعد التطورات الميدانية، ورفض الدولة السورية وحلفائها أي وقف للعمليات العسكرية قبل تحرير إدلب، وإمكانية ذهاب أردوغان للمواجهة المفتوحة إمكانية لا تزال موجودة والحشد التركي الكبير في الساحة السورية يؤشر لإمكانية لخيارات المواجهة، والتي ستكون كارثية على أنقرة وتحوّل الهزيمة السياسية التركية لهزيمة عسكرية أيضاً ما يعني هزيمة مجملة لتركيا كدولة وكيان.
رجحان الكفة العسكرية
بالرغم من أن تركيا تعتبر حليفاً اقتصادياً رئيسياً لروسيا إلا أن التحالفات العسكرية على الأرض السورية تختلف، حيث أعلنت المساندة التامة للجيش السوري بمواجهة تركيا، وهو ما مرده بحسب حسون للتحالف العسكري السياسي الاستراتيجي بين الدولة السورية وروسيا، والأكثر أهمية بالنسبة لروسيا من تركيا، لكون سورية البوابة الروسية لاستعادة دورها كقطب عالمي والانتهاء من النظام العالمي السائد بتحكم واشنطن به. وأضاف «بطبيعة الحال تدرك موسكو أن هزيمة الجيش السوري في إدلب هزيمة لطهران وموسكو، وهذا ما لن يحصل لكون الحليفين ليسا بوارد أن ينتصر أردوغان ليتحوّل لغول يزيد من تهديده دول الجوار، إضافة لأهمية القضاء على الإرهاب كغاية نهائية للروسي والسوري والإيراني».
ويستبعد حسون أن تنتهي مفاوضات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع أردوغان في الخامس من الشهر الحالي بالوصول إلى تفاهمات، لاختلاف أجندات الطرفين فتركيا تريد استعادة نفوذها على منطقة واسعة دفع الجيش السوري وحلفاؤه دماء غالية لاستعادتها، إضافة إلى أن عودة المجموعات الإرهابية لمناطق سيطرتها انكسار للدور الروسي لن يسمح بوتين بتمريره، وأضاف «الجانب التركي يريد من روسيا الانكفاء ووقف دعم دمشق. وهذا لن يحصل، إضافة للخلاف حول تحديد العلاقة بين البلدين. فالروسي حاول احتواء أنقرة لعدم الذهاب إلى صدام، إلا أن سلوك أردوغان ذهب إلى أقصى درجات الاستفزاز للروسي، وموسكو ليست بوارد تقديم مكافآت لأردوغان الذي هاجم روسيا بأكثر من نقطة أبعد من الملف السوري، بزيارته أوكرانيا واتهام موسكو باحتلال شبه جزيرة القرم.
الموقف السوري ثابت
سياسياً، ذكّرت الخارجية السورية العالم بممارسات العدوان التركي على سيادة وحرمة الأراضي السورية، ودعم أردوغان اللامحدود للمجموعات الإرهابية التي استباحت دماء السوريين وخلفت الخراب والدمار تنفيذاً لأجندته الإخوانية، والأطماع التوسعية والأوهام التي تداعب أردوغان في إعادة إحياء الإمبراطورية البائدة، وهروباً إلى الأمام من الأزمات الداخلية الناتجة عن سياسات أردوغان الخاطئة الداخلية والخارجية وانتهاكه مخرجات عملية أستانا وتفاهمات سوتشي، وإصراره على البقاء في خندق واحد مع المجموعات الإرهابية ما يثبت ما دأبت سورية على تأكيده بأن نظام أردوغان غير جدير ولا مؤهل ليكون أحد ضامني عملية أستانا.
وأكدت الخارجية السورية إصرار سورية وعزمها وتصميمها على التصدي للعدوان التركي بكل الحزم ووضع حد لكافة التدخلات التركية حفاظاً على سلامة ووحدة الأراضي السورية، ومعتبرة أن مصير هذا العدوان الفشل المحتم وخاصة لجهة إعادة إحياء وإنقاذ المجموعات الإرهابية المتهالكة.
ورقة المهجرين
حذّر أردوغان دول القارة الأوروبيّة من تدفق ملايين اللاجئين والمهاجرين نحو أراضيها. وفي كلمة له وضع أردوغان الدول الأوروبية أمام خيارين إما توفير عيشة كريمة على أراضيهم بمعنى دعم العملية التركية، أو أن تحمّل نصيبهم من أعبائهم وبالتالي ابتزاز أوروبا. وفي هذا السياق يرى حسون أن ورقة المهجرين ليست بجديدة في خطاب أردوغان فمنذ بداية الحرب على سورية هي ورقة للسرقة والتسوّل الاقتصادي عبر دفع المليارات لتركيا، وجزء كبير منها ذهب لعائلة أردوغان وأركان نظامه، وأضاف «حاول ابتزاز أوروبا عبر فتح باب الهجرة إلى أوروبا أو الإرهابيين الأجانب الذين ستفتح الأبواب لهم عبر تركيا للعودة إلى بلدانهم وهو الأكثر إثارة للرعب في أوروبا، وقد تؤثر على علاقة تلك الدول بتركيا في ظل العجز الأوروبي على تقديم مساعدة عسكرية لتركيا لتغير الواقع على الأرض، كما أن أوروبا ليست بوارد الدخول بمواجهة أحد أطرافها روسيا».
وبما يتعلق بتأثير الداخل التركي على قرارات أردوغان يرى حسون أن صوت الداخل لن يكون مسموعاً ما لم يزدد حجم الخسائر البشرية في صفوف الجيش التركي، ولكن بالمجمل لا الموالاة ولا المعارضة في تركيا قادران على التصرف بما يخالف توجه أردوغان، فبالمبدأ قسم لا بأس به من الأتراك ليسوا ضد العدوان على سورية، وفي حقيقة الأمر يعارضون الخسائر البشرية، وقد يحاسبون أردوغان لفشله بتحقيق وعوده أن تكون سورية ساحة نفوذ تركي، ومورداً للمسروقات المفيدة للشعب والقيادة التركية فالخلاف على نتائج العدوان على سورية وليس على المبدأ.