بعد كلمة رئيس الحكومة ليس كما قبلها… والعبرة بالتنفيذ
} علي بدر الدين
يسجل لرئيس الحكومة حسان دياب أنه نجح في إيصال أكثر من رسالة الى من يعنيهم الأمر من المؤيدين والمعارضين، وفي إقناع جمهور واسع من اللبنانيين بصحة خياراته وتوجهاته وصراحته التي لم يعتد عليها ولم يسمعها من أيّ مسؤول في الدولة منذ عقود، وقد وضع إصبعه على مكان الألم ونقاط الأزمات المتراكمة على حروف المعاناة وتداعياتها الكارثية على الوطن والناس، وأعاد بعضاً من الثقة المفقودة بأنّ الآتي سيكون أفضل إذا ما تضامن اللبنانيون وتوحّدوا وخرج البعض من كهوف ارتهانهم وتبعيتهم ومصالحهم الخاصة.
لم يكن مفاجئاً إعلان رئيس الحكومة قرار عدم قدرة لبنان على سداد ديونه المستحقة اليوم، بل كان متوقعاً ومؤكداً، وقد سبقته معطيات ومؤشرات كشفت بوضوح توجه الحكم والحكومة ومجلس النواب، ولأهميته كان مناسبة جاءت في زمانها ومكانها وظروفها لمكاشفة الشعب بالحقيقة رغم مرارتها وسوداويتها وهي خطوة كانت مطلوبة منذ زمن، لأنه من غير المطلوب أن يبقى الشعب مضلّلا ومثل الأطرش بالزفة، ومن حقه أن يعرف ما يدور حوله، وليس من حق المسؤول أياً كان موقعه أن يخفي الحقيقة عن شعبه ويتلطى خلف الأوهام والنفاق ويتغطى بالوعود الجوفاء ويتعاطى معه باستبداد واستعلاء وتسلط.
انّ خطاب الرئيس دياب نظراً لأهميته وتوقيته والخطر المستوطن والداهم أثار جدلاً واسعاً بين القوى السياسية وردات فعل ايجابية وسلبية ومتحفظة، واستحوذ على اهتمام اللبنانيين الذين اختلفوا حوله ما بين مؤيد ومعارض وفاقد للثقة بكلّ الطبقة السياسية الحاكمة وتاريخها وحاضرها وسياساتها المدمرة وبحكوماتها المتعاقبة ومنها هذه الحكومة التي هي وليدة هذه الطبقة او جزء منها ومن محاصصتها.
وليس من داع للنوم على حرير الخطاب قبل ان يترجم ويتحوّل الى فعل ويضع الحلول على السكة الصحيحة، خاصة أنّ مضمونه يتسم بالواقعية والجدية وينضح بالمسؤولية التي لا يمكن التراجع عنها لأنّ تداعياتها لن تكون في صالح أحد، بل ستكون مدمّرة للبنان ولشعبه ولطبقته السياسية المسؤولة أولاً وأخيراً عن كارثة السقوط المدوّي.
الاهتمام بالخطاب لم يأتِ من فراغ بل لأنه حاكى هواجس اللبنانيين والخطر المتربّص وقدّم فيه وعوداً صادقة للخروج من المأزق الصعب والأزمات الاقتصادية والمالية المشروطة بالوحدة والتعاون والتماسك بين كلّ الحرصاء من القوى السياسية والشعب، والإقلاع عن سياسة «عنزة لو طارت» وعن الاتهامات والتشويه وصبّ الزيت على النار والكلّ في محرق واحد وانّ الوقت ليس للكلام وحده لأنه إذا كان في غير مكانه يفرّق ولا يجمع ويدمّر ولا يعمّر وقد سمع اللبنانيون أطناناً منه ولم يجنوا سوى الفشل وخيبات الأمل والفقر والجوع والمرض والقهر والذلّ. انه وقت العمل والاصلاح ومحاسبة والفاسدين وناهبي المال العام والخاص واسترجاعه قبل فوات الأوان، وهذا ما وعد به الرئيس دياب، ولكن اليد الواحدة لا تصفق ولا بيده عصا سحرية ولا فانوس علاء الدين وقراره حاسم لإنقاذ ما يمكن، وأكثر ما يحتاجه هو وقف الاستهداف والشك والاتهام والوقت الكافي لأنه ليس من السهل على أيّ أحد أن يجتثّ الفساد المعشش في النفوس وكلّ مكان بين ليلة وضحاها ولا يقدر على فكفكة ٣٠ سنة من منظومة الفساد والمحاصصة والصفقات والتشبيحات في كلّ القطاعات الحكومية والإنتاجية والمصرفية.
انه خطاب لم يترك صغيرة أو كبيرة ولا شارده او واردة رسم فيه خريطة طريق جديدة مفعمة بالأمل والعمل ومن خلالها دق ناقوس الحذر والخطر وبأن لا خيمة ولا غطاء ولا خطوط حمر على الفاسدين، وكان يكفي ان يعلن عن قرار حاسم وحيد يدكّ فيه عروش الفاسدين والإشارة اليهم ولو مواربة لاكتملت تاريخية هذا الخطاب وذاع صيته وصفق له اللبنانيون وأقاموا الاحتفالات وأطلقوا المفرقعات ابتهاجاً لأنهم متشوّقون لرؤية الفاسدين في قفص الاتهام وخلف القضبان، وكان رئيس الحكومة لتعقيدات ملف الفساد وحساسيته أراد مقاربته خطوة خطوة بدأها بدقّ إسفين تحذيري فيه على قاعدة كلّ شيء في وقته حلو واعذر من أنذر…
انّ مسؤولية الحكومة بعد قرار عدم سداد استحقاق الدين باتت مضاعفة وثقيلة ضاغطة، وانّ بعد خطاب رئيسها ليس كما قبله والكرة في ملعبه والآمال كثيرة وكبيرة والفرصة لا تتكرّر ولكن العبرة بالتنفيذ…