أولى

حقيقة
الأول من آذار

د. ادمون ملحم

الأول من آذار هو علامة فارقة في التاريخ وفي مسيرة الفكر الإنساني..

هو يومٌ جميلٌ مشعّ بنظارة الحياة وانطلاقها.. وهو أول أيام الربيع المتألّق بالخصب وجمال الطبيعة وألوانها البراقة.. هو يومٌ وُلِدَ فيه طفلٌ في عينيه ضوء فاق النجم وهجاً.. ومع السنين تحوَّلَ هذا الضوء إلى أنوارٍ هاديةٍ ساطعةٍ تشعّ حباً وآمالاً وحقاً وخيراً وجمالاً.. وأمسى هذا اليومُ عيداً للأمل والأحلام.. للفرحِ والوئام.. للحب والوفاءِ.

إنه عيدُ الولادة.. ولادة النبوغ في إبن الأول من آذار، ابن ضهور الشوير: أنطون خليل سعاده الذي اختارته إرادة الأمة لينطق بلسانِها وليعبِّرَ عن مكنوناتِ أفكارها وطموحاتها وليقودَ نهضتها الجديدة وليسيرَ بها على طريق الجهاد والبطولة صعوداً إلى الرقي والمجد..

إنه عيدُ الفرح القومي.. فرح الأمة بهبة الحياة.. بولادة العبقرية في فتى الربيع، في شخصيتهالمركّبة، الغنيةغنى كبيراً بالعوامل النفسيةوالتييحتاج درسها إلى مجلدات”.1

إنّه عيدُ الفرح العظيم.. فرح الأمة بموهبة الله لها.. بولادة التفوّق والإبداع في شخصية هذا الرجل «الغريبة العجيبة»2.. هذه الشخصية الحقيقية، المتميّزة بإدراكها العالي وعاطفتها الصادقة، بهمّتها وحيويتها، بإرادتها القوية وعزمها الأكيد، بيقينها وصراحتها ووضوح أفكارها، بصبرها وإيمانها وثقتها بنفسها، بقوة شعورها ورقة إحساسها.. شخصية «لا يمكن تقليدها أو الخلط بينها وبين غيرها ولا يمكن استبدال غيرها بها».3

الأول من آذار هو عيدُ ولادة أمة برجلرجل الفكر النهضوي والإصلاح الفعليعيدُ الزعيم بطلته المضيئةهذه الشخصية الصريحة، المُحبّة، التي ترى في عينيها بريق الصدق والأمل والرجاء وتقرأُ على جبينها حروف العزّ والشموخ والعنفوانهذه الشخصية التي تتمتع بنفس فاهمة، كبيرة، واسعة: تتسع للكون ولا يمكن أن تذوب.. نفس عميقة تمثّلت روحُ الأمة فيها وعبّرت تعبيراً عظيماً عن «الآمال الكبيرة العالقة بهاأنفس ملايين البشر4 وعن إرادة «أمة ستعود إلى الحياة وتثب للمجد»5والفلاح

الأول من آذار هو عيد سعادهرجل القضية القومية وصاحب النظرة الجديدة إلى الحياة والكون والفن: هذه الشخصية الفريدة، المتواضعة، القريبة للقلوب والكبيرةفي إيمانها وحبّها وإخلاصها والغنية في أحلامها وطموحاتها ورغائبهاالعالية

الأول من آذار هو عيد الزعيمالذي يجمع بعقله مجموعة من العبقريات وموسوعة من العلوم: هذه الشخصية الأصيلة المنبثقة من صميم عظمة الأمة السورية ومننتاج عبقريتها ونفسيتهاهذه الشخصية التي تفانت بعطاءاتهاوتضحياتها من أجل الارتقاء بالأمة وأهمّ ما أعطته تمثّلَ بالمناقب الجديدة والتعاليم المحيّية لتشق الأمة طريق حياتها «فأحدثت (هذه المناقب والتعاليم) «أعجوبة الدهر» ووحّدت المحمديين والمسيحيين والدروز في إيمان قومي اجتماعي واحد ينقذ الأمة إنقاذاً كليًّا»6 ويرتقي بها إلى قمم المجد..

الأول من آذار هو البداية لمسار التأسيس ولفعل الاستشهاد، وبالتالي هو الأمل

هو البداية لحياة الأمة السورية الجديدة التي وُلِدت من رحم تراثها الحضاري بولادة رجل المبادئ والقيم الجميلة.. فبزغ فجر جديد في السادس عشر من تشرين الثاني أشرقت فيه شمس النهضة القومية الاجتماعية لتبدِّد ظلمات الجهل والظلم والباطل ولتملأ الحياة نوراً ودفئاً وجمالاً..

وهو الأمل الصاعد وسط الانهيار وعوامل اليأس والقنوط.. الأمل بالمستقبل القومي الجميل.. بحياة الأمة الحرة الراقية القائمة على أسس نظام قومي اجتماعي جديد يؤمّن البحبوحة والغنى والعدالة الاجتماعية ويقود إلى الحرية والسيادة والاستقلال وإلى مراقي العزّ والشرف والتقدّم والفلاح

الأول من آذار هو الانبعاث والتجدّد.. انبعاث الأمة من الجمود والموت وعودتها إلى الحياة، إلى وجدانها ومعرفتها، إلى بناء نفسها في نهضة شاملة ليعود دورها الحضاري والإنساني فاعلاً في الوجود.. وتجدّد الأمل بقدرة هذه الأمة ومواهبها، بقيمها وعظمتها، وبربيعها الدائم والواعد بمواسم العطاء ودفق الخيرات والإنتاج وبأعياد النصر والفرح والابتهاج

القوميون الاجتماعيون، رجالاً ونساءً وشيوخاً.. طلاباً وأشبالاً وزهرات.. نسوراً ومقاومين، جميعهم يفرحون، في هذا العيد، وفي كلّ يوم من أيام السنة، بهبة الحياة، بميلاد سعادهرجل الفكر والعلم والقضية الذي أطلق فعل التغيير ومشروع النهوض والارتقاء بالأمة وبناء دولتها القومية القوية

القوميون الاجتماعيون يفتخرون بعطاءات سعاده وتضحياته الكبيرةبإنجازاته العظيمة وبما قدّمَه من حقائق ساطعة تضيء على وحدة الأمة الاجتماعية وهويتها القومية وتدلِّلُ على تاريخها الثقافي والسياسي وعلى إرثها الحضاري الغني بالمآثر والإنجازات.

القوميون الاجتماعيون يلهجون باسم سعاده وبعقيدته الجامعة وحقيقته الدامغة.. ينهلون من معينه الذي لا ينضب ويستمدّون من تعاليمه نور الهداية ويسيرون على ضوئها ويقتدون بإيمانه العظيم بأمته الهادية للأمم.. فهو العالمالفيلسوف والمعلمالقدوة وهو القائد الجريء الذي استخفّ بالموت ورحَّبَ به وهو الزعيم الذي أقسمَ في عيد ميلاده على أن يقفَ نَفسه لوطنه سورية ولأمته السورية وعلى أن لا يستعمل سلطة الزعامة إلا من أجل القضية القومية ومصلحة الأمة التي شغلت فكره منذ كان حدثاً فصمَّمَ أن يرفعَها «من حضيض الذلّ والاستعباد إلى الرقي والمجد» فكانت حياته كلها تعبيراً راقياً عن قيم العطاء والبذل والتضحية والصراع وملحمة في التفوّق والإبداع وفي البطولة ووقفات العز انتهاء بالاستشهاد.

هذه هي حقيقة هذا العيد: إيمان عظيم يغمر قلوب القوميين الاجتماعيين وشعور نبيل يكنّونه للزعيم المعبِّر الأوفى والأسمى عن حقيقة الأمة وأمانيها. هذه هي حقيقة فرحهم الكبير النابع من محبة كبيرة لهذه الشخصية التاريخية التي وقفت نفسها على حياة الأمة ورقيها وأقسمتيمين الحق غير شاعرةٍ بأنها تقدّم منّة للأمة بل تشعر بأنها تعطيالأمة ما يخصها من خيرٍ وطموحٍ وعظمةٍ لأنّكُل ما فينا منالأمة وكل ما فينا هو للأمة..”.7

 

1 –  أنطون سعاده، «عيب الحزب السوري القومي»، الزوبعة، بوينس آيرس، العدد 31، 1/11/1941

2 –  هذه العبارة لسعاده. المرجع ذاته.

3 –  المرجع ذاته.

4 –  أنطون سعاده، «لو لم أكن أنا نفسي…!»، الآثار الكاملة 1 – أدب، بيروت، 1960، ص 213.

5 –  المرجع ذاته.

6 – أنطون سعاده،»نعمة ثابت بطل الخيانة»، نشرة عمدة الإذاعة، بيروت، المجلة 3، العدد 4، 15/08/1947.

7 –  خطاب الزعيم في أول آذار، كل شيء، بيروت، العدد 101، 4/3/1949

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى