أولى

يوم بذكريات عديدة

 معن بشور

يبقى يوم الثامن آذار يوماً حاشداً بذكرياتفيها المفرح، فيها المؤلم، ذكريات قد تتباعد في الزمان أو المكان، لكنها تلتقي جميعها عند فكرة واحدة، فكرة النضال من أجل عالم أفضل، وفكرة المقاومة بوجه كلّ ظلم أو عدوان.

فعلى الصعيد اللبناني يتذكّر اللبنانيون، ومعهم أبناء أمتهم واحدة من أبشع المجازر، التي باتت حوادث عادية في حياة العرب والمسلمين، هي مجزرة بئر العبد عام 1985، حيث كان استهداف المرجع السيد محمد حسين فضل الله (رحمه الله) بعد صلاة الجمعة عبر تفجير إجرامي ذهب ضحيته أكثر من 80 شهيداً، ولم يكن خافياً على أحد أنّ هدف تلك الجريمة كان اغتيال قامة عالية رفعت صوتها ضدّ الاحتلال الصهيوني، ودعت إلى مقاومة باسلة، كان العدو الأميركيالصهيوني أكثر من غيره إدراكاً لخطورتها عليه.

وعلى الصعيد العربي، يبقى الثامن من آذار 1963، يوماً لإسقاط حكم الانفصال المشؤوم على يد ضباط ومناضلين وحدويين، بعثيين، وقوميين عرب وناصريين، في سورية، ليعيد لسورية دورها العربي النهضوي التحرري المقاوم.

وهو دور يفسّر حجم الهجمات المتعدّدة التي واجهتها سورية، عبر العقود المنصرمة، وآخرها تلك الحرب المستمرة من 9 أعوام، التي استهدفت أمنها الوطني والقومي وسلامها الأهلي ووحدتها واستقلالها ودورها القومي المقاوم والرافض لكلّ استسلام.

ولقد كان الثامن من آذار 1920، أيضاً يوماً لاستقلال سورية حين أعلن أهلها المجتمعون أمام بلدية دمشق لمبايعة الملك فيصل بن الحسين ملكاً على سورية المستقلة بعد عقود من الحكم العثماني، وقبل دخول القوات الفرنسية إليها بعد أربعة أشهر ليقود وزير الدفاع في الحكومة السورية الشهيد يوسف العظمة مقاومة ضارية على أبواب دمشق في معركة ميسلون في 24 تموز/ يوليو، وهي معركة لم ينتصر فيها السوريون يومها، لكنهم واصلوا ثوراتهم في كلّ أنحاء سورية حتى خرج المستعمر في نيسان 1946.

ويتذكّر أبناء مصر خصوصاً، والأمة عموماً، في مثل هذا اليوم 9 آذار 1968، مَن استشهد على جبهة القتال المصرية مع العدو الصهيوني هو رئيس أركان الجيش المصري (الجيش الثاني في الجمهورية العربية المتحدة) الفريق عبد المنعم رياض الذي اختاره القائد جمال عبد الناصر لإعادة بناء الجيش المصري بعد هزيمة 1967، فاختار هو أن يبقى مع جنود جيشه في الخطوط الأمامية حتى استشهاده بقذائف العدو وهو على بعد أمتار منهم، فقدّم نموذجاً للقادة الحقيقيين، ورافعاً معنويات جيش مصر  ليعبر بعد سنوات إلى سيناء ويحرّرها من رجس الاحتلال.

ولا ينسى أيضاً أحرار العراق وفلسطين والأمة ذكرى استشهاد القائد الفلسطيني محمد العباس (أبو العباس) أمين عام جبهة التحرير الفلسطينية على يد جلادي الاحتلال الأميركي في سجونهم في العراق في مثل هذا اليوم من عام 2004، مقدّماً بذلك نموذجاً لوحدة النضال العربي، ورمزاً لوحدة المقاومة الفلسطينيةالعراقية ضدّ الاحتلال الأميركيالصهيوني، مؤكداً أنّ الأمة تخوض معركة واحدة في أقطار متعددة، وأنّ العراق ما كان ليستهدف بتلك الحرب العالمية عام 2003، لولا مواقفه الشجاعة، على مدى عقود، من العدوان الصهيوأميركي على الأمة كلها.

أما على الصعيد العالمي، فالاحتفال بيوم المرأة في الثامن من آذار كلّ عام بعدما اعتبرته الأمم المتحدة يوماً عالمياً عام 1977، بناء على اقتراح المناضلة الألمانية الاشتراكية كلارا زتكن عام 1910. فهو احتفال لا يخصّ المرأة وحدها، بل البشرية جمعاء التي لا تقوم أساساً، ولا تنهض، ولا تتطوّر إلا حين تتحقق فيها عدالة كريمة لا تميّز بين الناس على أساس الجنس والعرق والدين واللون، بل خصوصا بين المرأة والرجل، في الحقوق والواجبات، وفي تحمّل المسؤوليات السياسية والاجتماعية وإنهاء ذلك التمييز البشع بين نساء العالم ورجاله.

ولعلنا في احتفالنا في يوم المرأة العالمي نتذكّر سبب اختيار العالم للثامن من آذار يوماً عالمياً للمرأة هو أنه في 8 آذار ارتكب «رأسمالي أميركي متوحش» مجزرة بحق عاملات مضربات في معمل للنسيج، حيث أقفل المصنع عليهن وقام بإحراقهن جميعاً (١٢٨ عاملة) في دليل جديد على التوحّش الاستعماري الأميركي القديم والجديد

إنّ استعادة هذه الذكرياتالمحطات في تاريخنا وتاريخ البشرية ليس حنيناً إلى ماض نعتز به فحسب، بل هو دعوة لنستلهم المعاني العميقة التي تنطوي عليها هذه المحطات، فنطوّر الإيجابي منها، ونسعى لتجاوز السلبي منها، لا سيما ما كان نتيجة ذهنية الانقسام والاحتراب بين أبناء الأمة بكلّ تياراتها، بل بين أبناء كلّ تيار، مما شكل عاملاً رئيسياً لواقع التردّي والإحباط الذي تشكو منه حالنا كأمة في هذه الأيام.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى