الإقتصاد الغربيّ والخليجيّ يواجه أضخم أزماته منذ عقود… ونتائج سياسيّة تعبّر عن التراجع كورونا وبدء التأقلم الوطنيّ… وتثبيت سعر الصرف ثاني إنجازات الحكومة دعوات قضائيّة لتوظيف مطالعة وزيرة العدل نحو ثورة قضائيّة لا طائفيّة
كتب المحرّر السياسيّ
قفز الوضع الاقتصادي العالمي إلى الواجهة بقوة، تحت إيقاع ترددات زلزالين كبيرين: الأول القرار الروسي بزيادة إنتاج النفط لاستثمار الركود الاقتصادي الناتج عن تعطل الاقتصاد العالمي بتأثير انتشار فيروس كورونا، لجعل سعر البرميل تحت الـ30 دولاراً، كسقف سعر يحول دون مواصلة الاقتصاد الأميركي للرهان على النفط الصخري الذي يشكل ثلث الإنتاج الأميركي من النفط أي قرابة الخمسة ملايين برميل يومياً، فيما تكلفة البرميل تقارب الـ30 دولاراً، وقيام السعودية بزيادة إنتاجها لتعويض خسائرها الناتجة عن تراجع الأسعار ما زاد الأزمة وضرب الأسعار أكثر. والثاني هو حالة التسابق التي تشهدها البورصات العالمية للحفاظ على المكاسب النقدية والخروج من حمل الأسهم، بتأثير توقعات التراجع في الأسعار بنتيجة الركود المصاحب لانتشار فيروس كورونا، ما تسبّب بذاته بسقوط الأسعار بصورة مدوّية تخطت الـ10% في يوم واحد، وأدّى إلى تعليق التداول في وول ستريت لربع ساعة ريثما يتم التمكن من السيطرة على الموقف مؤقتاً، في ظل حال ذعر يعيشها المستثمرون ويتوقع أن ترتب مزيداً من الانهيارات، التي تظهر أوروبياً وأميركياً بقوة، لكن تداعياتها الخليجية تبدو الأسرع، حيث سعر النفط مصدر تمويل الموازنات الخليجية التي بات محسوماً وقوعها تحت عجز كبير للعام 2020. وتوقعت مصادر متابعة مالية تداعيات سياسية كبيرة للأزمة التي لا تزال في بداياتها، وتوقعت أن يتأثر مشهد السابق الانتخابي الأميركي كثيراً بهذا العامل، فاتحة الباب لاحتمال أن يصبّ الماء أكثر في طاحونة المرشح الديمقراطي بوب ساندرز، بينما يمكن للأزمة أن تحمل تطورات خليجية من نوع الدفع بقوة لوقف الحرب على اليمن بداعي العجز عن مواصلة تمويلها وسواها من المتغيرات التي لا يمكن التنبؤ بها لكن الحاجة ضرورية لرصدها وتتبعها.
في مواجهة فيروس كورونا سجل تطوّران إيجابيان، الأول هو ظهور درجة اعلى من الأيام التي مضت من تأقلم المواطنين مع شروط الوقاية وأخذها على محمل أعلى من الجدية، بعد فترة ساد خلالها الاستهتار، وظهور تأقلم وطني أعلى مع الحاجة للفصل بين الوطنيّة والسياسة في التعامل مع الأزمة، والترفّع عن لعبة تسجيل النقاط فيها لحساب التضامن والتآزر الوطنيين لأن القضية اكبر من مجرد لعبة سياسية يخرج فيها منتصر ومهزوم. ومع تسجيل رابع الوفيات بالفيروس وتثبيت 66 إصابة في لبنان، حافظ لبنان على مكانته بين الدول المصابة بالفيروس مع تحسّن نسبي، بحيث بلغ رقم الـ42 من حيث عدد الإصابات، والرقم 23 من حيث نسبة المصابين لعدد السكان مع نسبة 10 بالمليون مقابل نسب فوق المئة بالمليون سجلتها دول كإيطاليا وكوريا الجنوبية والدنمارك والنروج وسويسرا.
إلى جانب هم كورونا المقيم، كان الاهتمام الحكومي بتثبيت سعر الصرف لدى الصرافين، وفقاً لتعميم مصرف لبنان، حيث عقد اجتماع مالي قضائي أمني برئاسة رئيس الحكومة، قالت مصادر متابعة للاجتماع إنه انتهى بقرار حاسم باتخاذ إجراءات رادعة لفرض التقيد الدقيق بالتعميم، وإن الحكومة تنظر للقرار التطبيقي للتعميم بوقف التلاعب بسعر الصرف لدى الصرافين واعتماد سقف الـ2000 ليرة للدولار، كثاني إنجازاتها بعد قرار الامتناع عن سداد سندات اليوروبوند ومنحها الأولوية لتأمين احتياجات اللبنانيين بما لديها من عملات صعبة، تراهن أن تتحسّن قدرتها على إدارتها مع تراجع سعر النفط، حيث تشكل المستوردات النفطية لحساب الكهرباء وتأمين حاجات السوق من المشتقات أكبر عبء مالي على الدولة ومصرف لبنان.
في السياسة، حضرت التشكيلات القضائية على السطح بعد كتاب وزيرة العدل الاعتراضي الموجّه إلى مجلس القضاء الأعلى، وفيه عملياً تركيز على غياب المعايير الموضوعية التي ترتبط بالدرجة القضائية وسنوات الخبرة من جهة والتحصيل العلمي في مجالات الاختصاص المدنية والتجارية والجزائية من جهة موازية، وربط الحديث عن النزاهة والأهلية بملفات التفتيش القضائي، وبالتوازي دعوة لتحرير المناصب القضائية من الحصرية الطائفية، وملاحظة شكلية تتصل بعدم عرض تشكيلات المحكمة العسكرية على وزيرة الدفاع، وقالت مصادر قضائية إن تفاعلاً إيجابياً يجري بين القضاة لجهة الاستثمار على المطالعة التي تضمنها كتاب الوزيرة للامتناع عن الدخول في لعبة محاصصة تنطلق من باب السعي لإرضاء التيار الوطني الحر بربط التشكيلات في المحكمة العسكرية بموافقة وزيرة الدفاع ومن خلالها رئيس الجمهورية، معتبرة هذا أسوأ ما يمكن أن يحدث، بينما الفرصة متاحة لثورة قضائيّة تحاكي ما حدث في بلدان شهدت أزمات شبيهة اهتزت معها السلطة وضعفت قبضتها وفتح الشعب الباب للقضاة ليكونوا ضمير التغيير. وتساءلت المصادر لماذا لا يبادر مجلس القضاء الأعلى إلى الإعلان عن إلغاء طائفيّة القضاء وفي قلبه إسقاط المحميّات السياسية، ويضع معايير مهنية شفافة يفاجئ الجميع بها؟
وبقيت أزمة مرض “كورونا” في صدارة المشهد الداخلي نظراً لارتفاع مخاطر هذا الفيروس في العالم.
وتحوّلت المقار الرئاسية والحكومية أمس، خلايا نحل لمتابعة مستجدات الازمة وسبل مواجهتها بعد ارتفاع عدد الإصابات إلى 75 مع تسجيل 7 إصابات جديدة امس، وحالة وفاة واحدة.
وأعلن المستشفى الحكومي في تقريره اليومي المعلومات التالية: “العدد الإجمالي للحالات التي تم استقبالها في الطوارئ المخصّص لكورونا خلال الـ24 ساعة الماضية: 158 حالة، احتاجت 17 حالة منها إلى دخول الحجر الصحي، فيما يلتزم الباقون الحجر المنزلي. العدد الإجمالي للفحوص المخبرية: 206. النتائج السلبية: 199. النتائج الإيجابية: 7. وغادر المستشفى 19 شخصاً كانوا في منطقة الحجر الصحي بعد أن جاءت نتيجة الفحص المخبري سلبية. 14 حالة في منطقة الحجر الصحي.
العدد الإجمالي للحالات الإيجابية داخل المستشفى 38 حالة. وضع المصابين بكورونا مستقر ما عدا حالتين وضعهما حرج، وجميعهم يتلقون العناية اللازمة في وحدة العزل».
وأعلن وزير الصحة العامة الدكتور حمد حسن بعد جلسة طارئة للجنة الصحة النيابية أن «تجهيز المستشفيات الحكومية بحاجات آنيّة بدأ بهبة من الهيئة العليا للإغاثة. وهناك دعم من كل من منظمة الصحة العالمية واليونيسف التي أبدت استعدادها لتأمين بدلات حماية الأطقم الطبية والتمريضية (PPE)». وأكد الاستمرار في العمل لحماية المجتمع على قدر عالٍ من المسؤولية مع التركيز على الالتزام بكل التدابير والتوصيات والتعليمات الصادرة عن وزارة الصحة العامة والمرجعيّات الطبيّة المعنيّة».
بدوره لفت رئيس اللجنة النائب عاصم عراجي إلى أن «وباء كورونا يشكل أزمة وطنية، تتطلّب وقوف الشعب اللبناني صفًا واحدًا لمعالجة المشكلة. فالمرض معدٍ وعابر للقارات ويتنقل من بلد إلى آخر من دون إذن من أحد. ومن المفترض أن نكون يدًا واحدة في مكافحته». وحذّر عراجي من أن «ازدياد عدد المرضى سيطرح الحاجة لاستعمال أجهزة تنفس اصطناعي في حين أن في لبنان 500 جهاز تنفس اصطناعي، وثمة احتمال بحصول نقص في هذا الأمر».
وبدت شوارع بيروت أمس، شبه خالية من السيارات والمارّة بعدما أقفلت المحال التجارية والمطاعم والفنادق والنوادي والتجمعات العامة فيما سجل ارتفاع نسبة التزام المواطنين بالارشادات الصحية الوقائية لا سيما البقاء في المنازل وعدم الاختلاط والاحتكاك درءاً لانتقال المرض.
كما توقفت حركة الملاحة الجوية والبحرية وقد بدا مدرج مطار بيروت خالياً من الطائرات والموظفين.
وحضرت المستجدات الصحية على طاولة مجلس الوزراء في بعبدا، وتطرق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في مستهل الجلسة الى الإجراءات المتخذة لمكافحة فيروس كورونا، وشدّد على «وجوب المضي في اتخاذ التدابير الواقية للحدّ من انتشاره»، ورحّب بـ «المساعدات التي يمكن أن تقدم للبنان في هذا الإطار». وبحث المجلس في جدول أعمال من ثمانية بنود أبرزها متابعة بحث مستجدّات الوضعين المالي والنقدي بالإضافة إلى أمور طارئة لاتخاذ القرارات المناسبة في شأنها.
وأعلنت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد نجد أن «تحضير المستشفيات الحكومية في المحافظات جار على قدّم وساقٍ لمواجهة فيروس «كورونا» وغير صحيح أن لبنان تأخّر في الإجراءات ضده». وأعلنت من جهة أخرى أن وزيرة العدل ماري كلود نجم نوّهت بعمل مجلس القضاء الاعلى، واشارت الى انها وجّهت للمجلس ملاحظات في شأن التشكيلات مع رفضها التام الدخول في الاسماء».
في غضون ذلك يطل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله اليوم في كلمة متلفزة ويتطرّق بحسب ما علمت «البناء» الى تطورات مرض كورونا وسيوجه الدعوة الى المواطنين للالتزام بالإرشادات الوقائية والتدابير الاحترازية التي اتخذتها الحكومة ووزارة الصحة. كما سيدعو القوى السياسية المعارضة للحكومة الى التعاون والوحدة لمواجهة الأزمة بدلاً من الاستثمار السياسي للتصويب على أداء الحكومة. كما سيتطرق السيد نصرالله الى الملف المالي والاقتصادي وسيكرّر دعمه وتشجيعه للقرارات الحكومية الأخيرة بعدم سداد الديون والمضي بإعداد الخطة الاقتصادية الإصلاحية ولعمل الوزارات وتجاوز الصعوبات والعقد. كما سيتطرّق الى الشأن الاقليمي لا سيما التطورات العسكرية في إدلب ومشاركة حزب الله في المواجهات الدائرة فيها ودور الأميركيين في هذه الحرب.
وقالت مصادر مطلعة لـ»البناء» إن «الحكومة لن تخضع للضغوط الخارجية وهي مصممة على تنفيذ قرارها بإعادة هيكلة الديون وعدم السماح بوضع لبنان رهينة الشروط الاميركية كما انها لن تحمل الطبقات الشعبية الفقيرة أثقالاً وأعباء مالية اضافية».
ولفتت معلومات قناة الـ»او تي في» أن لبنان تقدم بعرض محدد للدائنين الأجانب وهو ينتظر الرد.
ولفت تناوب الوكالات المالية العالمية على اصدار تقارير تتعلق بتصنيف لبنان الائتماني. إذ اعلنت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني أمس تصنيف الديون السيادية اللبنانية بالعملة الأجنبية إلى «تعثر انتقائي عن السداد» من (CC/C)، محذرة من أن المحادثات بشأن إعادة هيكلة الدين قد تتعقد وتطول. وقالت إنها ستلغي على الأرجح هذا التصنيف بمجرد مبادلة أي دين أو تفعيل اتفاق إعادة هيكلة بين لبنان ودائنيه.
تقرير الوكالة أُتبع بتقرير لصندوق النقد الدولي حض فيه لبنان على تنفيذ سلسلة إصلاحات «بسرعة» لوقف الركود الاقتصادي. واشار المتحدث باسم الصندوق جيري رايس الى أن «السلطات اللبنانية لم تطلب حتى الآن مساعدة مالية من صندوق النقد الدولي». وذكر بأن «أعضاء وفد صندوق النقد عادوا إلى واشنطن. وننتظر أن تسلم السلطات اللبنانية خطتها بشأن طريقة مواجهة التحديات الاقتصادية». وأوضح أن صندوق النقد «مستعدّ لمساعدة السلطات اللبنانية في جهودها، لكن ليس هناك أي طلب لدعم مالي من جانبها».
من جهته، أشار وزير المال غازي وزني أن “الخطة المالية والاقتصادية للبنان ستلبي توصيات صندوق النقد وتكون جاهزة خلال أسابيع”، وقال: “بحال لجأ لبنان لبرنامج من صندوق النقد فينبغي أن يكون هناك تفاهم سياسي وشروط لا تضرّ بالوضع الاجتماعي”.
وأكد وزني في حديثٍ لوكالة عالمية أن “الحكومة ستُبقي على سعر الصرف الرسمي لليرة اللبنانية مقابل الدولار لـ”المدى المنظور”، وشدد على أن “الاتصالات الأولية بين لبنان والدائنين بدأت قبل أيام عن طريق لازارد وستزيد في الأيام المقبلة”.
وكان رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب، ترأس أمس، في السراي الحكومية اجتماعاً مالياً – مصرفياً – امنياً حضره عدد من الوزراء وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات ورئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود وقادة الأجهزة الأمنية وتمّ البحث في آلية تطبيق الإجراءات والقرارات المتعلقة بالوقاية من فيروس كورونا، وكذلك تمّ البحث في عمل الصيارفة وضرورة التشدّد في التزام سعر صرف العملة الوطنية وملاحقة الصيارفة غير الشرعيين.
وعلمت “البناء” أن تدابير اتخذت في الاجتماع لضبط سعر صرف العملة على أن يثبت سعر الصرف للمبيع والشراء على 2000 ليرة خلال الأيام القليلة المقبلة.