«كورونا»… بين الفكرة والمؤامرة «عيون الظلام» مفتاح!
} طلال مرتضى*
على مسير «كورونا» وطفرته ثمّة خطان من خطوط تداعياته بالتوازي..
الأول وهو لا يُخفى على الجميع البحث عن سبيل للخلاص ليس فقط للحدّ من تدحرج عجلة الموت والتي يشير رتم نبضها نحو تسجيل الرقم القياسي بعدد الموتى والمصابين، هذا عدا عن تداعيات الانهيارات الاقتصادية الفادحة والتي تذهب دلالة موازينها نحو الخسارات الكبيرة والمخيفة على صعيد البورصات العالمية وغيرها. أما الخط الثاني وهو مغاير تماماً عن الأول وهو ما يقارب بالمثل الدارج، «نسمع جعجعة المطاحن ولم نتلمّس دقيقاً». المأرب في الحكاية من ألفها إلى يائها هو الدقيق المفقود.. كثرت نوبة المحللين والمفنّدين من كل جهة وصوب دون الوقوف على الحقيقة المطلقة والتي تؤكد بالدليل حضور كورونا كوباء حقيقي وقاتل من دون منازع من غير القبض على الأجوبة الشافية لتداعياته؛ وذلك بدءاً من ظهور مروية «عيون الظلام» للأميركي دين كونتز والتي بقيت في الظل طيلة (39) سنة غابرة، وبقوة لتتصدّر الواجهة القرائيّة والشرائيّة العالمية وذلك من خلال الضخّ الإعلامي الذي تم الاشتغال عليه بعناية فائقة في كل وسائل التواصل على حد سواء وبالتأكيد وعلى الرغم من كل هذا بقيت الإجابة الصحيحة مغيبة.
الرواية وفي نسختها المتوفرة والتي وشمت بالعام 1981 كأول صدور لها وهي النسخة التي يتم تداولها الآن، يفتتح كاتبها حكاية الحدث الدرامي بقصة أم فقدت طفلها خلال رحلة تخييم ولسبب مجهول أوصلها لقناعة بأن الولد قد مات، لكنها كأم لم تستسلم لكونها لم تجد جثته أبقت خيط الأمل ممدوداً والذي دفعها للبحث عنه والوصول لحقيقة هذا الغياب. الخيوط التي حبكها دين ككاتب متمّرس بدأت بالانفلات شيئاً فشيئاً من بين يديه بعد أن قبضت الأم المكلومة إحدى تلك الخيوط لتتبعها بحذر يتلمّسه القارئ حول المفاجأة التي سيقوم الكاتب بتفجيرها والتي انتهت بمعرفتها لوجود طفلها محتجزاً في محميّة عسكرية لا يمكن اختراقها وأن الولد مصاب بعدوى أو بجرثوم خطير يفصح عنه الكاتب في ما بعد بأن اسمه «يوهان 400» كما هو الآن في الرواية التي لم تتوقف عند هذا الحدّ من دفق تفاصيل لحدثها في رأس القارئ الذي بدأ هو الآخر بالتساؤل عن ماهية ذلك الفيروس القاتل ومصدره وما حكاية أو دلالة اسمه..
الأجوبة لتلك الأسئلة لم يغفلها الكاتب في سياقات الرواية، فهو أكد بأن التسمية جاءت نسبة لمدينة ووهان الصينية الحالية وأما مصدر الفيروس وحكاية تسرّبه جاءت من خلال مختبر عسكري صيني يقوم بتحضير لسلاح جرثومي بيولوجي من دون ذكر الأسباب التي دعت لتسلّله خارج المختبر ومعطيات الأمر هذا من دون أن يغفل الكاتب عن تمرير قصة تفشّي الفيروس والذي وحسب زعمه قد يحتاج لكثير من السنوات.
من هنا انطلقت شرارة التكهنات والتحليلات للوقوف على الحقيقة. وهذا ما أتاح للقاصي والداني أن يدلي بدلوه لإثبات بأن نظريته ورؤيته عن الحكاية هي الأقرب للواقع.
تلك النظريات صارت أسئلة ملحّة لنا جميعاً بدءاً من: إلى أي درجة وصل حدّ التطابق بين أحداث «عيون الظلام» والحالة التي تعصف بالعالم الآن من باب أن الكاتب أطلق على فيروس روايته «ووهان 400» ووهان بالحقيقة هي المدينة الصينية ذاتها التي انطلق منها «كورونا»؟
المدون «حسن هاشم» وبعد تمحيص دقيق حول المدينة الموبوءة وقف عند بعض التفصيلات ليجزم بأن كاتب الرواية اختار المدينة بعينها لسببين مهمين أيضاً وهما حسب قوله، بأن المدينة من أشهر المدن الصينية التي تكثر فيها المختبرات التي تُعنى بالشأن العلمي المتعلّق بتطوير كل ما يخصّ ما يسمى ببحوث الجرثوميات وغيرها، أما الثاني وهو ما عدّه دليلاً حاضراً هو الآخر من خلال وجود أكبر سوق لبيع لحوم الحيوانات بمختلف أنواعها كالكلاب والقطط وغيرها، وهو ما أكدته التقارير الأخيرة بأن بؤرة الفيروس انطلقت مسيرها من هذا السوق تحديداً!
كثيرٌ من التحليلات وكما ذكرت أعلاه قاربت الحكاية ولعلي أجدها قريبة من الواقع ربما لكثرة ترديدها أو لكثرة انشغالنا في القراءة عما هو جديد. الجديد هو ما نسف كل ما تقدّم وما تأخر عما قيل منذ بداية طفرة مقاربة الرواية بما حصل على أرض الواقع من خلال التقرير الذي نشرته مجلة: « South China Morning Post» والتي لم تنفِ بدورها بأن اسم الفيروس» يووهان 400» قد تم ذكره بشكل صريح في الرواية كما هو الآن متداول، ولكنها فجرت قنبلة جديدة تقول بأن الطبعة الأولى للرواية كان الفيروس يحمل اسماً مغايراً تماماً وقد تمّ تبديله لظروف تذرّعت بها وهي أيضاً قريبة من قصص الواقع!
وهنا تأخذنا الروايات إلى متاهة أخرى تفضي إلى أن الاسم هو للمدينة الروسية التي تم تركيب الفيروس كسلاح بيولوجي، وحسب المجلة تقول: لقد تم تغيير الاسم في عام 1989 تحديداً وهو التوقيت الذي توقفت فيه الحرب الباردة بين الروس والأميركان وتمّ بعدها فتح صفحة جديدة للعلاقات بين القطبين. وهو ما حدّ للذهاب إلى التغيير تحاشياً من تعكير مجرى الماء الذي انطلق بين البلدين وهو كما ادعت المجلة بأن الكاتب ذهب للبحث عن شرير آخر غير روسيا الحالية، فكان الخيار الذي لا يقبل القسمة بالمطلق هو الصين.
ثمة أسئلة تتبادر للذهن تم طرحها أيضاً في المجلة ذاتها لتأصيل فكرة ما تطرح، وهو ما بيّنت إلى أن في تلك الحقبة لم تكن حكاية انتشار مختبرات الأسلحة البيولوجية والجرثومية ضمن أولويات الكثير من الدول الكبيرة وفي السياق ذاته وإلى الآن بقيت علاقة الوفاق بين الصين الولايات المتحدة على خطّ الحذر الشديد.
دان إيفون الكاتب والمحلل في موقع «سنوبس» تحدث عن حكاية تغيير اسم الفيروس قائلاً: لسنا متأكدين عمن تلاعب أو عدّل في اسم الفيروس، ولكنه وفي طبعة 1981 كان يوركي وليس ووهان، وهذا قد حدث في عام 2008.
من المؤكد أن الحكاية لم تتوقف هنا فحسب، بل هي تتدحرج مثل أحجار الدومينو بين الساعة والساعة لتكشف عما هو جديد.
لكنني كقارئ من خارج دائرة «كورونا» هذا وتداعياته هل يجوز لي الوقوف على الحياد في ظلّ ما نعيشه من رعب وخوف شديدين في ظل ما نحن عليه، أليس من حقنا ومن باب أضعف الأوزان أن نطرح بعض الأسئلة بعينها هي كي لا تعبرنا كرة «كورونا» هذا من دون أن نمرّر في مرماه هدفاً ولا ضير بالنسبة لي إن كان هذا الهدف تسلّلاً أرمي به بوجه حارسها الأكبر بأسئلة عدة عابرة مثل:
لماذا الصين بالتحديد؟
ومن باب التفنيد الذي يدلي بأن هناك من حجمها وحشرها في زاوية «اليك» على مبدأ لاعبي النرد؛ تلك الزاوية التي لن تستطيع التحرر منها إلا بعد ومثلما تقول ستي: اللي ضرب.. ضرب.. واللي هرب.. هرب».
لماذا إيران بالتحديد؟
لماذا إيطاليا بالتحديد؟
أسئلة جمّة هي برسم القارئ ذاته والذي يحقّ له كما يحق لغيره أن يستنتج ليقارب الحكاية بين تفصيلاتها الافتراضية والواقعية، كفكرة كتاب وكحال اشتغل عليه بعناية في ظل ما نعرف ونعي بأن أيّ منجز أميركي وبعيدًا عن مدلوله إن كان كتاباً أو فيلماً سينمائياً أو حتى إعلان تجاري لا بد وأن يصبّ محتواه لخدمة السياسة والاقتصاد أولاً.
*كاتب عربي/ فيينا.