إعادة بناء اليمن بجهود أبنائه وسواعدهم
السفير د. علي أحمد الديلمي*
إنّ التفكير في إعادة إعمار اليمن بعد انتهاء الحرب يتطلب تضافر الجهود في بلادنا سواء من خلال المواطنين أنفسهم أو رجال الأعمال المخلصين ومؤسّسات المجتمع المدني وغيرهم من أجل الإعداد لمرحلة ما بعد الحرب لبثّ أجواء من الأمل، ولكن قبل ذلك كلّه هناك درب طويل وشاق وصعب، ولكن لا بدّ من سلوكه حتى النهاية وهو طريق المصالحة الوطنية، ذلك أنّ إصلاح النسيج الاجتماعيّ هو الأهمّ وبناء البشر هو الأساس.
تبلغ تقديرات إعادة إعمار ما دمّرته الحرب في اليمن حوالى 100 مليار دولار، ويتطلّب ذلك إعادة بناء الاقتصاد ومؤسّسات الدولة وتأهيل البنية التحتية، ولكن حتى هذه اللحظة لم يُعلن رسمياً عن عملية إعادة إعمار شاملة يقودها المانحون.
داخلياً، جميع اليمنيين لديهم الرغبة الكاملة والأمل في أن تكون اليمن أفضل رغم الخسائر البشرية والمادية وانهيار الدولة وضعف الحكومة وفشلها في إدارة البلاد،
إلا أنّ الواقع يفرض على الجميع في المناطق اليمنية كافة تنظيم أنفسهم، أفراداً وجماعات، بشكل مؤسّسي من أجل العمل وجمع المعلومات الكاملة عن الأضرار التي تسبّبت بها هذه الحرب سواء في الممتلكات العامة أو الخاصة، وهذا يشكل بداية الطريق الصحيح نحو إعادة الإعمار وتحقيق المصالحة الوطنية من أجل تحقيق السلام الشامل والتنمية والرفاه الاقتصادي والأمان الاجتماعي لجميع اليمنيين.
إنّ سنوات الحرب وضعف الحكومة الشرعيّة وعجزها عن تحقيق أيّ من احتياجات المواطنين بسبب فساد السلطة واستغلالها لكلّ الإمكانيات والموارد المتاحة لتحقيق الإثراء السريع على حساب العمل من أجل التنمية الاقتصادية والإصلاح المؤسّسي والاجتماعي، كلها عوامل أدّت إلى تدمير مؤسّسات الدولة واستشراء الفساد وتعطيل كلّ مقوّمات الحياة المرتبطة باحتياجات الناس.
وانطلاقاً من هذا الواقع المرير، من الضروري التأكيد على أنه لا يمكن الاعتماد على مَن ساهم في تدمير كلّ شيء في إدارة عملية إعادة الإعمار أو الإشراف عليها. حتى المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، على اختلاف مسمّياتها، ساهمت في مفاقمة معاناة اليمنيين لأنها أيضاً استغلت الأزمة وسعت إلى الربح المادي، بمساعدة مجموعة من الفاسدين ومشاركتهم، خاصة من خلال المساعدات الغذائية وقد دارت حول هذا الملف شبهات فساد وهي قيد التحقيقات.
لذلك فإنّ اليمن لن يوحّده ويعيد إعماره سوى أبنائه الذين عانوا ما عانوه من التدخُّلات الخارجية وظلم المسؤولين وفسادهم وتآمرهم على أبناء شعبهم، فكان ظلمهم أشدّ مضاضة على اليمنيين من الأعداء أنفسهم. وفي سبيل ذلك، على كلّ فرد أن يبدأ في إطار مجتمعه المحلي ومن ثم على مستوى المديريات والمحافظات حتى تشمل جميع الوطن اليمني، من خلال تنظيم ورشات وجلسات ولقاءات حوارية تستشرف آفاق المستقبل وتبحث موضوع إعادة الإعمار، وذلك من خلال:
أولاً: جمع المعلومات المتكاملة عن حجم الأضرار في كلّ الممتلكات العامة والخاصة.
ثانياً: عمل تقديرات حول احتياجات إصلاح هذه الأضرار.
ثالثاً: تأسيس صناديق على المستوى المحلي تعتمد على دعم من يستطيع المساعدة في إعادة الإعمار، وفق قواعد وأسُس تتحرّى الدقة وعدم الغش بحكم أنها مبادرات مُجتمعية ومن يقوم بها هم أبناء المنطقة أو القرية أو الحي والهدف إعادة الإعمار وتحقيق التنمية المُجتمعية. أضف إلى ذلك أنّ اليمن لا يفتقر، سواء في الداخل أو المهجر، إلى الكوادر البشرية اللازمة والخبرات العلمية التي من شأنها أن تساهم في هذه العملية.
رابعاً: تأسيس لجنة وطنية من أشخاص مشهود لهم بالنزاهة والوطنية، لم يشاركوا في الحرب أو الفساد أو بثّ التفرقة بين اليمنيين، وذلك بهدف التواصل مع دول الجوار والمجتمع الدولي من أجل البدء في تأسيس صندوق إعمار سيادي يتحمّل مسؤولية تأمين الأموال اللازمة لإعادة الإعمار ودفع التعويضات بعيداً عن أيدي الفاسدين.
خامساً: تشجيع رجال الأعمال اليمنيين حول العالم إلى الاستثمار في إعادة إعمار وطنهم، إذ يحفل العالم بقصص نجاح هؤلاء ومؤسّساتهم وتوسُّع رقعة أعمالهم ومن حقّ بلادهم عليهم أن يكون لهم الدور الكبير في نفض غبار الحرب عنها.
من شأن هذه الجهود إذا تمّت، في إطار جهود محلية وبشكل منظم، أن تمثل قوة ضاغطة في سبيل إيقاف الحرب وإعلان رسالة للعالم مفادها أنّ الشعب اليمني شعب بناء وسلام، عندها سيكون العالم كله أمام حتمية دعم هذه المبادرات وإيجاد حلّ شامل ونهائي للأزمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*دبلوماسي يمني.