«كورونا» الخطير يأتي ويذهب… وتبقى ضرورات الإنقاذ الاقتصاديّ والاجتماعيّ
خالد الداعوق _
لن يطول الأمر كثيراً حتى يتوصّل العلماء إلى علاج لفيروس “كورونا” المستجدّ والمتمدّد عالمياً بشكل واسع وكبير، كما توصّل أسلافهم إلى علاجات للكثير من الفيروسات والأوبئة التي ضربت العالم سابقاً مثل الطاعون والكوليرا والملاريا وإيبولا وسارس وغيرها التي تمكّن العلم من القضاء عليها وإنقاذ البشرية منها.
ونحن في لبنان لا نريد أن نجلد أنفسنا كثيراً، بل نقول إنّ وزارة الصحة قامت بما تقدر عليه في ظلّ الإمكانات المحدودة المتوافرة بين يدي الوزير الجديد الذي لا يمكن بطبيعة الحال تحميله وزر عدم توفر الإمكانات اللازمة في وزارته أو في المستشفيات الحكومية العديدة، وذلك بفعل إهمال مَن سبقوه إلى هذه المسؤولية منذ ثلاثين عاماً حتى اليوم، حيث ذهبت هدراً ونهباً معظم الميزانيات والهبات والقروض التي خصّصت للنهوض بالقطاع الصحي والاستشفائي، تماماً مثلما حصل في كلّ الوزارات والمؤسّسات والإدارات العامة التي نجدها اليوم مترهّلة وغير قادرة على مواكبة التطورات الحديثة في هذا العالم الذي يتغيّر سريعاً في هذا الزمن التكنولوجي المادي الذي لا يرحم.
وإذا كان التركيز اليوم هو على مكافحة “كورونا” والحدّ من انتشاره تمهيداً للتخلّص منه قريباً بإذن الله، فإنّ الهموم المالية والاقتصادية والاجتماعية والحياتية لا تزال ضاغطة بشدة على يوميات اللبنانيين الذين ما زالوا يأملون من الحكومة الجديدة أن تتخذ خطوات إنقاذية جريئة عجزت عن اتخاذها حكومات سابقة بسبب سياسات قاصرة عن تحقيق تطلعات اللبنانيين إلى العيش في وطن مستقرّ تتوفر فيه أبسط المقوّمات لحياة كريمة وعزيزة.
صحيح أننا لا نعارض القائلين إنّ الحكومة لم تعطَ الفرصة اللازمة لكي تنطلق في عملها كما يجب، وبدأ مبكراً استهدافها سياسياً وإعلامياً، من الداخل والخارج، حتى قبل مرور مهلة الـ 100 يوم الأولى المتعارف عليها عالمياً، لكن الصحيح أيضاً أننا لا نملك ترف الانتظار وضياع الوقت في لجان من هنا ودراسات من هناك…
الداء مُشخّصٌ منذ زمن والعلاجات معروفة والدراسات موجودة وجاهزة ولا تحتاج إلا إلى قرار واضح وصريح ببدء التنفيذ، خاصة أنّ الحكومة تضمّ مجموعة بل نخبة من الاختصاصيين والخبراء الذين من المفترض أنهم باتوا يعرفون جيداً مضامين الملفات المتشعّبة التي بين أيديهم… ولذلك هناك معلومات تفيد بأنّ رئيس الحكومة والوزراء أنهوا فترة الاطّلاع، وبدأوا الاستعداد لإطلاق الخطط العملية التي لن تحدث المعجزات طبعاً، لأنّنا لسنا في زمن المعجزات، بل كلّ المطلوب في هذه المرحلة على الأقلّ هو وقف الانهيار حتى يلتقط البلد والمواطنون بعض النفَس، وبعد ذلك يبدأ مشوار المعالجات وهو بلا شك مشوار طويل ومعقّد وفيه الكثير من المصاعب والتعقيدات، لكن لا بدّ من خوض غماره تجنّباً للانهيار الشامل لكلّ شيء.
وليس من باب التنظير القول إنّ الخطوات العلاجية الأولى معروفة للجميع تقريباً، تبدأ بوقف الهدر كلياً في جميع الوزارات والإدارات والمؤسّسات العامة، وتفعيل الإنتاجية في كلّ مفاصل القطاع العام، لا سيما في القضاء الذي يتحمّل اليوم مسؤولية تاريخية في المسار الإنقاذي الذي يُفترض أن تسلكه الحكومة الحالية، خصوصاً على صعيد مكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين الكبار منهم قبل الصغار.
وبالتوازي مع العمل الكبير المطلوب إنجازه في القطاع العام، هناك ضرورة ملحّة للالتفات إلى القطاع الخاص، حيث لا بدّ من توفير المقوّمات اللازمة لتفعيل دورة الإنتاج الداخلية في ضوء الحاجة الماسّة لتقليص فاتورة الاستيراد إلى الحدّ الأدنى الذي لا غنى عنه.
طبعاً هناك الكثير من التفاصيل يمكن التطرّق إليها في هذا المجال، ولا شكّ في أنّ رئيس الحكومة والوزراء المختصين يعرفونها جيداً، لكن المهمّ والملحّ هو أن تنطلق العجلة الاقتصادية إلى الأمام حتى يلمس المواطنون فعلاً أنّ هناك من يعمل للإنقاذ بجدّية، وبالتالي يتفاعلون إيجاباً مع مساعي الإنقاذ فتتضافر الجهود الوطنية وتتكامل باتجاه تحقيق الأهداف المرجوّة… ولو بعد حين.
*أمين عام منبر الوحدة الوطنية.