مرويات قومية

الأمين سليمان الصايغ اسم مضيء في منفذية الغرب وفي الحزب

إعداد: لبيب ناصيف

 

في الستينات عرفت عن مواقفه الجريئة، قبل الانقلاب، أثناءه، وفي سنوات الأسر حتى إذا خرج التقيت به، وكثيراً، وكان دائماً محطّ ارتياح وثقة ومحبة.

تمكّنت ذات يوم من زيارته مترافقاً مع رئيس المجلس الأعلى في حينه الأمين محمود عبد الخالق. معظم حديثي معه انصبّ في موضوع تاريخ الحزب بشكل عام، وحول أهمية تدوين سيرته ومعلوماته، خاصة في فترات تولّيه مرافقة رئيس الحزب الأمين د. عبدالله سعاده.

وتابعت هذا الأمر الهام والضروري، مع احد الرفقاء من انسبائه ومع منفذية الغرب فلم اصل الى نتيجة تماما كما  حصل لي بالنسبة للأمين عادل الشعار الذي كنت زرته مرة وكتبت مراراً، واتصلت بكثير من المعنيين، إلى أن رحل، ورحلت معه سيرة غنيّة ومعلومات كثيرة تتناول الحزب في كلّ من الغرب وفنزويلا. وقد أشرت إلى ذلك في الكلمة التي نشرتها عند رحيل الأمين عادل الشعار.

هذا بعض يسير من آلام مستمرة، فلا تملك لجنة تاريخ الحزب فريق عمل ميداني (ولا فريق عمل مكتبي) ولا المنفذيات، إلا نادراً جداً، تهتمّ بمتابعة موضوع تاريخ الحزب أو تدوّن للرفقاء، بدءاً من أكثر المتقدمين بالعمر، سيرتهم ومعلوماتهم، والحديث طويل وموجع.

 سابقاً نشرت عن الأمين سليمان صايغ في محطات ثلاث:

أولى، عندما رافق رئيس الحزب في حينه، الأمين د. عبدالله سعاده إلى عرزال سعاده عقب إنهاء خطابه الناري في ضهور الشوير.

يومئذ، صعد الأمين سعاده درجات السلم، ووقف مؤدّياً التحية لصاحب العرزال، لجار جبل صنين ولزعيم الأمة والخالد في تاريخها. كان الأمين سليمان يقف عند أولى درجات السلّم مؤدياً التحية.

* * *

الثانية، في دفاعه القومي الاجتماعي في محكمة التمييز العسكرية، وقد نشر ذلك الأمين د. شوقي خيرالله في كتابه سراديب النور، وعمّمت بتاريخ 20/07/2017.

«حضرة الرئيس، حضرات المستشارين، حضرة النائب العام، المحترمين،

المتهم الماثل أمامكم فلّاح فقير من شارون، وانا بحمد الله ونعمته قومي اجتماعي، سوري قومي اجتماعي. هداني قدري منذ الطفولة الى الحق فتبعته. وأضاء لي الصراط فاهتديت وسرت رافع الرأس أتحدى العاصفة والجاهلية والعبودية، وأتحدى كل ما سلّط الطاغوت على قريتي شارون من مفاسد القرون الوسطى، ومن أوتاد الرجعية اللواتي شددن أبي وجدودي وأهلي ودفعن بهم وبالآخرين أيضاً الى التذابح الطوائفي والمجازر العائلية القبلية والى مهاوي الأحقاد.

 «سيدي الرئيس، السادة المستشارين،

ترعرعت طفلاً يافعاً يستمع الى أهله يشتمون كلّ من ليس درزياً مثلهم، ردّاً على شتيمة غير الدروز لنا، ويسبّون مطلق لبناني ـ درزياً أم غير درزي ـ إن لم يكن من حزبيتهم وعلى غايتهم وغرضيتهم. وكانوا مبدئياً، وعندما تسنح الفرصة، يستحلّون كل محرّم بحق من ليس شريكاً لهم في رأيهم وعصبيتهم سواء كان درزياً أم غير درزي، فالجميع إذن، أهلي وسواهم من الشعب، شيمتهم زحف أمام أخطبوط أفقدهم عقلهم والمنطق والكرامة. وكانوا خاضعين لتقليد أعمى أصمّ، ويعميهم ويصمّهم ويقفل دونهم دروب الوعي ومسالك النور والحرية.

«وكان أني اهتديت بنعمة تبشير رفاقي الى الطريق القومي الاجتماعي والى الحقّ والحياة والمناقب، فصرت بفضل انتسابي وانتمائي الجديدين إنساناً جديداً ومواطناً يسعى للصلاح الذاتي ويسعى لخير الشعب كلّه والأمة جميعاً.

وصرت جندياً في خدمة بلادي وكرامتها، ولحرية الجميع. صرت مواطناً حراً. همّي هو أن أقوم بواجبي على هدى عقيدتي ومن ضمن نظام الحزب، فإذا بي طاقة خيّرة تضاف الى الطاقات الاخرى من أعضاء الحزب والحركة والنهضة. فصرنا جماعة واعية متكاتفة وقوية ومنظمة. وأنا صرت نقطة في النهر الذي كان قد بدأ بخميرة تدعى انطون سعاده، الزعيم انطون سعاده.

«النهر بدأ نقطة وحيدة منبوذة مستنكَـرة ولكنه تزايد واستقوى بفعل اليقين والوضوح والصدق فصرنا قوة هادرة ما برحت منذ ثلاثين عاماً تبذل الخير لمضطهديها من أبناء الظلمة، وتضيء الطريق لمن يعتّمون دونها، وتُستشهد عند الضرورة ولكن بوقفة عزّ تعلّم الشعب كرامة الإيمان، وتبرهن على خلود الأبطال، وعلى ان العقيدة تستحق فعلاً أت تسقى بنسغ الحياة وبلون الأرجوان.

« أيها السادة،

هذا السليمان الصايغ المتهم إزاءكم يقف أمامكم جريئاً بالحق، كريماً بحريته ومعتقده، فخوراً بما فعل، مجاهراً بحقيقته التي لا حياة له بدونها.

انا سليمان عارف علي الصايغ، من شارون، كنت مرافقاً مؤتمناً لرئيس الحزب، مسؤولاً عن سلامته، ومستعداً للموت في سبيل القيام بواجبي. وقد تخلّيت عن عبودياتي السابقة التي أرهقت أهلي. لقد عرفت الحق والحق حررني.

مهمتي الحزبية كمرافق وكميليشيّ مسلّح وكوظيفة في الانقلاب، قمت بها بإرادتي وبعلم مني وبتأييد مني لما كنت أعرف أنه قيد الإعداد. وكان هاجسي الأول أن أحمي رئيسي المندفع في هذا العمل النظامي العقدي من الطراز الأرفع.

«أما الوقائع التي تسألون عنها لإدانتي فها هي أجوبتي:

نعم. كنت بكلّ فخر أحمل سلاحاً.

نعم. عرفت الانقلاب قبل حدوثه بقليل.

وظللت بإرادتي حارساً ومرافقاً للرئيس، حتى بعد أن سمح لي، بل بعد أن أمرني، بالانصراف. فلم أطعه لأنّ الأمر بمرافقته وبحراسته ليس صادراً عنه بل من اللجنة العليا للانقلاب.

ونعم! عرفت أنّ المخطوفين العراة أم المدنيين بلباسهم آنذاك، هم من الضباط. وإنهم لأعزّاء علينا. ولكن خطفهم مؤقتاً كان جزءاً من الخطة العليا.

أما من أعرف من اللجنة الإنقلابية العليا فقد عرفت المدنيين جميعاً. وعرفت من الرفقاء العسكريين النقيب شوقي خير الله لأنه كان من منفذيتي في الغرب، وأعرفه قبل انتسابه الى المدرسة الحربية. وكنت أراه مع الرئيس ولا اكلمه لأني غير مكلّف بذلك. وهو معنا في هذا القفص المشرّف، وقد سبق أن أدلى أمامكم بإفادته.

هذا كلّ ما عندي، ولست نادماً على ما أقدمت عليه، وبما انّ الانقلاب قد فشل فإني استحق ما ينصّ عليه القانون ضدّي. وشكراً».

* * *

الثالثة، عندما تصدّى للكمين الكتائبي في منطقة قرطبا، الذي حاول اغتيال رئيس الحزب الأمين د. عبدالله سعاده، وصحبه عائداً من وليمة كان أعدّها الرفيق جورج كرم. فقد هبط الأمين سليمان، والرفيق الآخر المرافق رياض درويش(1) برشاشه. وهدّد الأمين سليمان وهو يشهر مسدسه: نحن قوميون، مطلقاً الرصاص، ومسجّلاً واحداً من مواقفه البطولية، ومن وقفات العزّ التي رافقت تاريخه.

 إلا أنّ الأمين سليمان، وإن لم يدوّن مسيرته ومعلوماته، فهو يستحق أن يُكتب عنه الكثير.

إلى هذا ندعو عارفيه، فتبقى سيرته الناصعة الغنية بالوقفات والمواقف حاضرة في تاريخ الحزب، وحيّة في وجدان القوميين الاجتماعيين.

* * *

شهدت بلدة شارون حضوراً لافتاً للحزب، حبذا لو يتمكن أحد أبنائها من كتابة هذا التاريخ، وإلا معظمه، بما فيه من أحداث ومواقف وسير رائعة لرفقائنا، بدءاً من الرفيق نجم الأحمدية، مروراً بالاستشهادي الرفيق وجدي الصايغ، وبرفقاء مميّزين عرفت منهم الرفقاء إبراهيم الصايغ، سامي الصايغ، أديب الأحمدية، وأطال الله بعمر الأمينين حافظ الصايغ وحافظ الأحمدية، وعذراً إذا سقط أي اسم لأيّ من رفقائنا

هوامش:

1 –  رياض درويش: بعد ان اعتقل جراء حادثة «قرطبة» اشتراه المكتب الثاني، فسقط في مهاوي الذل والخيانة وكان اول من نقل الى رئيس المكتب الثاني انطون سعد ان هناك تحركات يقوم بها القوميون الاجتماعيون ليلة الانقلاب.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى