تقرير إيطالي يفسّر كيف أضعف إبن سلمان المملكة السعوديّة
نشر موقع «أنسيد أوفر» في نسخته الإيطالية تقريراً سلّط فيه الضوء على الاضطرابات التي تشهدها السعودية وتداعيات حملة التطهير التي شنّها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ضدّ أمراء بارزين على مستقبل البلاد.
وقال الموقع، في تقريره، إن «الديوان الملكي في السعودية ليس قوياً كما يبدو، حيث يلاحظ مَن ينظر إلى الرياض من الخارج ملكيةً فولاذية مطلقة، محمد بن سلمان قائدها بلا منازع».
لكن التحقيقات والاعتقالات والمبادرات الكبيرة التي يطلقها ولي العهد، تعدّ من مظاهر أزمة الشرعية التي تعاني منها المملكة حيث يدفعه الخوف من المؤامرات إلى إجراء عمليات تطهير في صلب حاشيته.
وكان واضحاً منذ البداية أن ابن سلمان يختلف كثيراً عن أسلافه، حيث أسّس جدّه الملك عبد العزيز آل سعود الدولة السعودية الحديثة على ثلاث ركائز: إعادة توزيع الثروة النفطية بين رعايا المملكة مقابل الولاء، بناء صلة قوية بالمؤسسة الوهابية، وإبرام تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة وذلك في ما يتعلق بالسياسة الخارجية.
وعلى الرغم من بذل جهود حثيثة للحفاظ على هذا النظام وضمان استمراريته، إلا أنه على وشك الانهيار. وفي ظل النمو السكاني والاقتصاد القائم على النفط، تواجه السعودية أزمة لا يستطيع أن يحجبها بريق رؤية 2030.
ففي الحقيقة، لم يحاول وريث العرش تفكيك هياكل الأوليغارشية التي تخنق الاقتصاد السعودي، بل استبدل ببساطة الحكام القدامى بآخرين جدد مخلصين له.
ونوّه الموقع بأن «إبن سلمان يطلب من الشعب السعودي تحمّل سياسة التقشف دون أن يحاول مواجهة الفقر المتفشي».
كما أن انهيار أسعار النفط والأداء المخيب للآمال للاكتتاب العام الأولي لشركة أرامكو يعرض أحلام الأمير الشاب للخطر.
وأضاف الموقع أن إبن سلمان اكتسب عداوة كل من المحافظين والتقدميين في المملكة، لأنهم كانوا من ضحايا القمع.
كما أن التحالف مع الولايات المتحدة يشهد تذبذباً على الرغم من أن ترامب قام بالكثير لحماية السعودية من طلبات الكونغرس للرد على مقتل خاشقجي.
ويبدو أن العلاقات مع واشنطن في الوقت الحالي تقوم على الوفاق الودي بين جاريد كوشنر والأمير، وهو تقارب كثيراً ما اعتُبر غير مريح وغير مناسب، وهو ما يجعل الرياض في الوقت نفسه قلقة بشأن إمكانية أن يكون رئيس الولايات المتحدة القادم من الديمقراطيين.
كما أشار الموقع إلى أن «الديكتاتور المجري ماتياش راكوشي، صاغ تعبير تكتيك سلامي في إشارة إلى تقطيع المعارضين الذين يشكلون خطراً على النظام إلى شرائح». ويتبع ابن سلمان النهج نفسه لكن أعداءه الرئيسيين من داخل العائلة الحاكمة.
وخير دليل على ذلك تخطي خط الخلافة ومركز السلطة وتعيين الأمراء الشباب من خارج العائلة الحاكمة في مناصب مهمة، وتنحية الأمراء الكبار من العائلة المالكة.
وقبل بضعة أيام فقط، تم اعتقال ثلاثة من أعضاء مجلس الحكم، هم الأخ الأصغر للملك سلمان، الأمير أحمد بن عبد العزيز، وولي العهد السابق محمد بن نايف، وشقيقه الأمير نواف بن نايف.
وقبل ثلاث سنوات، شن ابن سلمان حملة لمكافحة الفساد اعتقل على إثرها 11 أميرًا و38 من الوزراء ونواب الوزراء والوزراء السابقين في فندق ريتز كارلتون في الرياض، وكان بينهم رجال الأعمال الأقوياء على غرار الأمير الوليد بن طلال، أحد أكثر رجال الأعمال نفوذًا في العالم بثروة تناهز 20 مليار دولار.
وأوضح الموقع أن ابن سلمان كان يسعى من خلال ذلك إلى الاستحواذ على الميزانية والدفاع والسياسة الخارجية وفي الوقت نفسه ترسيخ نفسه كحداثي مواكب.
وفي إطار هذا التوجه، اتخذ ابن سلمان قرارات تاريخية مثل إقرار حق المرأة في قيادة السيارة أو دخول الملاعب، وهي أيضاً رسالة واضحة إلى الأصوليين.
ومن المؤكد أن الصراعات على السلطة ليست جديدة في العائلة الحاكمة السعودية، لكن هذه المرحلة استثنائية، ذلك أن إبن سلمان هذه المرة خرق كل القواعد.
أصبح ولي العهد يسيطر على أمن المملكة وقدراتها الاستخبارية والعسكرية، ولا يمكن لأي أمير آخر أن يحشد ما يكفي من القوات للوقوف في وجهه ويطيح بسلطات الدولة القسرية التي تعمل تحت تصرفه. ومن المرجّح أن الأمراء المعتقلين كانوا يخططون لسحب دعمهم إذا أصبح محمد بن سلمان ملكاً.
وحتى يصل إلى العرش، سيسعى ابن سلمان إلى البيعة وضمان ولاء الأمراء الأكبر سناً الممثلين في هيئة البيعة المكونة من 33 عضواً، التي شكلها الملك عبد الله سنة 2008، علما بأن كلاً من أحمد بن عبد العزيز ومحمد بن نايف عضوان في هذه اللجنة.
وعلى الرغم من أنه لا يحتاج إلى هذا الفخر لكي يصبح ملكاً، إلا أنه سوف يكون معزولاً من دونه ويفتقر للشرعية الأساسية للخلافة المنتظمة.
في الختام، أشار الموقع إلى أن «إجراء المزيد من عمليات الاعتقال يبدو حلاً عملياً بالنسبة لابن سلمان لحماية نفسه من أزمة الزعامة».
لكن الشعب السعودي يتطور باستمرار وأصبح متطلباً ويدعو إلى تشريكه في الشؤون الداخلية والخارجية، هذا بالإضافة إلى تمرّد النساء والشباب.
فيما تواصل العائلة المالكة رفض الانتقال إلى الملكية الدستورية، مع برلمان منتخب وحكومة قادرة على أن تكون محصّنة ضد الصراعات بين الأشقاء في بيت آل سعود.