بني غانتس يحظى بالتكليف لحكومة الكيان بعد دعم ليبرمان والقائمة المشتركة… والتحدّي بالتأليف / الحكومة تعلن التعبئة العامة: إقفال شبه شامل… والاستثناءات لتأمين دورة الحياة / عون ودياب يدعوان اللبنانيّين للتكاتف وراء الدولة… والسياسيين لتغليب المصلحة العليا /
كتب المحرّر السياسيّ
العالم الذي يتّجه نحو نصف شهر من العزلة، لضمان أعلى درجات الفاعلية في مواجهة فيروس كورونا، لم ينعزل عن تطورات سياسية إقليمية تمحورت حول مشهد عراقي مرتبك ومتوتر تحت تأثير المواجهة بين قوى المقاومة والاحتلال الأميركي، في ظل سعي حثيث للتوافق على تسمية رئيس جديد للحكومة، وبالتوازي مشهد سوري يُظهر التموضع التركي وراء روسيا في خطوات إجرائية نحو إجلاء الجماعات المسلحة من مناطق تعطيل فتح طريق اللاذقية حلب، فيما تدخل سورية السنة العاشرة في مواجهة الحرب التي بدأت تحت شعارات ثورة ملفقة وظهرت كمشروع لتفتيت سورية وإسقاطها ووضع اليد عليها، سجّل الجيش السوري ومن ورائه شعبه ودولته معجزة الانتصار فيها، بقيادة رئيسه الذي كان كلمة سر هذا الانتصار؛ بينما بدت نتائج نمو قوى المقاومة التي شكل العراق تطورها الأبرز في السنوات الماضية، وشكل النصر السوري إنجازها الأكبر، بمثل ما ظهرت على تراجع دور تركيا، تأزماً في المشهد السياسي الداخلي لكيان الاحتلال، الذي صار النجاح بتكليف أحد رموزه بتشكيل الحكومة يُعدّ إنجازاً بعد إخفاق لسنة مرات متتالية شهدت ثلاث دورات انتخابية مبكرة من دون أن تشهد ولادة حكومة جديدة. وجديد أمس كان تكليف زعيم تيار الوسط بني غانتس بتشكيل الحكومة الجديدة بعدما حاز دعم تكتل أفيغدور ليبرمان الذي يحوز 7 أصوات، والقائمة المشتركة التي تضمّ 15 صوتاً بالإضافة إلى 40 صوتاً لتكتل أبيض أزرق الذي يترأسه ليتفوّق على مجموع الـ 58 صوتاً المؤيدة لترشيح رئيس حكومة اللحتلال بنيامين نتنياهو، الذي سيواجه مخاطر التصاعد في ملفه القضائي كلما ابتعد عن فرص ترؤس الحكومة. وهو ما يطمح بالعودة إليه مع الرهان على فشل بني غانتس بتشكيل حكومة تستند إلى دعم الذين قاموا بتسميته، فضمّ التيارات الدينية من تكتل بني غانتس سيحول دون تصويت القائمة المشتركة، واستبعاد هذه الجماعات سيفقده الأغلبية اللازمة لتأليف حكومة، وهو ما سيواجه نتنياهو إذا أعيدت تسميته، لتعود الأزمة للظهور مجدداً، إلا إذا ارتضت القائمة المشتركة التي تضم النواب العرب دعم حكومة تلتزم شروط كتل دينية متطرفة معادية للعرب وتطلب تضمين برنامجها العنصري للحكومة التي تشارك فيها.
كورونا الذي سيطر على العالم بتسجيل قرابة 170 ألفاً من الإصابات و6500 وفاة نصفها في الصين التي بدأت رحلة التعافي من الفيروس مسجلاً ليوم أمس، فقط 25 إصابة جديدة، و10 وفيات جديدة، انتقل حصاده إلى الدول الأوروبية التي تصدّرتها إيطاليا التي سجلت أعلى رقم عالمي للحالات الفعالة بين المصابين فبلغت ضعف أعداد المصابين الحاليين في الصين برقم 20 الف مصاب، منهم 3500 مصاب جديد، مع فارق عدد السكان حيث نسبة المصابين في الصين 56 مصاباً لكل مليون مواطن، بينما في إيطاليا 409 مصابين بين كل مليون، وتلت سويسرا والنروج وفرنسا وإسبانيا والمانيا موقع إيطاليا المتقدم، بحيث ضمت أكثر من نصف الإصابات الراهنة في العالم كله، بينما تراجع مجموع الإصابات الراهنة في الصين وإيران معاً إلى أقل من ربع هذه الإصابات عالمياً. وفي مواجهة الفيروس المستجدّ استنفر العالم نحو اعتماد سياسة العزل وما تتضمنه من إقفال الحدود والمطارات والجامعات والمطاعم وتوقف الإدارات العامة عن العمل إلا في ضرورات الأمن والصحة والغذاء، وبدا رقم الأسبوعين مناسباً حيث تظهر خلاله أعراض الفيروس، ويتوقف مع الإقفال خطر الانتشار والتسرّب.
في لبنان عقد المجلس الأعلى للدفاع ومجلس الوزراء اجتماعين استثنائيين تباعاً ترأسهما رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحضرهما رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب، وبحصيلة الاجتماعين أعلنت التدابير التي جرى ضمها تحت عنوان التعبئة العامة وفقاً لمندرجات قانونية في إعلان حالة الطوارئ، وأهمها إقفال المطار والمعابر لأسبوعين، وخلالهما تشديد الإقفال العام للدوائر والمؤسسات خصوصاً ما لا يتصل منها بدورة الحياة الضرورية الأمنية والمالية والغذائية وخصوصاً الصحية، بينما ركّز الرئيسان في كلمتيهما على التوجه للبنانيين لمزيد من التكاتف وللسياسيين لمزيد من الترفع، فبدون تجاوب الشعب مع الإجراءات لا يمكن ضمان نجاحها، وبدون ترفع السياسيين عن الحسابات الضيقة لحساب المصلحة العامة، لا يمكن ضمان تجاوب شعبي شامل.
توصّلت جلسة مجلس الوزراء التي التأمت أربع ساعات في قصر بعبدا لنقاش مقررات المجلس الأعلى للدفاع، الذي رفع لها توصية برفع التعبئة العامة وإعلان حالة الطوارئ، الى اتخاذ القرار بإقفال المؤسسات من السادس عشر من آذار إلى التاسع والعشرين منه.
وأعلن مجلس الوزراء التعبئة العامة للتأكيد على وجوب التزام المواطنين بمنازلهم وعدم الخروج منها إلا للضرورة». بالإضافة إلى التأكيد على جميع القرارات المتخذة بشأن فيروس «كورونا» وإقفال مطار الحريري وجميع المعابر البحرية والبرية، ابتداءً من الأربعاء وحتى 29 آذار، وتُستثنى منه قوات اليونيفيل والبعثات الدبلوماسيّة وطائرات الشحن مع السماح للبنانيين، وأفراد عائلاتهم ممن لا يحملون هوية لبنانية أو ليس لديهم بطاقات إقامة، كما ولحاملي بطاقات الإقامة في لبنان، بالعودة إلى لبنان حتى تاريخ 18 آذار 2020 ضمناً وشرط أن تكون نتيجة الـ PCR سلبية (الفحص المخبري للكورونا) وعلى أن لا يشمل هذا القرار الوافدين من الدول التي سبق وأن تم حظر السفر منها وإليها وهي التالية: فرنسا، مصر، سورية، العراق، المانيا، اسبانيا، المملكة المتحدة، إيطاليا، إيران، الصين (هونغ كونغ، ماكاو، تايوان الصينية) وكوريا الجنوبية.
وتقرر إقفال الإدارات والمؤسسات العامة والمدارس والجامعات والحضانات، ويستثنى ما تقتضيه ضرورات العمل، وفق آلية تصدر عن الوزارات المعنية». إقفال الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات واتحاداتها والمصالح المستقلة والجامعات والمدارس الرسمية والخاصة والحضانات وذلك على اختلافها، إضافة إلى إقفال المؤسسات الخاصة باستثناء المطاحن والأفران وكل ما يرتبط بالمواد الغذائية الأساسية. كما تستثنى المؤسسات الخاصة بنقل البضائع. ويستثنى من قرار الإقفال، مصرف لبنان وجميع المصارف وذلك بالحد الأدنى الواجب لتأمين سير العمل. وتنصّ المادة الثانية من قانون الدفاع الوطني، على أنه «إذا تعرّض الوطن أو جزء من أراضيه أو قطاع من قطاعاته العامة أو مجموعة من السكان للخطر»، يمكن إعلان:
أ– حالة التأهّب الكلي أو الجزئي للحدّ من تعرّض السكان والمنشآت الحيوية للخطر، ولتأمين عمليات التعبئة واستخدام القوى المسلحة.
ب – حالة التعبئة العامة أو الجزئيّة لتنفيذ جميع أو بعض الخطط المقررة.
ويشير البند الثالث من البند نفسه إلى إمكانية إعلان أحكام خاصة تهدف إلى:
أ – فرض الرقابة على مصادر الطاقة وتنظيم توزيعها.
ب – فرض الرقابة على المواد الأولية والإنتاج الصناعي والمواد التموينية وتنظيم استيرادها وخزنها وتصديرها وتوزيعها.
ج – تنظيم ومراقبة النقل والانتقال والمواصلات والاتصالات.
د – مصادرة الأشخاص والأموال وفرض الخدمات على الأشخاص المعنويين والحقيقيين. وفي هذه الحالة، تراعى الأحكام الدستورية والقانونية المتعلقة بإعلان حالة الطوارئ.
ولفت رئيس الحكومة حسان دياب الى أن الإجراءات والتدابير التي نتّخذها لحماية اللبنانيين، هي المستوى الأعلى الذي يمكننا اعتمادها دستورياً، ولم يسبق في تاريخ لبنان أن تمّ وضعها قيد التنفيذ، ولا معنى لكل كلام خارج هذا السياق. وقال إن المطلوب اليوم من جميع القوى، الارتقاء إلى مستوى المسؤولية الوطنية، والالتفاف حول الدولة ومؤسساتها، وتقديم الدعم والمؤازرة، كي نستطيع إنقاذ اللبنانيين. وأشار إلى أن الإجراءات التي نتخذها ستؤثّر على اقتصادنا لا شك، كما تأثّرت اقتصاديات دول العالم، لكن حياة الناس وصحتهم أغلى، وهي أولوية مطلقة.
وأعلن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون انّ كلّاً منّا مدعو الى أنبل وأرقى مظاهر الالتزام الانساني ببعضنا البعض، مع التقيّد بالمطلوب منّا لتأمين اقوى درجات الحماية، فنبتعد عن الاختلاط، ونلتزم منازلنا. ليست هذه الأيام الصعبة التي نجتازها، مهما طالت، سجناً ولا هي عقاباً، كما انّها ليست في الوقت عينه فرصة للتوقّف عن دورة الحياة والاستسلام للفراغ. فكلٌّ منّا مدعو ان يواصل عمله، من منزله، بالطريقة التي يراها مناسبة فتستمر عجلة التحصيل للطالب، والعمل للعامل، وتبقى المؤسسات حيّة وفاعلة قدر المستطاع. فلنغتنم هذه الايام، مهما طالت، وشدّد على أن وحدتنا الوطنية كانت وتبقى مصدر قوّتنا ودرع حمايتنا. بها حقّقنا منعتنا، واليوم ستدعم صلابتنا وستؤكد غلبتنا على هذا الوباء، لكي نستعيد في اقرب وقت انتظام حياتنا المعتادة وعشق الحياة الذي يميّزنا.
أما وزارة الصحة فناشدت «جميع المواطنين التقيد بالتدابير الصارمة الصادرة عن المراجع الرسمية والتزام المنزل إلا عند الضرورة القصوى». وأعلنت وزارة الصحة أنّ حتى تاريخ 15 آذار 2020، بلغ مجموع الحالات المثبتة مخبريًا 99 حالة بما فيها الحالات التي تمّ تشخيصها في مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي وتلك المبلغة من المستشفيات الجامعية الأخرى المعتمدة من قبل الوزارة. وتتابع الوزارة أخذ العينات من جميع المشتبه بإصابتهم ومن جميع المخالطين ومراقبة جميع القادمين من البلدان التي تشهد انتشاراً محلياً للفيروس. كما تتابع التقصي الوبائي (مصدر العدوى) لبعض الحالات القليلة التي شخصت أخيراً. وأبدت مصادر نيابية لـ»البناء» ارتياحها لخطوة الحكومة لا سيما ان نسبة تراجع وانخفاض عدد المصابين بكورونا هو مرتبط بالدرجة الاولى بالحجر وعدم الاكتظاظ خاصة. وركزت المصادر على اهمية اقفال الحدود البرية والجوية، معتبرة ان بقاء اللبنانيين في منازلهم لمدة اسبوعين او ثلاثة من شأنه ان يساعد على تراجع حدة الوباء. ولفتت المصادر الى ضرورة التشدد في تطبيق التعبئة العامة لا سيما ان هذا القرار تأخر وكان يفترض ان تتخذه الحكومة منذ مدة لا سيما لجهة وقف الرحلات بين لبنان والدول التي انتشر فيها وباء كورونا لا سيما ايران وإيطاليا على وجه التحديد.
وأكدت المصادر ان لبنان امام تجربتي الصين وايطاليا فإما ان يتعظ ويسلك الطريق الذي سلكته الصين في ووهان من حيث الحجر وإعلان حالة الطوارئ وضبط القوى الأمنية لتحركات اللبنانيين من اجل ان نصل الى خط النجاة، مشيرة في هذا السياق الى ايجابية تتمثل بعدم وجود إصابات في مخيمات النازحين السوريين والفلسطينيين. وهذا يبعث على الاطمئنان ويدعو الى ضرورة الحذر في الوقت عينه واتخاذ اقصى التدابير الوقائية.
وفيما أعلن وزير الصحة حمد حسن عن «تقديم الصين للبنان معدات خاصة لمكافحة فيروس كورونا»، شاكراً «مبادرات المجتمع اللبناني وتلك التي تقوم بها بعض الشركات الخاصة، أكد السفير الصیني في لبنان وانغ كیجیان، عن «وجود تقدم وتطور ايجابي بمكافحة فيروس الكورونا في الصين، وايضاً وجود تحول كبير في الصين ككل من حيث عدد الإصابات وعدد الوفيات وزيادة كبير في عدد المتعافين. وهذا يدل على ان هذا المرض قابل للاحتواء والشفاء»، لافتاً الى «التعاون الفعال والمثمر بين وزارة الصحة والسفارة الصينية في لبنان والجهاز الصحي المتمركز في مطار بيروت الدولي حيث يتم تبادل المعلومات والخبرات، اضافة الى تعميم الإجراءات والارشادات من اجل التعاون لمنع دخول وانتشار الفيروس في لبنان»، كاشفاً عن «تقديم الحكومة الصينية دفعة من المساعدات الطبية للبنان ويتم التجهيز لها بالتعاون مع وزارة الصحة».