الخليج محبط من نتائج الانتخابات الإسرائيليّة! فماذا عن ترامب؟
} د. وفيق إبراهيم
كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحكام الخليج يعتقدون أن سياساتهم الأخيرة في دعم رئيس حكومة الكيان الاسرائيلي المحتل بنيامين ناتنياهو كافية لمنح حزبه «الليكود» أكثرية ساحقة في الانتخابات الاخيرة.
حقق نتنياهو أكثرية، لكنها ليست كافية ليتمكن منفرداً من تشكيل حكومة ليكودية صرفة.
وبقي محتاجاً لثلاثة نواب، ليسوا موجودين إلا عند ليبرمان اليميني الأكثر تطرفاً من الليكود.
ما يعكس وجود أزمة بنيوية خطيرة في «إسرائيل» تتعلّق في أن ليبرمان لا يقبل حتى بصفقة القرن فيما حزب أزرق أبيض الذي يترأسه الجنرال المتقاعد غانتس يريد بعض التعديلات على صفقة القرن بشكل يستطيع فيه جذب السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وتطويعها في معادلة لا تصل الى قسوة صفقة القرن ولا تهبط الى معدلات حل الدولتين، كما يفهمه الخليج.
هناك اذاً ثلاث قوى إسرائيلية تمسك بزمام القوة بشكل يكفي التحالف بين قوتين اثنتين منها لتشكيل حكومة، لكن الاختلافات السياسية العميقة بينها تحول دون هذا التركيب.
هناك أيضاً القائمة العربية التي تملك في الكنيست نحو 15 نائباً، لكنها لا تقبل بالتحالف مع اليمينيين الاسرائيليين في الليكود وجماعة ليبرمان، وتريد من غانتس في أزرق ابيض ان يعلن موافقته الكاملة على حل الدولتين حتى تؤيده في حكومته.
هذا هو المأزق الإسرائيلي الذي يتطلب ضغطاً اميركياً قاسياً لتجميع القوى الإسرائيلية الثلاث عند نقطة صفقة القرن على أساس استبعاد القائمة العربية.
لكن دون هذه المعادلة الاميركية الكثير من الممانعات الإسرائيلية المرتبطة بإحساس ينتاب نتنياهو وغانتس بأن تراجعهما عن مفهوميهما للصراع العربي – الاسرائيلي هو خسارتهما لزعامة «اسرائيل» وتراجع حزبيهما.
كما أن موافقة ليبرمان على صفقة القرن تجعله كاذباً الى حدود النفاق عند اليمين الاسرائيلي المتطرف وجناحه الديني الأكثر تشدداً الذي يعتبر ان حدود اسرائيل تشمل الكيان الحالي والضفة وغزة والجولان ومزارع شبعا وكفرشوبا والغجر. ويرون في حلقاتهم السرية أن سيناء المصرية جزء من إسرائيل الكبرى.
لذلك تبدو هذه الانتخابات وكأنه منتج سريع لأزمة داخلية جديدة تتحكم فيها صراعات المشاريع الاستراتيجية وتؤسس لانتخابات أخرى هي الرابعة من نوعها التي لم تؤد الى سيطرة حزبية لواحدة من القوى الإسرائيلية الاساسية.
هذا المعطى الداخلي له تداعيات خارجية خطيرة خصوصاً على الرئيس الاميركي ترامب الذي فعل مع نتنياهو ما لم يفعله اي رئيس اميركي مع «اسرائيل» وكل قياداتها المتواترة منذ خمسينيات القرن الفائت.
نقل له السفارة الأميركية من تل ابيب الى القدس معترفاً بها عاصمة لـ»اسرائيل» مقدماً له الأغوار ونصف الضفة الغربية والجولان السوري المحتل، ولاغياً المشاركات الأميركية في هيئة إغاثة اللاجئين الاونروا بما يعني إلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين في لبنان والأردن وسورية ومصر، واي مكان آخر.
مؤيداً تبادلات ديموغرافية بين فلسطينيي 1948 المقيمين على أراضيهم في فلسطين المحتلة وبين أراض قرب حدود صحراء سيناء.
هناك خدمات اخرى أهداها ترامب لعزيزه نتنياهو وهو ضغطه على دول خليجية لاستقبال وفود اسرائيلية، ورعايته للقاءات بعضها سري الطابع مع قيادات سعودية وإماراتية ومغربية ودفعه السودان لتأسيس علاقة له مع العدو الاسرائيلي.
وكان ترامب ينتظر فوز «صديقه» في الانتخابات الإسرائيلية لرعاية مصالحة تشمل كامل دول الخليج والمغرب مع «اسرائيل» لإعلان حلف عربي إسرائيلي تاريخي معادٍ لإيران والصين وروسيا وسورية وحزب الله والحشد الشعبي العراقي وأنصار الله في اليمن.
لكن نتيجة هذه الانتخابات أصابتهم بصدمة لأنهم كانوا يتوقعون مع كل الخدمات التي تلقاها نتنياهو أن يتمكّن الليكود من تشكيل حكومة جديدة منفرداً ويبدأ عصر صفقة القرن.
إن التداعيات المباشرة لهذه الانتخابات أصابت ترامب في أحلامه بالتجديد له في الانتخابات الرئاسية الاميركية في تشرين الأول المرتقب، وذلك عبر تحشيد اليمين الاميركي والكنائس الانجيلية واصوات اليهود وقوتهم في المجتمع الاميركي على مستوى المصارف والإعلام والفئات الشابة الباحثة عن عمل والمؤيدة لإجراءات ترامب بطرد العمالة الأجنبية من الولايات المتحدة الأميركية.
لذلك يبحث ترامب عن ادوات تحشيد جديدة لكسب ولاء اليهود الاميركيين له ساعياً في الوقت نفسه لكسب أصوات القسم الأكبر من ذوي الأصول العربية بذريعة أنه يقاتل الشيعة العرب بالتعاون مع الخليج.
اما الطرف الثاني الذي أصابته هذه الانتخابات في الصميم، هي دول الخليج العربي، خصوصاً في السعودية، فمعظم دول الخليج كانت ترسم خريطة حلفها المرتقب مع «اسرائيل» على أساس أنه يضرب الدولة السورية بواسطة الحلف الأميركي – الإسرائيلي قاضياً على حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق ومحطماً دولة صنعاء اليمنية لمصلحة إنتاج كانتونات موالية للخليج والأميركيين.
لكن هذا الحلم بدده عاملان اثنان:
الانتخابات الاسرائيلية التي لم تمنح حليف الخليج نتنياهو قوة ضارية ومحكمة، بالإضافة الى نتائج حرب ادلب الذي سجلت فيها الدولة السورية نصراً واضحاً فيما كان الاميركيون والخليجيون يأملون باستمرار المعارك كوسيلة لاستنزاف سورية أولاً وتركيا ثانياً، فلا يبقى إلا الارهاب المحبوب عند الخليج والمتفرّع من الحركة الوهابية وتنظيم القاعدة والمتفرعات.
فهل تشكل هذه المعطيات درساً لحكام الخليج يدعوهم الى العودة الى أمتهم وحماية مصالحها؟ يبدو انه بحاجة الى بدء الصراع مع الأميركيين في شرقي الفرات ليقطعوا أي أمل بسياسة أميركية اعتادت على بيع حلفائها عند عثورها على مغانم في مناطق أخرى.