أردوغان تحت أقدام الجيش السوريّ!
د. محمد سيد أحمد
قبل بدء الحرب الكونية على سورية في مطلع العام 2011 كانت العلاقات السورية – التركية قد وصلت إلى أفضل حالاتها، فمن المعروف أنّ العلاقات السورية – التركية ومنذ حصول سورية على استقلالها عام 1946 لم تكن في حالة جيدة حتى تمّ توقيع اتفاقية أضنة عام 1998 فخلال هذه الفترة التي تجاوزت نصف قرن كانت العلاقات متأزّمة وعدائية بسبب استيلاء تركيا على أراضٍ سورية بمؤازرة الانتداب الفرنسيّ، أهمّها لواء إسكندرون عام 1938، ثم اختلاف الخيارات والتحالفات الاستراتيجية لكلا البلدين، حيث انحازت سورية إلى التوجهات الاشتراكية، مقابل توجه تركيا نحو السياسات الرأسمالية الغربية.
وخلال العقود الخمسة الممتدة من منتصف القرن العشرين وحتى نهايته سادت حالة من النزاع بين البلدين كادت تتحوّل إلى حروب مدمّرة، وخلال هذه المرحلة قام الأتراك بتعزيز وجودهم العسكري على الحدود وقاموا بزراعة الألغام حتى لا يتمكّن أحد من العبور، ولمزيد من التوتر قامت تركيا في تسعينيات القرن العشرين بإنشاء مجموعة من السدود الكبرى على نهر الفرات، فحجزت القسم الأكبر من مياهه، وحجزت مياه نهر الخابور بأكملها حتى جفّ وتوقف جريانه في الأراضي السورية، أما الأزمة الكبرى في العلاقات السورية – التركية فكانت مع تنامي التعاون العسكري والسياسي والأمني بين تركيا والعدو الصهيوني سعياً لوضع سورية بين فكي كماشة بما يهدّد الأمن الاستراتيجي القومي في مختلف المجالات.
في المقابل كانت تركيا دائماً تتهم سورية بدعم عناصر حزب العمال الكردستاني، وأنها تستخدم الورقة الكرديّة لزعزعة أمنها، هذا إلى جانب تخوّفها من العلاقات السياسية والتعاون السوري – اليوناني والعلاقات مع الشطر اليوناني من قبرص، وبلغ النزاع أوجه عام 1998 حين هدّدت تركيا باجتياح الأراضي السورية بحجة وقف هجمات حزب العمال الكردستاني واشتعلت نيران الأزمة وتدخلت بعض الدول الإقليمية، وانتهت الأزمة بتوقيع اتفاقية أضنة وخروج عبد الله أوجلان ومقاتلي حزب العمال الكردستاني من شمال سورية.
ومن هنا بدأت العلاقات تتطوّر نحو الأفضل فبدأ التوافق والتعاون في الجانب الأمني ثم انتقل إلى الجانب الاقتصادي والسياسي وجرى توقيع اتفاقيات عدة في جميع المجالات بين البلدين، نفذ معظمها في أوانه، وتطورت العلاقات نحو الأفضل بزيارة الرئيس التركي أحمد نجدت سيزر لسورية في عام 2000، ثم زيارة الرئيس بشار الأسد لتركيا عام 2004 عززت أكثر من العلاقات، ومع صعود حزب العدالة والتنمية في تركيا أحدث تحوّلات كبرى في العلاقة بين البلدين حيث تحوّلت العلاقات بين البلدين إلى تفاهم وتعاون فوقعت اتفاقية إزالة الألغام من على الحدود لإقامة مشاريع إنمائية مشتركة، ورفضت تركيا المشاركة في سياسة العزل والحصار التي حاول الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش فرضها على سورية، وتمّ توقيع اتفاق التجارة الحرة بين البلدين والذي سمح بتدفق البضائع في الاتجاهين وإقامة مشاريع مشتركة، وأخيراً جاء اتفاق إلغاء التأشيرات الذي يسمح بدخول السوريين والأتراك دون الحاجة إلى إجراءات قنصلية والذي شكل قمة الانفتاح والتعاون الاقتصادي بين البلدين.
هذه كانت حقيقة العلاقات السورية – التركية في مطلع العام 2011 لذلك حين بدأت المؤامرة الكونية على سورية لم يكن متوقعاً أن تتورّط فيها تركيا بهذا الشكل، لكن الواقع قد أفرز ومنذ اللحظة الأولى تحوّلاً كبيراً في الموقف التركي، حيث شكلت تركيا خنجراً طعنت به سورية فأسال دماءها بغزارة. فالعدو الأميركيّ والصهيوني حين خطط لمشروع «الشرق الأوسط الكبير» كان قد اتفق مع تركيا بزعامة عضو التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية رجب طيب أردوغان أنه سوف يُمنح مكتسبات تمكنه من عودة دولة الخلافة على أن ينفذ كلّ التعليمات وبدقة.
وبما أن المشروع الأميركي – الصهيوني يقوم على تفجير المجتمعات من الداخل عبر تجنيد بعض العناصر الإرهابية فقد تمّ التواصل مع العناصر الكامنة من تنظيم الإخوان المسلمين في الداخل السوري لتكون شرارة البدء، بعدها قام أردوغان بفتح الحدود لتعبر الجماعات التكفيرية الإرهابية التي تمّ تجميعها من كلّ أصقاع الأرض كي تخوض الحرب مع الجيش العربي السوري على كامل الجغرافيا السورية، وخلال السنوات الأولى تمكن الإرهابيون من الاستيلاء على مساحات واسعة من الجغرافيا السورية وكانت غرف العمليات التي تدار منها المعارك أهمّها في تركيا، وعبر الأراضي التركية عبرت الآليات العسكرية والأسلحة بكافة أشكالها لدعم الإرهابيين وكلّ يوم كان يعتقد أردوغان أنّ حلم الخلافة قد أصبح قريباً.
لكن هيهات! فقد بدأ الجيش السوري في معارك التحرير بعد التنسيق السياسي والعسكري مع الحلفاء خاصة الروسي والإيراني. وبالفعل تمكن الجيش العربي السوري من تحرير المساحة الأكبر من الجغرافيا السورية عبر معارك كبرى في حلب ودير الزور والغوطة الشرقية ودرعا… وكان دائماً يتمّ الاتفاق بعد الانتصار إلى السماح للإرهابيين بالتوجه إلى إدلب في الشمال بالقرب من الحدود التركية والتي أصبحت آخر معاقل الجماعات التكفيرية الإرهابية على الأرض السورية وأصبحت أيضاً الأمل الوحيد لأردوغان ليحفظ ماء وجهه أمام شعبه وليحافظ على مقعده في سدة الحكم بعد أن تبدّد وللأبد حلم الخلافة.
وبعد أن فشل الحلّ السياسي لخروج الإرهابيّين من إدلب قرّر الجيش السوري تحريرها عسكرياً وهنا جنّ جنون أردوغان وبدأ في التهديد والوعيد بعملية عسكرية موسّعة إنْ لم يتراجع الجيش العربي السوري، وطلب العون من الأميركي الذي كعادته دائماً يتخلى عن عملائه في حالة هزيمة مشروعه. فلجأ إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو للمشاركة فلم يجد مَن يعينه، فقرّر أن يتوجّه منفرداً فوجد جنوده يسقطون صرعى تحت أقدام بواسل الجيش السوري، وهو ما يزيد من اشتعال النيران من حوله في الداخل التركي، لذلك ورغم شراسة المعركة فإنّ الجيش السوري قد تلقى تعليمات قائده الرئيس بشار الأسد باستكمال مسيرة تحرير إدلب دون الالتفات إلى الفقاعات الصوتية الأردوغانية. وهو ما يجعلنا على ثقة بأنّ أردوغان سيسقط تحت أقدام الجيش العربي السوري. اللهم بلغت اللهم فاشهد.