مفاوضات الجلاء الأميركي تحت النيران العراق محطة أولى…!
محمد صادق الحسينيّ
لم يكن ما جرى في العراق، خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، من قصف صاروخي على أهداف للمقاومة العراقية في محيط البوكمال السورية، وآخر صاروخي سبقه قبل ذلك ضدّ قاعدة التاجي العسكرية العراقية شمال بغداد، التي تحتلّ القوات الأميركية جزءاً منها، لم يكن هذا القصف المتبادل يهدف الى إرسال رسائل متبادلة.
والسبب في ذلك، كما أفادت مصادر استخبارية غربية، ان طبيعة العلاقة بين المقاومة العراقية والاحتلال الأميركي قد تجاوزت مرحلة تبادل الرسائل الى مرحلة المفاوضات، وإنْ بشكل غير مباشر، على الانسحاب العسكري الأميركي السريع والكامل، من العراق، بما في ذلك من المحافظات الشمالية، التي تسكن بعضها أغلبية كردية.
إذن، فالإدارة الأميركية، وبعد تلكُّئها في سحب قواتها من العراق بعد اغتيال الشهيدين الجنرال سليماني وأبو مهدي المهندس، قد بدأت مفاوضات سرية مع المقاومة العراقية، من خلال القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية والقائد الأعلى لهذه القوات، وذلك بهدف الاتفاق على جدول زمني يضمن انسحاباً سريعاً وكاملاً شاملاً لقوات الاحتلال الأميركي من كامل الأراضي العراقية.
وعلى الرغم من انّ هذه المفاوضات السرية، التي تأتي أيضاً في إطار تطبيق قرار البرلمان العراقي المطالَب بانسحاب قوات الاحتلال، قد وصلت مرحلة متقدّمة وان قيادة الجيش الأميركي قد بدأت فعلاً بسحب بعض الوحدات والمعدات العسكرية الأميركية، من العراق الى الخارج، وعلى عكس ما توحي به بعض التصريحات الأميركية حول احتمال نقل منظومات دفاع جوي أميركي، من طراز باتريوت، الى العراق، لحماية القوات الأميركية هناك، نقول إنه وعلى الرغم من كلّ ذلك فإنّ بعض دوائر صنع القرار في واشنطن تحاول عرقلة إنجاز المفاوضات، وبالتالي عرقلة حصول اتفاق عراقي أميركي نهائي، حول جدول زمني لسحب القوات الأميركية.
وهو الأمر الذي يجعل لزاماً على قوى المقاومة العراقية، بين الفينة والأخرى، أن تقوم بتذكير القيادة العسكرية الاميركية بضرورة الالتزام الدقيق بهدف المفاوضات السرية وعدم الخضوع لابتزاز بعض جهات صنع القرار في واشنطن. وذلك تجنّباً لمواجهة انسحاب تحت النيران، تتكبّد فيه القوات الأميركية خسائر مادية وبشرية كبرى، كتلك التي تكبّدتها خلال الانسحاب 2010/2011.
يضاف الى ذلك، وكما يؤكد المصدر، انّ ردّ محور المقاومة على اغتيال أبرز شخصيتين قياديتين عسكريتين فيه، الجنرال سليماني ورفيقه أبو مهدي المهندس، يجب ان يُستكمل بانسحاب القوات الأميركية ليس من العراق فقط وانما من كل الدول العربية التي تحتلها هذه القوات، بما في ذلك فلسطين المحتلة التي يوجد فيها قواعد صواريخ ومنظومات رادار في إطار الدرع الصاروخي الاميركي المضاد للصواريخ والموجهة ضدّ الصين وروسيا وإيران.
وهو ما يعني انّ الانسحاب حتمي وانّ موازين القوى، في كامل مسرح العمليات، من حدود الصين شرقاً الى سواحل المتوسط غرباً، ليست في صالح المحور الأميركي على الإطلاق. خاصة بعد الهزيمة العسكرية المنكرة التي مُني بها مخلب حلف شمال الأطلسي، أردوغان، في الميدان السوري قبل أيّام. تلك الهزيمة التي أجبرته، ومعه سيده في البيت الابيض وأدواته في بروكسل (الناتو)، ان يخضعوا لميزان القوى الميداني في سورية، بين حلف المقاومة وداعميه من جهة وبين المعسكر الأميركي وأذنابه من جهة أخرى. هذا الميزان الذي أكثر او أبلغ ما تعبّر عنه هي هزيمة الجيش الأردوغاني (وليس الجيش التركي) في سراقب وإثبات القوات المشتركة لحلف المقاومة، وعلى رأسها لواء الرضوان في حزب الله، إن مَن هزم الجيش الإسرائيلي في بنت جبيل ووادي الحجير سنة 2006 قادر على هزيمة جيش أردوغان في سراقب 2020 وجاهز للتقدّم داخل الجليل الفلسطيني المحتلّ ساعة صدور الأوامر بذلك من غرفة عمليات القوات المشتركة لحلف المقاومة.
كما أكد المصدر على أنّ انسداد الأفق الاستراتيجي، أمام الخطط والمشاريع والحروب الأميركية في المنطقة، بدءاً بالحرب على أفغانستان مروراً بغزو العراق واحتلاله ثم العدوان على سورية منذ 2011 وصولاً الى إنشاء تنظيم داعش، من قبل الإدارة الأميركية وجيشها، واستخدامه كحجة للعودة الى العراق، كلّ ذلك جعل هذه الإدارة تتوسّل اتفاق وقف إطلاق نار مع حركة طالبان الأفغانية، يسمح للجيش الأميركي ومرتزقة الناتو الآخرين بالانسحاب الآمن من أفغانستان؛ وهو الأمر الذي تمّ قبل أسابيع وسمح للجيش الأميركي بالبدء بسحب وحداته ومعداته (120 ألف حاوية من الحجم الكبير/ كونتينر) من تلك البلاد. وللمرء أن يتخيّل كيف سيكون انسحاب 14 ألف جندي أميركي مع هذا الكمّ الهائل من المعدات بدون اتفاق مع حركة طالبان.
وهو ما ينطبق على الجيش الأميركي، الذي يحتلّ أجزاء من العراق، فكيف سيكون انسحابه تحت نيران المقاومة العراقية الأكثر عدداً والأفضل تسليحاً من مقاتلي طالبان، في حال اضطراره للانسحاب دون اتفاق، أيّ تحت نيران المقاومة؟
كما أنّ هذا الانسحاب، الذي سيتمّ الاتفاق عليه وجدولته والبدء بتنفيذه قبل نهاية العام الحالي، سيكون اتفاقاً مفصلاً على قياس مصالح ترامب الانتخابية. فهو كان قد وعد الناخب الأميركي، خلال حملته الانتخابية الأولى بعدم الدخول في حروب خارجية وإعادة الجنود الأميركيين الى الوطن. وها هو بالاتفاق مع طالبان وقرب انسحاب قواته من العراق يحقق ما وعد به، بغضّ النظر عن الاتفاق او الاختلاف معه ومع سياساته المرتكزة الى مصلحته الشخصية البحتة. تلك المصلحة التي تُحَتِّمُ عليه أن لا يسمح بتواصل عودة جنوده أفقياً الى الوطن.
أو تحوّل العراق الى فيتنام ثانية.
بعدنا طيّبين، قولوا الله…