المخيَّم في شعر محمود درويش
} حمزة البشتاوي*
يُعدّ المكان في شعر محمود درويش من أكثر القضايا التي أرهقت الشاعر لكونه عاش في المنفى أكثر مما عاش في الوطن. وقد عكست قصائده علاقة وطيدة مع الأمكنة منذ نزوح أسرته وهو دون سن العاشرة من بلدة البروة في عكا إلى لبنان.
والمخيم في شعر محمود درويش يظهر كقضية أكثر مما هو مكان، ولهذا يحتاج البحث في شعر محمود درويش الى فراسة متميّزة للدخول الى عالمه الشعري الساحر وما يحمله من عنفوان وتجدّد وانبثاق يرتكز على مخزون ثقافي وفكري في فهم الأبعاد والرموز والإشارات الكامنة في البعدين المعرفي والعاطفي.
ورغم رحيل الشاعر صيف العام 2008 إلا أن حضوره يزداد في أوساط أبنـــاء المخـــيمات الفلسطينية في سورية والأردن ولبنان ويحفظون قصائده المغناة ويزينون جدران المخيم بجمل من قصائده إضافة لانتشار منتديات باسمه في أكثر من مخيم داخل فلسطين وخارجها.
ونتيجة لعــلاقة محمود درويش المميّزة مع بيروت الجمال والثقافـــة والحرب والحصار نراه أكثر حضوراً في المخيمات الفلســطينية في لبنان وخارجها حيث نراه حاضراً بالأوساط الثـــقافيّة ومن خـــلال جمــل من قصائده مكتوبة على جدران الطريق الدولية من بيروت إلى الجنوب، حيث تنتابك ســـعادة غريبـــة وأنت تقــرأ إضافة لخربشات من حبيب إلى حبيـــبته أو عبارات اعتراضيّة على الشأن العام أن تقرأ أيضــاً كلمات من قصـــائد محمود درويش مثل – يطير الحمام يحطّ الحمام– تنسى كأنك لم تكن – على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة.
وللمخيم في شعر محمود درويش دلالتان بارزتان وهما:
1- حياة البؤس القاسية التي رفض محمود درويش ربطها واستمرارها بالقضية الفلسطينيّة.
2- معاني الثورة والقوة رغم المؤامرات والواقع المأساوي.
وفي موضوع الحياة البائسة والقاسية وما تعانيه المخيّمات من حالة قهر وتهميش وحرمان، رأى محمود درويش مبكراً ومنذ العام 1971 هذا البؤس وقال: لست مرتاحاً للاستمرار في تصوير الشعب الفلسطيني كمجموعة من الناس تعيش في مخيّمات، بمعنى أنه ليس من الضروري أن يستمرّ الفلسطينيون في العيش بالمخيمات لتكون لهم قضية.
وقال عن المخيم أيضاً: إنه مكان ممتلئ بالدم والطحين.
وقد حضرت مآسي المخيمات بشكل ملحمي في قصيدة أحمد العربي في تل الزعتر وفي مديح الظل العالي حين قال عن صبرا وشاتيلا.
صبرا– تغني نصفها المفقود بين البحر والحرب الأخيرة/ لمَ ترحلون/ وتتركون نساءكم في بطن ليل من حديد/ ثم ترحلون وتعلقون مساءكم فوق المخيم والنشيد.
– أما في معاني الثورة والقوّة فنرى المخيم يحضر باعتباره رمزاً للجوء وحق العودة والعمل الفدائي ويحضر ابن المخيم كبطل ملحميّ خارق يمثل أسطورة في الصمود والمقاومة، حيث يقول في قصيدة «أحمد الزعتر»: آه يا وحدي؟ وأحمد كان اغتراب البحر بين رصاصتين، مخيّماً ينمو، وينجب زعترا ومقاتلين.
وانطلاقاً من أن كل المخـــيّمات منــفى وكل فلسطين وطن وكل شيء تغـــيّر، رأى محمود درويش أرواح شهداء صبرا وشاتيلا شـــاركت أبطال مخيم جنين مقاومتهم ويقول أيضاً: اتصل مقاتل من مخيم جنين المحاصر بصاحبه خارج المخيم قائلاً اِحـــك لي نكتة لأضحك قبل استشهادي. قال صاحبه: كيف تضحـــك وأنت على حافة الموت، فقال: لأني أحب الحياة وأريـــد أن أودعها ضاحكاً.
ورغم ما يحمله المخيم من حكايات البطولة والمأساة فإن اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات ما زالوا يتطلعون إلى ديارهم وقراهم ومدنهم في فلسطين ولسان حالهم يقول كما قال الشاعر محمود درويش في رسالته إلى الشاعر سميح القاسم:
أريد مكاناً في مكان المكان لأعود إلى ذاتي لأضع الورق على خشب صلب، لأكتـــب رســـالة أطول لأعلّق لوحة على جدار لي، لأرتب ملابـــسي لأعطــينّ عنواني لأربي نبتة منزليّة لأزرع حوضاً من النعناع، لأنتــظر المطر الأول. وهذا الانتظار دونه الكثير من الخيبات والمرارات في النص الشعري والمخيم المحاط بوابل من الآمال والآلام.
*كاتب وإعلاميّ.