} آمنة بدر الدين الحلبي
الليلة يا وطني…
آوي إليكَ…
هربًا من عيون السحرة والمشعوذين…
من عيون المتآمرين…
هربًا منكَ إليك…
الليلة… وكل ليلة…
يا وطني…
أغمسُ رأسي…
على غابات صدرك…
وأزرعُ ذاكرتي…
همسًا وأغنية…
ذاكرة… غمرها الطوفان…
دمرّ تلافيفها الإعصار…
لكنه..
لم يغسلْ آثار العرافين…
لم يغسل آثار المتآمرين…
لم يغسل آثار المغتصبين…
الذين أحرقوا الحب…
في كينونة قلبك…
الليلة يا وطني…
آتية إليكَ…
عارية من كل الأوهام…
عارية من كل الآلام…
المرتعشة في رصيدِ عمرك…
آتية إليك…
عارية من كل الهواجس…
عارية من كل الكوابيس…
في قاع الذاكرة…
ذاكرةٌ…
لم تنطفئ بقارّة الحضور…
بعالم الذكرى…
مليئةٌ بحروفٍ شرسة…
عنيدة…
أبتِ الانتحار بعيدة عنك…
بل الاستشهاد بين أحضانك…
الليلة…. يا حبيبي…
آتية إليك…
حاملة معي…
كل الحب الذي أهديتني إياه…
كل الحب الذي وهبتني إياه…
كل الحب الذي قدّمته لي…
لا… لسواي…
كل الحب…
الذي إذا وُزّع على العالم…
لامتلأ العالم بحبك…
يا حبيبي…
يا ربان سفينتي…
تربّعتَ على عرشِ قلبي…
أنرتَ شواطئي…
وأبجديتي…
وأحرفي البيضاء…
والزرقاء والحمراء…
رسمت أجمل قصيدة لعمرك…
يا قدرًا…
يا زمنًا…
يا ولادة واحدة في عمري…
بل شهقةُ احتضار…
في عالمٍ…
لا يعرف الحب..
ولا يجيدُ العزف عليه…
آلتُه أهملها الزمان…
كساها صدأُ السنين…
صلبتني على أوتارها…
سافرت في شراييني وأعصابي…
في نبضي وانفعالي…
تغلغلت تحت مسامات جلدك…
يا وطني…
هل تفهم لغةَ الإبحار؟؟؟
دعني أسترحْ في مينائك…
أستنشقُ عبقَ الكثبان…
ألثمُ عطر الريحان…
وأرحلُ إلى قارة الحضور…
إلى كل خلية…
من خلايا جسدك…
هل تعرفُ معنى الحب؟؟؟
في كل الأبجديات…
الحب الطاهر بلون ثلجك…
هل تعرفُ معنى الدفء؟؟؟
في كلِّ حرارة البراكين…
الدفء يا وطني…
من أنفاسِك الوردية…
التي تعبقُ برائحة الفلِّ والياسمين…
برائحة الزيتون الأخضر..
ممزوجة بطعم المطر…
بـ رائحةِ التراب…
معجونة بـ آلامك وآمالك…
الليلة.. وكل ليلة يا وطني…
أغتسلُ من أوردتك…
الليلة.. وكل ليلة… يا وطني…
أتعطرُ من شرايينك…
الوردية واللازوردية…
المليئة…
بـ رائحة الحب…
بـ رائحة الاحتضان…
بـ رائحة الأيام معكَ وإليك…
يا وطني الصعب…
يا مدينتي المقدسة…
يا ناعورتي المستيقظة…
بالرغم…
من وحشية الغربة…
في قلبك…
وشراسة الالتصاق…
في جسدك…
أتوقُ إليكِ…
أشتاقُ لمعنى الحرف في كلماتك…
وشراسة الالتصاق في جسدك…
أشتاقُ لرائحة الصنوبر…
لعبق العاصي…
وكل الأشجار…
الواقفة ببابك…
يا وطني الصعب…
أحيني من جديد…
في فراغ المساحات والتجاويف…
أسقني شهد الرضاب…
في الشرايين والأوردة…
عطرني… بـ عبق الياسمين…
في الكهوف الحنونة…
وعلى القلاع الجميلة…
أعطني تأشيرة الدخول…
مختومة…
مطبوعة…
لأستوطن في القاع…
وأتغلغل تحتَ المسامات…
وأتنفس بحرية…
عندما أنام في أحضانك…
يا وطني…
أيّها القريب… البعيد…
يا نقوشًا فوق زخارف الفرح…
يا طقوسًا زهدتُ بها…
وعشقتُ أرضك…
يا وطني….
يا صحوتي أثناء الاحتضار…
تستقبلني مدينتك؟؟؟
تضمّدُ جرحي؟؟؟
تمرّ بشفتها…
على موضع الألم…
تسقني خمرتها الأبدية…
لأسكر!!!
أم لأصحوَ من سكرة الحبّ…
على ضفاف نهرك…
الليلة يا وطني…
أناديك…
بحريّة الرياح…
بفرح الأطفال…
لـ أبثك الوجد…
وأسمعَ أنينَ ناعورتك…
الليلة يا وطني…
أخترق الطرق…
أحتل المساحات…
وحدائق الفل والاقحوان…
وزهر البيلسان…
وأتعطر بزهر الياسمين …
وأغتسل بالعراتلي والريحان…
وأشعل بـ غاباتك الشامية…
حبّي ومحبتي..
ألمي وجرحي…
وأعلنُ استشهادي…
بكل شواطئك…
الليلة أرحل إليك يا وطني…
بكل اللهفة…
بكل ما أملك..
من قوة…
على الإبحار إليك…
الليلة وكل ليلة…
أحلمُ بـ الأشواق…
أحلمُ بـ الكلمات…
بـ كل الأبجديات…
التي شكلتها حنجرتك…
والألحان…
التي عزفتها ناعورتك…
المزروعة على جسد ذاكرتك…
والمرسومة على تلافيف دماغك…
والمطبوعة على صفحات تاريخك…
والمتشكلة من ياسمين مدينتك…
الليلة يا وطني..
وكل ليلة…
أمسحُ وجهي بـ ذراتها..
أستنشقُ رائحتها…
ألفُّ ضفائري بحروفها…
أحيك قلادتي بـ أبجديتها…
أصيغ عقدي من ياسمينها…
بـ كل الأشكال..
بـ كل الألوان…
كي أُدفنَ منتمية إليك…
مكللة بـ ذرات ترابك…