مُفارقة سياسية… هل يعود أردوغان الى الطريق السياسي الصحيح؟
} ربى يوسف شاهين
في قراءة مُعمّقة للأحداث السياسية التي طفت على الساحة الإعلامية الدولية، بالنسبة لما يحدث على الساحتين السياسية والعسكرية في سورية، يتبيّن انّ البركان العسكري الذي انفجر عقب تحرير الجيش السوري لريف حلب الغربي، وشكلت سراقب المركز لحمم البركان التي فجرها النظام التركي والمجموعات الإرهابية، بالتعاون مع جنود اتراك لاقوا حتفهم فيها؛ اشتعلت ألسنة النار بين الجيش العربي السوري والحليف الروسي من جهة، وبين المجموعات الإرهابية والجنود الأتراك من جهة أخرى، وما حاولوا هندسته في سراقب كان مقبرتهم، فقد استطاع الجيش السوري استعادتها إلى حضن الوطن.
وفي مقاربة بسيطة مع ما يحدث على الارض السورية، وما يجري في الداخل التركي من شجب واستنكار لما يُخطط ويرسم له الرئيس رجب طيب أردوغان، خاصة بعد مقتل جنوده، بدأ الداخل التركي بالتخوّف وإعلاء الصوت رفضاً لقرارات رئيسهم، ومشاهد العاصفة لاحت في عراك عنيف داخل البرلمان التركي بين عضوين من حزب الشعب وحزب التنمية والعدالة.
وبالرغم من انّ التصريحات التي خرجت من الجانب الرئاسي التركي بعد مقتل الجنود الأتراك، كانت تُهدّد وتتوعّد بالانتقام، واستطاعت ان تطلق الطائرات المُسيّرة بشكل مكثف على مواقع القوات السورية، إلا انها لم تستطع تحقيق السيطرة على مدينة سراقب الاستراتيجية، فبخسارتها وحلب خسرت الطريقين الدوليين M4و M5.
ولذلك جاءت طلب أردوغان للقاء نظيره الروسي بوتين، فالأمر خرج عن قدرة الأول على التحمّل وبات لا بدّ من العودة وإمساك العصا من المنتصف، لعله يلقى الرضا من الداخل التركي ومن روسيا.
فحسابات السياسة التركية لم تأت توافقية مع الميدان السوري بعد الخسائر الكبيرة التي لحقت بالمجموعات الإرهابية والجنود الاتراك.
لقاء الرئيسين الروسي والتركي في موسكو 5/3/2020 خرج بمذكرة تفاهم من ست نقاط رئيسية يمكن إيجازها على النحو التالي:
1 ـ تحديد التوافق الروسي التركي على انّ النزاع السوري ليس له حلّ عسكري، وتطبيق وقف لإطلاق النار في إدلب ابتداء من الساعة 0:00 من يوم 6 آذار.
2 ـ إنشاء ممرّ آمن على بعد 6 كم شمال الطريق السريع m4 (حلب – اللاذقية) وجنوبه.
3 ـ تسيير دوريات روسية تركية مشتركة على طول الطريق السريع M4 ابتداء من 15 آذار.
4 ـ تجديد الالتزام المشترك بسيادة سورية والعزم على مكافحة الإرهاب.
5 ـ احتفاظ تركيا بحقها في الردّ على تصرّفات قوات الحكومة السورية.
لكن الواضح مما سبق انّ الدبلوماسية الروسية استطاعت كالعادة من إعادة الاعتدال لكفي النزاع القائم على الساحة السورية، والأهمّ هو لصالح الدولة السورية مع إعطاء الجانب التركي بندين ضعيفين كتقديم إصبع حلوى لإلهاء الجانب التركي، ريثما تتبلور حقيقة أفعاله وجماعاته الإرهابية على الارض السورية.
القيادة الروسية نجحت في ضمان تثبيت نقاط الجيش السوري وإرغام الطرف التركي للعودة إلى منصتي استانا وبنود سوتشي الميدانية، ولكن مع الحفاظ على التقدم المُحقق للقيادة السورية والروسية على الارض.
فهل يعود أردوغان إلى الاتجاه الصحيح؟
لعلّ الاحتمالات الواردة لقراءة الأحداث التي طرأت منذ انتصار مدينة حلب بأكملها، واقتراب الجيش السوري من مدينة إدلب، مع كمّ المتغيّرات التي ترافقهما سياسياً في المنطقة وخاصة الداخل التركي، والتقارب الليبي السوري ورفع العلم الليبي على الأرض السورية من قبل الجانب الذي يحاربه أردوغان عبر السراج، قد جعل من الرئيس التركي يتلمّس حجم الخسائر التي بات يتكبّدها سياسياً وعسكرياً، لذلك احتفظ له ببند هام جداً يتفوّه به عند لقاء القيصر الروسي بوتين والذي هو «التأكيد على تحقيق السيادة السورية على كامل اراضيها». هذا البند يوافق عليه دائماً الرئيس التركي ليأمن له مخرجاً غير محرج، عند هزيمته النهائية وأفراد مجموعاته الإرهابية.
في المحصلة… في الحروب ليس هناك من ثوابت للمعتدي، وإمكانية تغيير الأدوار قائمة، وهذا ما قد نشهده من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خاصة انّ حلف الناتو لم يقدّم له سوى الدعم السياسي، وكذلك الاتحاد الأوروبي رفض تهديده لهم باللاجئين، والأهمّ لأن الميدان السوري فرض كلمته وهي السيادة السورية على كامل التراب السوري.