السعودية في زمن التحوّلات… أمراء وعرش واحد؟!
} د. حسن مرهج
تكهّنات كثيرة رافقت تسريبات الصحافة الأميركية، لجهة اعتقال شقيق الملك السعودي وولي عهده السابق، بالتزامن مع تسريبات مصدرها الديوان الملكي السعودي، حول أنباء عن وجود مؤامرة جرى التحضير لها للانقلاب على وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، وأنّ كبار أفراد العائلة المالكة حصلوا على أدلّة على محاولة انقلاب، ودعمت هذه المصادر الواقعة بالحديث عن اتساع دائرة الاعتقالات التي طالت عملياً بعض أهمّ الشخصيات في العائلة المالكة نفسها، وعشرات المسؤولين الحكوميين والعسكريين، وعلى رأس قائمة الاعتقالات أحمد بن عبد العزيز، شقيق الملك سلمان، ومحمد بن نايف ولي العهد السابق، وشقيقه نواف بن نايف، كما استدعت وزير الداخلية الحالي عبد العزيز بن سعود بن نايف، ووالده سعود بن نايف، أمير المنطقة الشرقية والابن الأكبر لوليّ العهد السعودي الأسبق نايف بن عبد العزيز، لاستجوابهما من قبل الديوان الملكي في ما يتعلق بعملية الانقلاب المزعومة.
التعمّق في حيثيات ما سبق، يأخذنا مباشرة إلى جملة من التناقضات في السياسة السعودية داخلياً وخارجياً، إضافة إلى رغبة محمد بن سلمان الجامحة، للاستحواذ على عرش أبيه، ضارباً عرض الحائط كلّ أمراء آل سعود، ودون التشاور معهم أو التباحث لجهة تسلّمه مقاليد الحكم، ما يعني صراحة أنّ ابن سلمان يدقّ مسماراً جديداً في نعش الأسرة السعودية الحاكمة، إذ لا يمكننا أن ننكر بأنّ شقيق الملك السعودي أحمد بن عبد العزيز آل سعود، يحظى بالكثير من الدعم من قبل كافة الأمراء، كما أنّ علاقاته الخارجية لها تأثير ضارب في هندسة سياسات المملكة، الأمر الذي يشي ببداية الدخول في نفق مظلم قوامه تحالفات داخل الأسرة الحاكمة، وتشظي في الخيارات والسياسات الداخلية.
السياسة الجديدة التي اعتمدها ولي العهد محمد بن سلمان يمكن وصفها بسياسية «الفأس الضاربة»، فقد وقعت هذه الفأس على رأس أحمد بن عبد العزيز، لأنه يُعتبر الوريث الطبيعي لخط التسلسل المتبع الذي سارت عليه العائلة السعودية بعد وفاة المؤسّس عبد العزيز بن سعود، وكذلك على محمد بن نايف، ولي العهد السابق وشقيقه نواف، لكن المقصود، في الحقيقة، هو أيّ أمير سعودي آخر يتمتع باحترام داخل الأسرة المالكة، أو لديه سيرة سياسية مرموقة وتقدير لدى المنظومة الدولية (وخصوصاً الأميركيين)، وقد نمت هذه المصداقية بالتناظر مع درجة الانحدار السياسي الذي تعرّضت له سمعة محمد بن سلمان، والسعودية عموماً، بسبب جملة من الأخطاء اقترفها ابن سلمان، ولا تبدأ بحرب اليمن العبثية، ولا تنتهي بتقطيع الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول.
التوصيف الحقيقي لما حصل في السعودية مؤخراً، هو انقلاب كامل الأوصاف على الأسرة السعودية الحاكمة كبيرها وصغيرها، خاصة أنه في وقت سابق قدّم محمد بن سلمان بضمانات لـ واشنطن بعدم تكرار أخطائه المحرجة إقليمياً ودولياً، على خليفة اعتقال الأمراء في واقعة «الريتز»، ما يعني أيضاً هو انقلاب على الضمانات الأميركية، وعلى الرأسمال السياسي لكامل العائلة المالكة، وليس على منافسيه المحتملين فحسب، فـ السيرة الذاتية لولي العهد السعودي امتلأت بأخطاء سياسية كارثية، محلية وإقليمية وعالمية، وأعطت بشكل غير مباشر وزناً ومصداقية كبيرين للأمراء الكبار الآخرين، ما يُترجم ردة فعل الأمير الشاب على أركان عائلته.
حقيقة الأمر أنه في داخل الأسرة الحاكمة في السعودية، بات هناك تياران، أحدهما موالٍ لسياسات ابن سلمان، والآخر مناهض له، خاصة في استمرار حرب اليمن، والتي لم تُحقق أياً من أهدافها، بل على العكس فقد زادت هذه الحرب طين آل سعود بلة، حتى أنّ أموال المملكة قد تمّ تبذيرها في جوانب كالحرب واسترضاء الأميركيين، وهذا ما لا يناسب غالبية أمراء آل سعود وعلى رأسهم شقيق الملك أحمد بن عبد العزيز آل سعود، فضلاً عن السياسات الداخلية التي ظاهرها انفتاح، وباطنها تمزيق لأسس المجتمع السعودي المحافظ، يُضاف إلى ذلك، أنّ جُلّ الشيوخ السعوديين باتوا في أقبية وزنازين محمد بن سلمان، وكلنا يعلم أنّ هؤلاء الشيوخ لهم حظوة عند أمراء آل سعود بمجملهم، لتكون النتيجة لتصرفات الشاب ولي العهد، قد أخذت السعودية إلى مسار مبهم، ولا نهاية له.
في الواقع، نحن نريد السعودية مُستقرة ذات بوصلة محدّدة تؤطرها المصالح العربية والإسلامية، ولا نريد سعودية مشرذمة تحكمها الخلافات السياسة الداخلية أو الحروب الخارجية، أو التبعية لواشنطن التي تُريد حقاً أن تكون شرارة الحرب مع إيران انطلاقاً من الأراضي السعودية، وما يهمّنا كعرب بقاء السعودية قوية بسياساتها وأهدافها الإقليمية والدولية، إذ لا يُمكننا أن ننكر بأنّ الثقل السعودي النابع من رمزية موقعها، يهمّنا كعرب بالدرجة الأولى.
في المحصّلة، بصرف النظر عما سبق من وقائع ومعطيات، إلا أنّ الواضح أنّ محمد بن سلمان يُخطط لما هو أبعد من انقلاب داخلي، فالهروب إلى الأمام وتجاهل الإشكاليات التي ولدتها حرب اليمن والانكسار السعودي هناك، والسياسات الداخلية المُعتمدة على التضيق ضدّ حرية الرأي، لن تكون سياسة الهروب إلى الأمام إلا هاوية ستطيح بولي العهد، وتأخذ السعودية إلى نهايات سوداء.