بين عملية المقاومة والعدوان الأميركيّ… هل دخل العراق معركة التحرير الثانيّة؟
} حسن حردان
تتسارع التطورات في العراق، على نحو يؤشر إلى أنّ المواجهة بين المقاومة العراقية على اختلاف تلاوينها، وقوات الاحتلال الأميركية الغربية، باتت شبه محسومة، بعد عملية مباغتة للمقاومة بقصف معسكر التاجي لقوات التحالف الغربي أسفرت عن مقتل جنديين أميركيين وجندي بريطاني، وإصابة العشرات بجراح، وإقدام الطائرات الأميركية على قصف مواقع الحشد الشعبي في منطقة البوكمال السورية، ثم قيامها بشنّ غارات على مراكز للجيش العراقي والحشد في العديد من المناطق العراقية، أسفرت عن سقوط عدد من الشهداء والجرحى… وإعلان البنتاغون أنّ هذه الضربات رسالة واضحة بأننا لن نتهاون إزاء الهجمات التي تستهدف قواتنا.. هذه الاعتداءات الأميركية دفعت فصائل المقاومة العراقية إلى توجيه ما يشبه الإنذار إلى الحكومة العراقية بضرورة حسم مسألة استمرار بقاء القوات الأميركية التي ترفض تنفيذ قرار البرلمان العراقي بالانسحاب من العراق، على اثر إقدام الجيش الأميركي بارتكاب جريمة اغتيال القائدين الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في مطار بغداد، وتأكيد فصائل المقاومة بأنّ العدوان الجديد على السيادة العراقية يستوجب الردّ، وأنّ المعركة ليست محصورة فقط بالحشد الشعبي وإنما بالإرادة الشعبية العراقية، وأنّ الحشد أخذ الاحتياطات وأخلى مقراته، وأنّ فصائل المقاومة، حتى الآن، تحترم دور المؤسسات الحكومية، وتنتظر منها موقفاً واضحاً من العدوان والعمل على تنفيذ قرار البرلمان بوضع جدول زمني لرحيل القوات الأجنبية عن العراق.. منتقدة بشدة مواقف الرئاسة وبعض القوى العراقية التي سارعت الى التنديد بشدة بالهجوم الذي تعرّضت له القوات الأميركية الغربية في معسكر التاجي، فيما هي خجولة في التنديد بالعدوان الأميركي وتمتنع عن المطالبة برحيل القوات الأميركية، بل وتوفر لها الغطاء لعدم تنفيذ قرار البرلمان…
انّ هذه التطورات المتسارعة تؤكّد وتدلّل على ما يلي:
أولاً، إنّ العراق قد دخل فعلياً معركة إخراج القوات الأميركية الغربية من العراق بعد أن تحوّلت إلى قوات محتلة ترفض تنفيذ قرار البرلمان بالانسحاب، وبعد أن أصبحت تمارس العدوان على الجيش العراقي علناً، وتعمل على محاولة استغلال التناقضات بين القوى والأحزاب العراقية وتغذيها، مستفيدة من تبعية وولاء بعض القوى والأحزاب التي تدين بوجودها للاحتلال الأميركي، وانها تعمل على ترجمة توجهات واشنطن بعرقلة تشكيل حكومة عراقية لا تلبّي أهدافها ومصالحها الاستعمارية في العراق… هذا يعني بوضوح انّ العراق بات خاضعاً من جديد لاحتلال القوات الأميركية، بعد ان تسلّلت إلى العراق، اثر انسحابها عام 2011 تحت ضربات المقاومة، بثوب محاربة تنظيم داعش الإرهابي ذات الصناعة الأميركية.. لكنها بعد أن نجح العراق في القضاء على داعش، وسقط مبرّر بقاء القوات الأميركية، تسعى اليوم الى الاستفادة من تأييد بعض القوى التي دعمتها لتبرير بقائها..
ثانياً، انّ عملية المقاومة ضدّ قوات الاحتلال في معسكر التاجي، إنما تندرج في سياق توجيه رسالة بالنار إلى الإدارة الأميركية بانتهاء مرحلة الانتظار، وانه من غير المسموح المماطلة والتسويف في تنفيذ قرار الانسحاب وأنّ عليها ان تختار واحد من أمرين…
1 ـ أما الانسحاب سلماً من دون إبطاء ووفق جدول زمني واضح ومحدّد لا يستغرق وقتاً طويلاً، وعدم التذاكي والمراوغة من خلال محاولة إعادة تموضع القوات الأميركية في بعض المناطق التي تعتقد أنها توفر بيئة حاضنة لها…
2 ـ أو عليها ان تواجه عمليات المقاومة، التي شكلت جبهة موحدة وغرفة عمليات مشتركة على اثر الجريمة الأميركية باغتيال الشهيدين سليماني والمهندس…
ثالثاً، من الواضح أنّ عملية المقاومة على معسكر التاجي، والتي لم يعلن ايّ طرف من أطراف المقاومة مسؤوليته عنها، إنما تعكس تكتيكاً مدروساً، للبدء بمقاومة سرية، تاخذ بالاعتبار ظروف وواقع الدولة العراقية، وأن هذه المقاومة تنطلق من نقطة متقدمة جداً، مختلفة كثيراً عن النقطة التي انطلقت فيها اثر احتلال القوات الأميركية للعراق عام 2003، فالمقاومة التي ستواجه القوات الأميركية اليوم، هي التي هزمت هذه القوات عندما أجبرها بعد سنوات على الرحيل عن العراق عام 2011، وهذه المقاومة هي التي هزمت أيضاً تنظيم داعش الإرهابي، المصنّع أميركياً، ولهذا فإنّ المقاومة باتت تملك القدرات والإمكانيات والخبرات في خوض قتال كلّ أنواع الحروب، لا سيما حرب المقاومة الشعبية المسلحة، وهي قادرة على البدء بضربات قوية قاسية وموجعة للقوات الأميركية وبالتالي جعلها تتكبّد خسائر جسيمة في فترة قصيرة، لا تستطيع الولايات المتحدة احتمالها.. وستؤدّي في النهاية إلى إجبارها على الرحيل عن العرق بذلّ ومهانة.. إنْ هي رفضت الانسحاب سلماً…
رابعاً، انّ محاولة واشنطن العودة إلى اللعب على وتر التناقضات العراقية لتبرير استمرار بقاء قواتها، لن يجدي، وأنّ اللجوء إلى العدوان على القوات العراقية وفصائل الحشد لن يؤدّي سوى الى تأجيج العداء ضدّ الولايات المتحدة وقواتها، وبالتالي تعزيز البيئة الشعبية العراقية الداعمة للمقاومة المسلحة.. مع لفت الانتباه إلى أنّ هذه المقاومة، خاضت النضال المسلح ضدّ القوات الأميركية بين 2003 و2011 في ظلّ ظروف أكثر تعقيداً بالنسبة لها من الظروف المراهنة، ومع ذلك تمكّنت من تحويل وجود الاحتلال إلى جحيم أجبره في النهاية على الانسحاب تحت جنح الظلام…
خامساً، لقد تأكد للشعب العراقي وقواه الوطنية والمقاومة انّ عدم الاستقرار في العراق إنما سببه التدخل الأميركي في شؤون العراقيين مستفيداً من التناقضات التي ولّدها الدستور الذي وضعه الحاكم الأميركي بول بريمر اثر احتلال العراق عام 2003، وأنّ السبيل لتحقيق الاستقرار واستطراداً تحقيق الاستقلال والسيادة ووضع حدّ لتدخلات واشنطن إنما يستدعي خوض معركة فرض رحيل القوات الأميركية، التي لن ترحل إلا بالمقاومة، كما أثبتت التجارب مع المحتلّ الأميركي.. لكن هذه المرة سيكون الرحيل أسرع لأنّ إدارة الرئيس الأميركي ترامب لا تحتمل التورّط في حرب استنزاف جديدة مكلفة، في وقت لا تزال تسعى فيه أميركا للخروج من آثار النزف الكبير الذي تكبّدته مادياً وبشرياً نتيجة حربها الخاسرة في العراق وأفغانستان، وهي للتوّ قد وقّعت على اتفاق مع حركة طالبان يقضي بسحب قواتها من أفغانستان.. وفي وقت يدخل فيه ترامب حملة انتخابية للفوز بولاية ثانية، وهو الذي كان وعد ناخبيه الأميركيين بأن يخرجهم من الحروب، وتعهّد لهم عدم شنّ حروب جديدة..
لذلك فإنّ قرار فصائل المقاومة العراقية عدم التساهل والتراخي في تنفيذ قرار البرلمان العراق وإردة الشعب العراقي بفرض انسحاب القوات الأميركية، هو الضمانة لتسريع رحيل هذه القوات عن العراق وتحريره مرة ثانية من احتلالها، واستعمار الولايات المتحدة، وكلّ الآثار التي ولدها وفي المقدّمة إسقاط دستور بريمر الفتنوي… وإدارة ترامب لن يكون أمامها من خيار سوى الإسراع في الانسحاب تجنّباً من الغرق في حرب استنزاف جديدة مكلفة، ستكون نهايتها الهزيمة المؤكدة.. كما أكدت تجربة المقاومة مع الاحتلال الأميركي بين 2003 و2011.