علم ليبيا يرفرف من جديد فوق مقرّ سفارتها في دمشق وتأكيد سوري على أنه مقدّمة لعودة أعلام أخرى المقداد لـ «البناء»: لتوحيد المواقف بين الدول المُستهدَفة بالتدخل التركي وإنهاء استغلال مجرم كأردوغان الحويج لـ «البناء»: هي لحظة تاريخية في زمن الانكسارات العربية والانصياع للمشروع الغربي
دمشق ـ لورا محمود
في الوقت الذي تتصاعد فيه حدّة التوتر بين دمشق وأنقرة، وعلى وقع العمليات العسكرية في إدلب والتي تستخدم فيها تركيا مدافع وطائرات مُسيَّرة، بينما يقاتل جنودها بجانب المجموعات المسلحة في عملية أسمَتها «درع الربيع»، يتعاظم الدعم الروسي والإيراني ومحور المقاومة لسورية. من جهة أخرى، فإنّ توقيع مذكرات تفاهم سورية ليبية والتنسيق الأمني والسياسي والمعلوماتي بين الحكومتين وافتتاح مقرّات دبلوماسية سورية في بنغازي وإعادة افتتاح السفارة الليبية في سورية هو بمثابة توجيه ضربة لتركيا في ليبيا التي يشتدّ فيها النزاع بين حكومة حفتر المدعومة روسياً وحكومة الوفاق الوطني المدعومة تركياً.
وقد شهدت العاصمة السورية، إعادة افتتاح السفارة الليبية في دمشق، بحضور نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد ووزير الخارجية الليبي عبد الهادي الحويج ووفد ليبي برئاسة نائب رئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن الأحيرش وشخصيات سياسية ودبلوماسية سورية وليبية.
نائب وزير الخارجية السوري
واعتبر نائب وزير الخارجية فيصل المقداد، في تصريح لـ «البناء»، خلال حفل الافتتاح: «أنّ التدخل التركي أصبح غير مقبول فهو يتدخل في الشؤون السورية والليبية ومؤخراً يتدخل في الشؤون الجزائرية والتونسية لذا لا بدَّ من لجم هذا التدخل وعلى الدول أن توحد مواقفها وتعود لممارسة سياسة قادرة على إنهاء استغلال مجرم كأردوغان».
وأوضح المقداد أنه تمّت، خلال اللقاءات التي عقدت في اليومين الماضين، مناقشة كل الجوانب المتعلقة بالعلاقات بين البلدين، وقال: «في المجال السياسي لدينا عدو مشترك هو النظام التركي الذي يحاول قتل السوريين والليبيين وإيواء الإرهابيين بعد استجلابهم من كلّ الدول العربية والعالم. أما في المجال الاقتصادي، وهذا هام، فهناك اتفاق على فتح كلّ مجالات العمل الاقتصادي بين البلدين والتبادل الثنائي وفتح شركات سورية وليبية، بالإضافة إلى اتفاقيات تخصّ الطيران والموانئ وتشغيل الأيدي العاملة السورية في المشاريع الليبية». وشرح أنّ «لدينا 46 اتفاقاً مع وليبيا وسيتم العمل على إعادة إحيائها من جديد. ولدينا 8 شركات سورية ليبية مشتركة تمّ الاتفاق على إعادة تفعيلها».
وأكد أنّ «العلاقات تسير قدماً، خاصة على صعيد مكافحة الإرهاب والتعاون من أجل إنهاء الدور التركي الإجرامي الذي يقوم به رجب طيب أردوغان».
وأضاف: «يأتي افتتاح السفارة الليبية بعد تسع سنوات على إغلاقها، ففي عام 2011 قرّر المجلس الوطني الانتقالي الليبي الاعتراف بما يسمى المجلس الوطني السوري الذي تشكّل في أنقرة مُدَّعياً أنه السلطة الشرعية الوحيدة الممثلة للشعب السوري، وبناء عليه أُغلقت السفارة السورية في العاصمة الليبية طرابلس. وقد أعلن عضو المجلس الانتقالي الليبي آنذاك موسى الكوني في مؤتمر صحافي أنّ المجلس الليبي قرّر إغلاق السفارة السورية في العاصمة طرابلس. وبذلك كانت ليبيا أول دولة تعترف بما سمِّي المجلس الوطني السوري».
واعتبر المقداد أنّ «عودة العلم الليبي ليرفرف فوق سماء دمشق هو مقدمة لعودة أعلام أخرى وإذا كانت ليبيا في أوضاعها الحالية تحدت الجميع وعادت لترفع علمها في دمشق وقريباً سيرفع العلم السوري في ليبيا، فهذا دليل تعافٍ ودليل انحسار الهجمة الكونية على بلدنا سورية ونحن نُدين كلّ ما حصل في ليبيا من قتل ودمار على يد الإرهابيين وعملائهم ومن يدعمهم».
ولفت إلى «أنّ النظام التركي يُصعِّد من هجماته على كلا البلدين»، وقال: «إذا قرأنا السيناريو السوري والليبي وما حدث في سورية وليبيا نجد أنّ العملاء والأدوات تسقط مهما قامت بعض الدول بتقديم الدعم، فأردوغان وغيره من العرب يرسّخون نوعاً جديداً من العلاقات الدولية القائمة على الكذب والتشهير».
وأكد المقداد «أنّ ليبيا بلد مستقل ونحن ندعم نضال الشعب والجيش الليبيين ومتفائلون بتحرير الجزء الصغير الذي بقي من ليبيا ونأمل أن يعود هؤلاء إلى وعيهم فليبيا يجب أن تبقى مُوحّدة».
وتابع: «إننا اليوم نحقق انتصارات كبيرة على الإرهاب ولا يمكن التمييز بين ما يقوم به الجيش السوري والليبي في حربهما على الإرهاب فالانتصار الذي حققته سورية هو انتصار ليس فقط للشعب السوري بل هو انتصار لكل العالم وهؤلاء الذين يتبجّحون بالأوضاع الإنسانية في كلا البلدين عليهم أن يعرفوا أنّ الشعب أراد وصمّم وانتصر ولا بديل له غير ذلك».
وكشف نائب وزير الخارجية السوري أنّ الرئيس بشار الأسد قال أثناء لقائه الوفد الليبي: «إننا عندما نتحدث عن الإرهاب نتحدث عن عدو مشترك وعندما نتحدث عن نضال أشقاء يعملون لطرد الإرهاب فهذا يصبح في شرعيتنا حقّاً مشروعاً».
وزير الخارجية الليبي
بدوره، قال وزير الخارجية الليبي عبد الهادي الحويج: «إنها لحظة تاريخية وطبيعية بالنظر إلى أنّ من الطبيعي أن تكون هناك علاقات مع سورية واستثنائية في زمن الانكسارات والانصياع للمشروع الغربي، وعلاقة البلدين اليوم هي علاقة شراكة متكاملة تصب في مصلحة شعبينا».
وأشار الحويج إلى «أنّ الليبيين جاؤوا إلى المشير حفتر وطلبوا منه تحرير بنغازي ومحاربة الإرهاب فكان جوابه: «لدي شرط واحد وهو أن تتركوا لي أولادكم ليعبّدوا الطريق ويقدموا التضحيات». من هنا بدأت مرحلة تحرير ليبيا عام 2014 ولم يكن لدينا أي دعم سياسي أو قدرات عسكرية فبدأنا بتجميع الشباب من كلّ المناطق الليبية وكان عددهم 170 شخصاً فقط وتمّ تدريبهم على حمل السلاح. واليوم وصلنا إلى 90 ألف عسكري نضالي يقاتلون الإرهاب في كلّ المدن الليبية».
وأضاف: «هذه السفارة ليست سفارة شرق وغرب هي سفارة لكلّ الليبيين، بكافة توجهاتهم السياسية والمناطقية، لأننا نؤمن بأنّ ليبيا واحدة للجميع».
وتابع الحويج: «فتحنا باب التعاون مع سورية في كلّ الملفات، من ضمنها الملف الأمني والمعلوماتي ومكافحة الإرهاب وتفكيك الميليشيات المرتزقة التي جاء بها أردوغان من إدلب إلى طرابلس».
ولفت إلى أنّ أردوغان «قدم دعماً عسكرياً لحكومة الوفاق الوطني في شكل أسلحة وطائرات من دون طيار لكنّ نشر قوات تركية سيكون تصعيداً كبيراً».
ويرى الخبراء المقربون من الحكومة التركية أنّ الوجود العسكري التركي في ليبيا يعزّز نفوذها وموقفها أمام روسيا، ويحقق نوعاً من توازن القوى في المنطقة، حيث نشرت صحيفة «غارديان» البريطانية، مؤخراً، تقريراً قالت فيه إنّ ألفي مقاتل سوري قد وصلوا، أو سيصلون قريباً إلى ليبيا قادمين من تركيا، للقتال إلى جانب حكومة الوفاق برئاسة فايز السرّاج».
ونقلت الصحيفة عن مصادر سورية في الدول الثلاث، سورية وليبيا وتركيا تأكيدها أنّ 300 عنصر من الفرقة الثانية في ما يعرف بـ «الجيش الوطني السوري»، وهو مجموعة من المقاتلين تدعمهم أنقرة، دخلوا تركيا عبر معبر حور كلس العسكري في 24 كانون الأول الماضي، كما دخلت مجموعة أخرى قوامها 350 عنصراً في 29 كانون الأول من عام 2019».
ولتركيا أطماع كثيرة في ليبيا بما يخصّ النفط والغاز الطبيعي فهي تعتمد على استيراد الوقود بالكامل تقريباً، إذ تستورد 99 في المئة من استهلاكها من الغاز الطبيعي، و93 في المئة من استهلاك البترول وأنفقت 42 مليار دولار أميركي تقريباً على واردات الطاقة في عام 2018 ومن المتوقع أن يزيد هذا الرقم إلى 45 مليار دولار إذا ارتفعت أسعار النفط».
وتحصل تركيا على أغلب إمداداتها من الغاز الطبيعي من نيجيريا وإيران والجزائر، لكنّ روسيا لها ثقل كبير كذلك، إذ أبرمت الدولتان خمس اتفاقيات بشأن الغاز بين عامي 1997 و2013 أربعة منها عبر خط البلقان، لكنّ أغلب اتفاقيات الغاز هذه تنتهي بحلول عامي 2021 و2022، ما يجعل تركيا في حاجة إلى البحث عن مصادر بديلة، خاصة مع تغير المشهد السياسي وتورطها في صراعات المنطقة، تحديداً في سورية، وربما تكون ليبيا المصدر الأقرب والأكثر ضماناً لسدّ حاجاتها من البترول والغاز، كما أنّ اتفاق ترسيم الحدود معها يضمن لتركيا نصيباً من موارد الغاز الطبيعي تحت مياه البحر المتوسط. لذلك تسابق تركيا الزمن للحصول على أرباح سياسية واقتصادية، سواء في ليبيا أو في سورية».
الدور الروسي في ليبيا
ترى موسكو أنّ اتفاق السراج وأردوغان هو بمثابة خطر على المصالح الروسية، خاصة في ظلّ منافسة تركيا لروسيا على الساحة السورية، لهذا يرى الكرملين أنّ تورّط تركيا في ليبيا سيضعف أنقرة في سورية، فروسيا تعتبر نفسها ركيزة الغاز في العالم، ووجودها في ليبيا لا يجعلها قريبة فقط من الغاز والنفط الليبيين، بل يجعلها ضمن المحركات السياسية والاقتصادية ومبيعات السلاح في منطقة الساحل والدول الأفريقية جنوب الصحراء.
عن هذا الموضوع والدور الروسي في ليبيا وهل سيكون أكبر في الأيام القادمة مع استماتة اردوغان ليكون له موطئ قدم في كلّ من سورية وليبيا، أكد وزير الخارجية الليبي لـ «البناء» أنّ روسيا «دولة صديقة ومهمّة وتلعب دوراً سياسياً ومحورياً في القضايا الدولية من أجل حلّ الأزمة الليبية، انطلاقاً من الثوابت التي نؤمن بها والتي تقوم على تفكيك الميليشيات في ليبيا وإنهاء الفوضى والتوزيع العادل للثروات وسيكون لها دور أكبر في الأيام القادمة ونحن نرحب بذلك».
المشهد السياسي بعد افتتاح السفارة
عن كيفية انعكاس التفاهم السوري الليبي وفتح السفارة على المشهد السياسي، خاصة مع التدخل التركي في ليبيا والعدوان على سورية، سألت «البناء» الخبير العسكري العميد تركي الحسن الذي أكد «أنّ العدو واحد ومن الطبيعي أن تكون الجبهة واحدة بين سورية وليبيا، فالدولتان لديهما تاريخ مشترك منذ زمن القذافي كانت العلاقة الليبية السورية جيدة والآن البلدان مستهدفان من قبل العدو التركي الإخواني على هذه المنطقة وبالتالي فإنّ استعادة هذه العلاقة هي بمثابة عودة إلى الوضع الطبيعي الذي يقتضي وجود تحالف وتعاون بين البلدين».
وأضاف الحسن: «تركيا تشنّ اليوم هجوماً على سورية وتدفع بالإرهابيين إليها وتدخل مباشرة في المعركة، وكذلك تفعل في ليبيا. هذه لحظة حاسمة ومن الطبيعي أن تتم استعادة العلاقات بهذا الشكل وأن يجري التنسيق بين البلدين من أجل مكافحة العدو المشترك الذي يستهدف الدولتين السورية والليبية. هي نقطة تحول تبدأ اليوم باستعادة العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارة، إضافة إلى التركيز على استئناف التعاون السياسي والعسكري والاقتصادي».
خط العودة مفتوح للجميع
ترغب دول عربية كثيرة بإعادة سفاراتها إلى دمشق من جديد، وبعضها كان في طور العودة لكن مورست عليه ضغوط أمريكية فتراجع عن قراره، ومنها من عاد بالفعل عن طريق التنسيق الأمني والاقتصادي لكن بعيداً عن الإعلام. وفي هذا السياق، اعتبر رئيس تحرير موقع «البوصلة السورية» خالد المطرود في تصريح لـ»البناء» أنّ عودة العلاقات الليبية السورية «هي عودة إلى الأصل وخطوة نحو عودة الآخرين من العرب إلى الأصل أي سورية التي دفعت أثمان أخطاء الحكام العرب والنظام السياسي العربي وجامعة الدول العربية، لذلك هذه الخطوة مهمة بالمفهوم السياسي واستثنائية بالمفهوم الاستراتيجي».
ورأى المطرود أنّ افتتاح السفارة «دليل على أنّ سورية بدأت تتعافى وانتصرت في معركتها ضدّ الإرهاب الذي تعاني منه ليبيا، خاصة الإرهاب المدعوم من النظام التركي.. فالمعركة إذاً واحدة ضدّ الإرهاب ومموليه».
وأضاف: «أن يكون اللقاء في دمشق هو رسالة انتصار للشعب والجيش والقيادة السورية الذين قدموا الكثير من التضحيات والدماء، وعودة العلاقات مع دمشق والانفتاح عليها هي عودة لدور سورية العربي والدولي وهي تمثل أحد أشكال النصر، فالكثير من العرب يريدون عودة العلاقات مع سورية ولو بعيداً عن الإعلام».
وختم المطرود بأنّ ليبيا «استهدفت من خلال الإرهاب والتدخل الخارجي والتركي، لكنّ الشعب الليبي شعب عروبي ومؤمن بالدور الإنساني والحضاري لهذه الأمة لذلك سيعود إلى دوره، فعندما تلتقي طرابلس مع دمشق ستشكلان محوراً هاماً لإعادة النظام العربي السياسي إلى بوصلته الصحيحة والدليل على ذلك موقف الجزائر حيث رفضت انعقاد القمة العربية بغياب سورية».