إيران وتركيا وفلسطين…
} شوقي عواضة*
لم يكن الإسلام ديناً عربياً اختصّ الله فيه العرب، بل كان رسالة سماوية خصّ بها ربّ العالمين أصدق الناس وأمينهم على أداء الرسالة محمد، وقد حسم القرآن الكريم هذه الجدلية في الآية 107 من سورة الأنبياء (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
بعد وفاة الرسول بدأت الفتوحات الإسلامية في عهد الخلفاء فوصلت إلى بلاد الشام والأندلس وبلاد فارس والأناضول وغيرها حيث سجل فيها المسلمون انتصارات وفتوحات في تلك البلاد ومنها بلاد فارس التي شهدت عدة معارك خاضها المسلمون أهمّها معركة اليس المعروفة باسم معركة نهر الدم، وصولاً إلى معركة القادسية التي يتغنّى بها العرب على أنها من معارك الأمجاد العربية وما تلاها من حملات وغزوات وفتوحات لبلاد فارس لم تكن تحت أيّ مسمّى عربي بل كانت تحت عنوان الفتوحات الإسلامي، وسجلت انتصارات للإسلام وليس للعرب لأنها لم تكن حرباً قومية أو عشائرية أو إثنية، إنما كانت حروباً وفتوحات إسلامية انتصر فيها الإسلام على الوثنية عند الفرس حينها مثلما انتصر على الجاهلية والوثنية عند العرب.
استمرت الفتوحات ما بعد الخلفاء مروراً بالدولة الأموية والفاطمية والعباسية وصولاً إلى الدولة العثمانية ومؤسّسها عثمان بن سليمان شاه التركماني، المعروف بعثمان الأول، أول سلاطين السلالة العثمانية التي حكمت البلقان، والأناضول، والمشرق العربي، وشمال أفريقيا طيلة 600 عام عانى خلالها العرب والمسلمون أبشع أنواع الظلم والقتل وسفك الدماء وسرقة خيرات بلادهم طيلة فترة حكم العثمانيين الذين كانوا شركاء في تسليم فلسطين لليهود ونشوء الكيان الصهيوني الغاصب.
تحت راية الإسلام وباسم الفاتحين والمدافعين عنه كان العثمانيون أكثر المتآمرين على فلسطين والمنطقة من خلال تقاسمهم خيرات البلاد واستعمارها بالتعاون مع البريطانيين والفرنسيين والايطاليين.
سياسة أقرّها عثمان الأول ولم تسقط بسقوط دولتهم عام 1922 بعد إعلان قيام الجمهورية التركية، بل رسخها الأتراك واعتمدوها وطوّروها وأصبحت من صلب السياسات التركية التي تتجلى اليوم في أردوغان الذي يتستّر براية الإسلام فاتحاً ومدافعاً عن الإسلام والسنة، وهو الذي لم يشهر سيفه إلا في وجه أهل السنة، وكأنّ التاريخ يعيد نفسه، ففي فترة حكم العثمانيين كان اليهود يغزون فلسطين ويمعنون في ارتكاب المجازر بحق شعبها واغتصاب أراضيهم كان السلطان العثماني منشغلاً في فتوحاته لمصر وبلاد الشام لإسقاط نظام محمد علي، الذي كان من أولويات الدولة العثمانية، التي يؤكدها عملياً أردوغان الذي يرى أنّ إسقاط الرئيس بشار الأسد وشنّ عدوان على سورية قلعة المقاومة هو أولوية قبل فلسطين.
يرسل مقاتليه لتحرير ليبيا من أبنائها ولا وجود لفلسطين في أجندة فتوحاته وكأنه لم يقرأ تاريخ أجداده جيداً أو لعله لم يفهم أنّ التاريخ لا يخطه إلا الشرفاء والمقاومون وأنّ المستبدّين إلى زوال.
التاريخ القريب يشهد على المواقف التركية الإيرانية منذ احتلال فلسطين حيث كانت إيران الشاه وتركيا أول وأكبر دولتين إسلاميتين تعترفان بشرعية الكيان الغاصب لفلسطين منذ نشوئه، وأقامتا علاقات معه وفتحتا سفارات، حتى أنّ الشاه كان أكثر تقرّباً للصهاينة من خلال مواقفه ودعمه لهم في عدوان أكتوبر عام 1973.
أُسقط موقف إيران بسقوط الشاه بعد انتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني الذي أقفل السفارة الصهيونية وكان أول من فتح سفارة فلسطينية في خطوة لم يجرؤ على الإقدام عليها أيّ زعيم عربي أو إسلامي. وكأنّ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 جاء تعويضاً لفلسطين وللمقاومة عن خروج مصر من معسكر المواجهة بعد توقيع مصر السادات معاهدة الذلّ في كامب ديفيد.
وبالرغم من ذلك لا يزال أغلب المتغنّين بالفتوحات الإسلامية التي لم يعرفوا منها إلا اسمها يتسابقون نحو نيل الرضا الأميركي والتطبيع مع العدو الصهيوني لم يشهروا سيفاً ولا قرطاساً في مواجهة الكيان الصهيوني، أو في نصرة الشعب الفلسطيني، في حين يستشرسون في مؤامراتهم لتفتيت الأمة وإضعاف قوّتها لأنهم لم يدركوا بأنّ فلسطين ستجلد كلّ سجانيها وستحاكم وتسقط كلّ متآمر عليها أيّاً كان… والقادم سيثبت ذلك.
*كاتب وإعلامي
الحرب البيولوجية الأميركية ضدّ إيران